أنا أفكر، إذن أنا موجود، من قائل هذه المقولة وماذا تعني؟
أنا أفكر إذًا أنا موجود مقولة شهيرة جدًا كتبها "أبو الفلسفة الحديثة"، وكان الهدف منها بشكل رئيسي إثبات وتأكيد أهمية التفكير في الحياة، فهل تعلم من هو صاحب هذه المقولة؟، وماذا تعني؟
وفي البداية فإن الكوجيتو الديكارتي مثّل نقلة نوعية في الفكر الإنساني وأصبح اسم ديكارت بناءً عليه أبو الفلسفة الحديثة، إذ قام من خلال الكوجيتو بالشك بكل شيء، هذا الشك الذي لم يكن عشوائيًا بل كان مدروسًا ومنهجيًا بهدف الوصول إلى اليقين، والذي دفعه لوضع القواعد الأساسية للوصول إلى المعرفة الحقة والتفكير السليم.
و يعد ديكارت فيلسوفًا عقليًا، بمعنى أنه كان من الفلاسفة الذين اعتبروا أن المعرفة الحقة هي المعرفة العقلية، المعتمدة على الأفكار غير المرتبطة بمعطيات الحس، إذ يوصف التفكير من هذا القبيل والمبادئ التي ينطلق منها بالقبلي A Priori، لأن التفكير من هذا النوع يسبق التجربة على حد تعبير جوليان باجيني.
وقد اعتبر ديكارت أن وعيي الذاتي بذاتي هو ما يحدد وجودي، فمن خلال عملية التفكير أستطيع أن أحقق هذ الوجود، هذه الأنا التي تشك بكل شيء إلا بوجودها فهو يقول في كتابه تأملات ميتافيزيقة في الفلسفة الأولى: لا نستطيع، ونحن على هذا الشك في كل شيء، أن نشك في أننا موجودون، إن هذه الجملة (أنا موجود) هي حقة جبرًا
فقد ركز ديكارت في كتابه الأول "تأملات في الفلسفة" على تفنيد والبحث في مصدر وحقيقة كل المعارف الموجودة ووضعها في محل شك، بناءً على قاعدة "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، ومنها أجرى تجارب كثيرة تعتمد على التفكير والشك في كل المعتقدات حتى يثبت صحتها.
من هو رينيه ديكارت؟
رينيه ديكارت، هو الفيلسوف والفيزيائي وعالم الرياضيات الفرنسي، ولد بتاريخ 31 آذار عام 1596 في بلدة لاهاي الصغيرة بإقليم اللورين، والتي حملت اسمه لاحقًا، تكريمًا له، ووافته المنية سنة 1650م.
بدأ مسيرته العلمية في الجامعة اليسوعية وهو بسن الثامنة، ونال شهادة في القانون بسن الثانية والعشرين، كما درس الطب واللاهوت والبلاغة والمنطق والفنون الرياضية؛ بما فيها علم الفلك والموسيقا، إلى جانب وعلم الأخلاق والفلسفة الطبيعية والميتافيزيقيا.
دعمه أحد الأساتذة المتنفذين للالتحاق باختصاص تطبيق الرياضيات والمنطق لفهم عالم الطبيعة، والتفكر بالوجود والمعرفة، حيث سعى لاستخدام النهج العقلي في تفسير العالم الطبيعي والكشف عن معانيه، ويعتقد أنه سار على نهج العالم فرانسيس بيكون الذي سبقه بعشرات السنين في انكلترا.
ويعتبر الكثيرون ديكارت "أبو الفلسفة الحديثة"، لأنه بنى فلسفته الجديدة (التي لم تكن جديدة فعليًا) على أسس بعيدة عن العاطفة التي صبغت أفكار القرن السابع عشر، واعتقد بوجوب التخلص من الموروثات السابقة، والانطلاق مجددًا بدون مخلفات، حيث يبدأ كل يقين لديه بجملة: "أنا موجود"، والتي كانت وراء انتشار اقتباسه الأشهر "أنا أفكر إذًا أنا موجود"، ومن عباراته الشهيرة أيضًا:
"لا أنوي الانصراف للبحث عن أية معرفة سوى تلك التي يمكن أن توجد في نفسي أو في كتاب العالم العظيم".
التغلب على المخاوف المتنوعة من خلال الشكّ كأسلوب تفكير لدى ديكارت
فعن طريق محاولة فهمه لطبيعة الوجود وأصل المعرفة جاءت مقولته الشهيرة أو ما يُسمى بالكوجيتو "أنا أفكر إذًا أنا موجود"، فقد وجد ديكارت أنّه لا يُمكن الشك بوجوده، لأنّه ببساطة هو نفسه القادر على فعل الشك، حيث يعتقد أنّه إذا شكّ الفرد بوجوده فهو في الحقيقة لا بدّ أن يكون موجودًا في تلك اللحظة. يُمكن القول بأنّ الشك هو طريقة تفكير، وبالتالي فإنّ وجود المرء مطلوب للقيام بالشك أو التفكير في المقام الأول. لذلك فإنّ كلمة "أفكر" في الكوجيتو تعني المعرفة المباشرة واليقينية لوجود الفرد.
هذا ويعتقد ديكارت أنّ قاعدة الوضوح والتميز المستمدة من الكوجيتو يُمكن لها أن تبرر معتقداتنا حول العالم الخارجي، وقد استطاع ديكارت من خلال الكوجيتو أن يثبت أنّ ما كان يشك به سابقًا هو في الحقيقة على يقين، وقد تغلب بذلك على العديد من المخاوف المتشككة التي كان يعتقد بها سابقًا.
وجمع ديكارت بين الرياضيات والمنطق والفلسفة، في محاولةً منه لتفسير الظواهر الفيزيائية وتطبيقها على الأمور الميتافيزيقية، وتعبر مقولته أنا أفكر إذًا أنا موجود عن نظرية الشك لديه، فقد اعتبر أن حواسنا تخدعنا في بعض الأحيان، لذلك كنت على استعداد لافتراض أنه لا يوجد شيء حقيقي مثلما قدموه لنا، وبناءً على هذه الفكرة إنّ كل ما تصوره العقل هو ليس بالضرورة صحيح، لذلك لا يمكن الشك بوجودنا وإنما نشك بالمعرفة الأولى التي تُكتسب.