استقلال سوريا
قبل استقلال سوريا شهدت أعوامًا سوداءً تحت القوى المحتلة الكثيرة التي حكمت المنطقة، وأبرز هذه القوى في العصور الحديثة هي الدولة العثمانية وفرنسا.
أجمع المؤرخون على أنَّ فترة الاحتلال العثماني كانت أسوأ المراحل التاريخيَّة في سوريا؛ إذ استغل العثمانيُّون التنوع الطائفي لتعزيز التفرقة في سورية، واتبعو سياسات تهدف إلى تكريس الجهل وإطفاء أي شعلةٍ تدعو للعلم، لأن الفكر التنويري كان السلاح الوحيد لمقاومة الاحتلال في ظل الهيمنة العسكرية المطلقة للعثمانيِّين، لذلك توجه العثمانيون إلى محاربة العلم والعلماء، فأعدموا الكثير من مثقفي البلد، وأبرز هذه الإعدامات جرت في أواخر الاحتلال العثماني، وتركت بصمةً دمويةً لا تُنسى في تاريخ سورية حتى أصبح هذا اليوم مناسبةً رسميَّةً هي عيد الشهداء 6 أيار.
الثورة العربية الكبرى 1916 م
توالت الأحداث التي شجعت على الانتفاضة العربية، وخصوصًا السياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى بسحب الشباب العربي إلى الخدمة العسكرية في صفوف الجيش العثماني فيما عُرف بالسفر برلك واستعمال الأراضي العربية كساحاتٍ للنزاع، وكانت مجزرة 6 أيار القشة التي قسمت ظهر البعير، والتي دفعت الشريف حسين إلى إعلان الثورة بتأييدٍ شعبيٍّ كبيرٍ، وبدعم بريطاني كان أحد أهم عوامل نجاح الثورة والذي تم إثر مراسلات الحسين- مكماهون الشهيرة.
قاد جيوش العرب الملك فيصل ابن حسين، وقد حقق انتصاراتٌ كثيرةٌ أضعفت الجيوش العثمانيَّة، وانتهت المعارك في 1918 م حيث تم تحرير كامل الأراضي العربيَّة من الاحتلال العثماني وأعلن استقلال سوريا عام 1920، وكان الملك فيصل يأمل توحيد دول بلاد الشام ليكون ملكًا لها، ولكن لم تجرِ الأمر كما شاء فقد كانت الدول الأوروبيَّة في هذه المنطقة ترسم مخطَّطًا استعماريًّا لتقسّم المنطقة وتقاسمها بين بريطانيا وفرنسا، وهذا ما جرى في اتفاقية سايكس- بيكو 1916م.
الانتداب الفرنسي على سوريا 1920-1946 م
أنزلت فرنسا قواتها في سوريا وأرسل الجنرال غورو إنذاره للملك فيصل يأمره فيه بتسليم السلطة لفرنسا، إلَّا أنَّ الملك فيصل رفض هذا وشكَّل جيشًا من المتطوعين السوريين لمواجهة الجيش الفرنسي بقيادة وزير الحربية حينها يوسف العظمة ولم يتجاوز تعداد هذا الجيش 300 جندي، بينما في المقابل قاد الجيش الفرنسي الجنرال غوابيه وبلغ تعداد الفرنسيين 9000 جندي، فكانت المعركة غير متكافئةٍ انتصر فيها الفرنسيون بسهولةٍ ليبدأ عهد الانتداب الفرنسي على سوريا.
الثورات ضد الفرنسيين قبل استقلال سوريا
قامت العديد من الثورات المسلحة ضد القوات الفرنسية في سوريا، وتمت الاشتباكات مع الفرنسيين في عدة مواقعٍ. كانت تنتهي معظمها بحملاتٍ كبيرةٍ قادها الفرنسيون إلى مقر الثوار.
تزامنًا مع ثورة العلي في جبال اللاذقيَّة انطلقت ثورة الشمال السوري بقيادة ابراهيم هنانو الذي تم اختياره من قبل الثوار لقيادتهم لتبدأ الثورة السوريَّة في جبهةٍ أخرى في سوريا 1919 م، إلَّا أنها كسابقتها انتهت على يد الجنود الفرنسيين.
وكانت أهم الثورات السورية ضد الفرنسيِّين وأكثر ثورةٍ وضعت عليها الآمال هي ثورة الدروز في جبل العرب التي قادها سلطان باشا الأطرش 1925 م، والتي كانت أشد الثورات على الفرنسيين، ولكنها انتهت كغيرها بانتصار العسكر الفرنسي وإنهاء الثورة.
الانتفاضة السياسية ضد الفرنسيِّين و استقلال سوريا
لم يفلح الحل العسكري في الانتصار على الفرنسيِّين بسبب القوة العسكرية الفرنسية التي لم تكن لتُهزم آنذاك، لذلك تحولت المقاومة من مقاومةٍ مسلحةٍ إلى مقاومةٍ سياسيَّةٍ، لتتشكل الأحزاب التي تطالب بحقوق البلد باستقلاله وتحرره من الانتداب، فكان رد السوريين على الوجود الفرنسي هو التظاهرات والإضرابات، وأشهرها الإضراب الستيني 1936 م الذي نزل فيه آلاف المتظاهرين استجابةً لدعوة الكتلة الوطنيَّة للتظاهر للمطالبة باستقلال سوريا، والذي أجبر فرنسا على التنازل والتراجع عن موقفها والتفاوض مع الثوار لينتهي الأمر بالاتفاق على الاستقلال بين فرنسا وهاشم الأتاسي رئيس الكتلة الوطنيَّة، إلَّا أنَّ فرنسا لم تلتزم بالاتفاق ولم يقر البرلمان الفرنسي بالاستقلال السوري حتى عام 1941م.
لم تلتزم فرنسا بوعدها بالاستقلال، فما كان من الشعب السوري إلَّا التظاهر والاحتجاج على ذلك في مختلف المحافظات السورية فيما سمِّي بانتفاضة الاستقلال، فواجه الشعب الجنود الفرنسيِّين بالإيدي العارية ممَّا أثار سخط الفرنسيين ليقوموا بقصف دمشق بالمدفعيَّة الثقيلة ردًّا على ذلك، كما سيطرو على مبنى البرلمان. هذا ما أثار ضجَّى كبيرة استدعت تدخُّل بريطاني في النزاع السوري- الفرنسي، وانتهى الأمر بمفاوضاتٍ تقرر بعدها منح سوريَّا حقَّها في الاستقلال ليتحقق ذلك في تاريخ 17 أبريل 1946.