النقطة الثلاثية للماء

الماء ذلك السائل الشفاف عديم اللون والطعم والرائحة والمتواجد بشكلٍ طبيعيٍّ في الأرض، وتتنوع مصادر المياه فمنها المياه السطحيّة الموجودة في البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات، ومنها الجوفيّة الموجودة في مسام الصخور ضمن التربة والتي تضم الينابيع، وتغطّي المياه نسبة 70% من الكرة الأرضيّة، بمجموعٍ يصل إلى 1386 مليون كيلومتر مكعّب. ولكن بالرغم من هذا الحجم الهائل إلا أنّ المياه الصالحة للشرب تشكل نسبة 3% فقط من مجموع المياه الكليّ على كوكب الأرض، وتبلغ نسبة المياه المتجمّدة حوالي 23%. ونظرًا للأهمية الكبرى للماء في حياتنا، سنتطرق إلى توضيح مفهوم شائع هو النقطة الثلاثية للماء وتطبيقاته في حياتنا. .

يعتبر الماء المادّة الوحيدة التي تتواجد بشكلٍ طبيعيٍّ في جميع حالات المادة المعروفة، حيث يتواجد الماء بشكلٍ سائلٍ وبشكلٍ صلبٍ (الجليد) وبشكلٍ غازيٍّ (بخار الماء)، كما يتميّز الماء بقدرته الكبيرة على إذابة مختلف المواد، ويستعمل كمُحِّلٍ في كثيرٍ من الصناعات.

يتكوّن جزيء الماء من ذرة أوكسجين وذرتي هيدروجين، ترتبط كل ذرة هيدروجين بذرة الأوكسجين برابطةٍ كيميائيّةٍ، وعلى الرغم من أن تركيبة الماء قد تبدو بسيطةً، إلا أنّه يحمل خصائصَ كيميائيّةً وفيزيائيّةً معقّدةً للغاية. وما يميّز جزيء الماء هو طريقة ارتباط الأوكسجين مع الهيدروجين، إذ أنّ جزيء الماء ليس جزيئًا خطيًّا بل ينحني بطريقةٍ خاصّةٍ، ترتبط ذرتا الهيدروجين بذرة الأكسجين بزاويةٍ تبلغ 104.5 درجةً، ويبلغ طول الرابطة بين الهيدروجين والأوكسجين 9.57×10^-11 متر، وتعتبر الرابطة الكيميائيّة في جزيء الماء قطبيّةً نظرًا لأن الأوكسجين يحمل شحنةً سالبةً جزئيّةً (δ−)، بينما يحمل الهيدروجين شحنةً موجبةً جزئيّةً (δ +)، كما ويتمتع الأوكسجين بكهرسلبية أكبر من الهيدروجين.

كما يجدر بالذكر أنّ جزيئات الماء تشكّل روابط فيما بينها تعتبر ضعيفةً نسبيًّا، تُدعى بالروابط الهيدروجينيّة، ناتجة عن انجذاب الهيدروجين في جزيء الماء إلى إلكترونات ذرة أوكسجين موجودة في جزيء آخر.

يتواجد الماء طبيعيًّا في جميع أطوار المادة (صلب - سائل - غاز)، ويشير مصطلح النقطة الثلاثية للماء إلى النقطة التي تتوافر فيها المادة بجميع حالاتها في نفس اللحظة، ويحدث ذلك تحت تأثير ضغطٍ ودرجة حرارةٍ مناسبين، وهي حالةٌ فريدةٌ من التوازن الديناميكي الحراري.

اتّفق العلماء على أنّ النقطة الثلاثية للماء تحدث عند درجة حرارة 273.16 كالفن (أي ما يعادل 0.01 درجة مئوية)، مع تطبيق ضغطٍ يبلغ قدره 611.66 باسكال (أي ما يعادل 6.1166 ميلي بار)، وعند تطبيق هذين الشرطين على الماء نرى الماء في جميع أطوار المادة في نفس اللحظة، كما يمكن تغيير حالته الفيزيائيّة بشكلٍ كاملٍ بسهولةٍ وتحويله بين صلب أو سائل أو غاز، وذلك عن طريق القيام بتغييراتٍ بسيطةٍ جدًا في درجة الحرارة والضغط المطبّق.

تعتبر درجة الحرارة النقطة الثلاثية للماء 273.16 كالفن هي درجة الحرارة القياسيّة المستخدمة في معايرة موازين الحرارة، كما استخدم العلماء درجة الحرارة هذه لتحديد قيمة واحدة الكلفن، أي أنّ واحدة القياس الكلفن تم تعريفها اعتمادًا على درجة حرارة الصفر المطلق ودرجة حرارة النقطة الثلاثية للماء، بحيث أنّ الكلفن الواحد يساوي قيمة 1/273.16 الفرق بين درجة الحرارة الثلاثيّة للماء والصفر المطلق.

يوضّح مخطط طور المادة التحولات التي تطرأ على الماء، حيث يمثّل الضغط المحور الشاقوليّ؛ ويشير المحور الأفقيّ إلى درجة الحرارة؛ وتشير المنطقة الزرقاء إلى الصلب، والخضراء إلى السائل، والبرتقاليّة إلى الغاز. وتكون أطوار الماء في حالة توازن حراريّ، حيث يفصل حدّ التبخّر الحالة السائلة عن الحالة الغازيّة، بينما يفصل حدّ الانصهار الحالة السائلة عن الحالة الصلبة، ويفصل حد التصعّد (التسامي) الحالة الصلبة عن الغازيّة، ويتوافق حدوث النقطة الثلاثيّة للماء مع تطبيق الحد الأدنى من الضغط على الماء السائل. .

إذا أمعنت النظر في بعض التفاصيل التي تحدث في حياتك اليوميّة، فسوف تشاهد هذه الحادثة الفريدة التي تتمثّل برؤيتك للماء في جميع حالاته في نفس الوقت، فمثلًا عند إضافتك قطع الثلج إلى مشروبك الساخن، ستشاهد تصاعد بخار الماء من الكأس الناتج عن ذوبان الثلج، بينما يذوب بعض الثلج ويتحوّل إلى ماء، ولكن علميًّا هذه التجربة لا تدّل على الحالة الصحيحة للنقطة الثلاثيّة، حيث أنّ الفرق بسيطٌ ولكنه جوهريٌّ في آنٍ واحدٍ، فعند النقطة الثلاثيّة للماء لا يتحوّل الماء من شكلٍ إلى آخر، أي أنّ نسبة كلٍّ من البخار والجليد والماء السائل تبقى ثابتةً.

توّفر النقطة الثلاثيّة للماء نقطةً مرجعيّةً حرجةً وثابتةً عند معايرة أجهزة وأدوات قياس درجة الحرارة، وتفيد في الكشف عن الانحرافات البسيطة غير المقبولة بين المعايرات، وبالاعتماد على هذه النقطة يمكن للمخابر زيادة دقّة أجهزتها. .