المحطات الحرارية
ازدادت حاجة البشر للطاقة تدريجيًّا بعد الثورة الصناعية، ووصلت تلك الحاجة إلى أوجها في العقود الأخيرة، بعد ازدياد عدد المصانع في العالم بشكلٍ كبيرٍ جدًا، لذا لم يدّخر الإنسان جهدًا في البحث عن مصادر الطاقة المختلفة، فبنى طواحين الهواء، واستخدم ألواح الطاقة الشمسية، والمحطات الحرارية، والمفاعلات النووية لهذا الغرض. وعلى الرغم من تعدد مصادر الطاقة وتنوعها، إلا أن الاعتماد الأكبر بقي على الغاز أو الفحم لتشغيل المحطات الحرارية ؛ فهي تؤمن ثلثي الاحتياج العالمي من الطاقة، لذا من الجدير بنا معرفة آلية عمل هذه المنشأة التي تلعب دورًا شديد الأهمية في وقتنا الحاضر.
كيف تعمل المحطات الحرارية
تعتمد محطات توليد الطاقة الحرارية على عنصرين أساسيين لتشغيلها، هما الماء والوقود، حيث يُحرق الوقود الأحفوري كالفحم مثلًا لرفع حرارة الماء، وتحويله إلى بخارٍ شديد الضغط والحرارة (بخار مُحَمَّص)، يُستخدم بدوره لتحريك العنفات البخارية، ولهذا يطلق أحيانًا على محطات الطاقة الحرارية اسم محطات الطاقة البخارية، مع العلم أن التسمية الأخيرة أكثر شمولًا من تسمية المحطات الحرارية.
يفقد البخار جزءًا من حرارته وضغطه بعد مروره ضمن التوربينات، لذا يتم تمريره إلى مكثّفٍ، وتحويله إلى حالته السائلة مرةً أخرى، ويعاد ضخّه إلى المرجل لتحويله إلى بخارٍ واستخدامه مجددًا في تحريك التوربينات.
أجزاء المحطات الحرارية
تمر عملية توليد الطاقة الكهربائية بعدة مراحلَ، وتشُكلُ حلقةً مغلقةً تتكرر باستمرارٍ. حيث تبدأ بتحويل الماء إلى بخارٍ مُحمّصٍ، وتنتهي بإعادة الماء المتكاثف إلى المرجل، لتحويله إلى بخارٍ من جديدٍ. وفيما يلي شرحٌ مفصّلٌ عن كل مرحلةٍ:
المرجل
تستخدم المحطات الحرارية الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي كمصدرٍ للطاقة، حيثُ يُطلق كلاهما كميةً كبيرةً جدًا من الحرارة عند الاحتراق. تستخدمُ الحرارة الناتجة في تسخين أنابيب المياه الفولاذية التي تمر خلال جدران المرجل، ورفع حرارة البخار الناتج إلى حوالي 550 درجةً مئويةً، حيث لا تتحمل شفرات التوربينات حرارةً تزيد عن 600 درجةٍ مئويةٍ.
يُصبح البخار في نهاية هذه المرحلة جاهزًا لتحريك التوربينات في المرحلة الثانية. أما الغاز الناتج عن احتراق الوقود، فيتم تصريف عبر مدخنةٍ خاصةٍ، بعد تنقيتها من جزءٍ كبيرٍ من الشوائب والملوثات.
التوربينات
من الأجزاء الرئيسية في المحطات الحرارية والتي تُقسم إلى 3 مراحل متتالية بهدف زيادة الكفاءة، تختلف فيما بينها بحجم الشفرات المستخدمة؛ وبالتالي تختلف بالنسبة لحرارة وضغط البخار اللازم لتشغيلها، بينما تشترك جميعها بمحورٍ واحدٍ تتصل نهايتهُ مع الجزء الدوار في المولدة الكهربائية.
يدخل البخار المُحمّصُ في المرحلة الأولى إلى توربين الضغط العالي، وهو أصغر التوربينات الثلاثة حجمًا، مما يؤدي إلى دورانه. يعمل توربين الضغط العالي بدرجة حرارة 550 سيلزيوس وضغط 150 كغ/سم2. يفقد البخار جزءًا من حرارته وضغطهِ ليصبح 70 كغ/سم2 أثناء مروره بهذا التوربين؛ لذا يُعاد تمريره إلى المّسخِّن الذي يقوم برفع درجة حرارته إلى 550 مجددًا دون أي تغييرٍ في الضغط.
يدخل البخار المُعاد تسخينه إلى المرحلة الثانية المتمثلةِ بعنفات الضغط المتوسط. تكون شفرات هذا التوربين أكبر حجمًا من شفرات توربين المرحلة السابقة، وبالتالي يسهُل على البخار متوسط الضغط تدويرها، والذي يفقد بدوره المزيد من الحرارة والضغط أثناء هذه العملية.
تُشكل عنفة الضغط المنخفض الجزء الأكبر من قسم التوربينات والمرحلةَ الأخيرةَ فيه، حيث تستقبل البخار ذو الضغط المنخفض مباشرةً من المرحلة السابقة، وهي المرحلة التي تنتج الجزء الأكبر من الطاقة.
يحول المولد المتصل مع محور التوربين الطاقة الميكانيكيّةَ إلى طاقةٍ كهربائيةٍ، ويتم التحكم بالجهد الكهربائي الناتج من المحطات الحرارية قبل نقله ضمن الخطوط الكهربائية، وتوزيعه على الأحمال.
المُكثّف
يكون البخار الناتج عن مرحلة تدوير التوربينات ذو حرارةٍ وضغطٍ منخفضين، وغير مناسبين لتدوير التوربينات من جديدٍ، وبما أن عملية تسخين البخار وضغطه لإعادة استخدامه من جديدٍ تتطلب كميةً كبيرةً من الطاقة، يُعاد البخار إلى حالته السائلة على عدة مراحلَ.
أهمها وأكثرها وضوحًا للعيان هي أبراج التبريد الضخمة على شكل قطعٍ مكافئ، والتي تستخدم مصدر مياهٍ مجاورٍ كالأنهار والبحار لامتصاص ما تبقى من حرارة البخار. ليُعاد الماء المتكاثف في نهاية المرحلة إلى المرجل، ليتم تسخينه وتحويله إلى بخارٍ من جديدٍ.