تفاعلات الاندماج النووي في النجوم
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
عندما تُبدع في إحدى المجالات، يُقال عنك ببساطةٍ بأن نجمك قد سطع في هذا المجال، كما تُستخدم كلمة النجم لوصف الأشخاص الذين حققوا شُهرةً واسعةً في مجال ما كما نجوم الغناء والتمثيل وغيرها. في الحقيقة، يَستمد هذا الوصف معناه من ظاهرة بريق النجم ولمعانه، فلا بد وأنك قد راقبت السماء في يومٍ ما ولاحظت بريق النجوم فيها، فما هو سبب هذا البريق في النجوم وما منشأه؟ هل يمكننا تفسير ذلك عن طريق معرفة ماهية تفاعلات الاندماج النووي في النجوم ؟ تابع معي.
النجوم وطريقة تشكلها
يُعرّف النجم على أنه جسمٌ في الفضاء الخارجي يتألف في الأساس من الهيدروجين والهيليوم، والضوء الساطع منه هو نتيجةٌ لمجموعةٍ من التفاعلات تُطلق الطاقة والحرارة إلى المحيط الخارجي، وتجتمع النجوم مع بعضها في تشكيلاتٍ بأعدادٍ هائلةٍ لتُشكل المجرّات، إذ يُقال أنه في مجرّة درب التبانة وحدها؛ يوجد حوالي 300 مليار نجمٍ.
يتكون النجم نتيجةً لسلسةٍ من المراحل تبدأ في سحابة الغبار والجسيمات الفضائية والتي تسمى بالسديم، حيث تندمج الذرات والجسيمات مع بعضها داخل السحابة تحت تأثير الجاذبية، لتندمج وتنضغط في حيّزٍ صغيرٍ مُشكَّلةً ما يُعرف بالنجم الأولي، ويصعب مراقبة هذه المرحلة نظرًا لانحجابها بالغبار داخل السديم، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ، يستمر انضغاط المادة في حيّزٍ صغيرٍ، ويبدأ النجم الأولي بالدوران ما يزيد من قوى الجاذبية، فيزداد الضغط وتبدأ الحرارة بالارتفاع بشكلٍ كبيرٍ، عندها تسمى هذه المرحلة بمرحلة تي تاوري (T Tauri)؛ تيمنًا باسم النجم الذي تمت ملاحظته فيها لأول مرةٍ، تليها المرحلة الأخيرة وهي الأكثر استقرارًا، وتسمى بالتسلسل الرئيسي للنجم، والتي تبدأ فور ارتفاع درجة الحرارة لما فوق 15 مليون درجة مئوية، حيث تحدث سلسلة تفاعلات الاندماج النووي داخل النجم وتطلق هذه التفاعلات كمًّا هائلًا من الطاقة والحرارة.
.
تفاعلات الاندماج النووي في النجوم
تُعرف تفاعلات الاندماج النووي في النجوم على أنها تفاعلاتٌ ذريةٌ تمدُّ النجم بالطاقة من خلال اندماج عدة نوى مع بعضها لتشكيل نواةٍ جديدةٍ أكبر لعنصرٍ مختلفٍ تمامًا، وينتج عن هذا التفاعل قدرٌ كبيرٌ من الطاقة لكون النواة الناتجة أصغر في الكتلة من مجموع كتل الأنوية الداخلة في تفاعل الاندماج، ويحدد حجم النجم نوع التفاعلات الحاصلة فيه، ويمكن حصرها في ثلاثة أنواع تبعًا لحجم النجم، هي كالتالي:
- النجوم ذات الأحجام الصغيرة: يتم فيها دمج ذرات الهيدروجين لتُنتج غاز الهيليوم فيما يُعرف بسلسلة بروتون – بروتون.
- النجوم ذات الأحجام المتوسطة: عندما ينخفض تركيز الهيدروجين في النجم بشدّةٍ، تقوم هذه النجوم بتخليق الأوكسجين والكربون انطلاقًا من الهيليوم فيما يُعرف بسلسلة الكربون والأوكسجين والنيتروجين.
- النجوم ذات الأحجام الكبيرة: تحّول النجوم عالية الكتلة ذرات الهليوم إلى كربون وأكسجين، يليها اندماج الكربون والأكسجين إلى نيون وصوديوم ومغنيسيوم وكبريت وسيليكون، فيما يُعرف بعملية ألفا الثلاثية، أما التفاعلات اللاحقة، تحول هذه العناصر إلى الكالسيوم والحديد والنيكل والكروم والنحاس وغيرها، وتُعد تفاعلاتٍ ماصة للطاقة.
.
شروط حدوث تفاعلات الاندماج النووي في النجوم
عندما تندمج ذرات الهيدروجين، يجب أن تتجمع النوى معًا، ولكن وكما نعلم، فإن البروتونات الموجبة في كل نواةٍ، تتنافر مع بعضها في الظروف الطبيعية، ولتحقيق الاندماج، تحتاج إلى تهيئة ظروفٍ خاصّةٍ للتغلب على هذا التنافر. فيما يلي الشروط التي تجعل حدوث تفاعلات الاندماج النووي في النجوم ممكنًا:
- ارتفاع درجة الحرارة: تعطي درجة الحرارة المرتفعة ذرات الهيدروجين طاقةً كافيةً للتغلّب على التنافر الكهربائي بين البروتونات. وعند الحرارة المرتفعة جدًا، يكوّن الهيدروجين بلازما وليس غازًا، والبلازما هي حالة مادة عالية الطاقة، تُجرَّد فيها جميع الإلكترونات من الذرات وتتحرك بحريّةٍ.
- الضغط المرتفع: يؤمن انضغاط ذرات الهيدروجين معًا في حيزٍ صغيرٍ جدًا بالمقارنة مع حجمها، عملية الدمج.
.
أنواع تفاعلات الاندماج النووي في النجوم بالتفصيل
سلسلة البروتون – بروتون
يتم في هذا النوع سلسلة تفاعلات اندماجٍ تبدأ بدمج نواتي ذرتي هيدروجين لتشكيل نواة ديوتيريوم (Deuterium)، ثم يليها دمج نواة الديوتيريوم مع نواة هيدروجين أخرى مشكلةً نظير الهيليوم الثلاثي (Helium-3)، وفي آخر مرحلةٍ، يتم دمج ذرتي نظير الهيليوم الثلاثي لإنتاج ذرة هيليوم (He)، يطلق هذا النوع كميّة كبيرة من الطاقة على شكل أشعة غاما، ونتيجة انتقالها من جزيءٍ لآخر عبر سحابة النجم؛ تنزل إلى مستوى الطيف المرئي فتُصبح قابلةً للمُشاهدة.
.
دورة تخليق الكربون والأوكسجين والنيتروجين (CNO Cycle)
تمر هذه التفاعلات في ست مراحلَ، تبدأ الأولى بالتقاط نواة الكربون-12 بروتونًا لتتحول إلى نيتروجين-13 وتصدر أشعة غاما، وهذا العنصر (النيتروجين-13) غير مستقرٍ بحدّ ذاته، ينطلق منه جُسيم بيتا فيتحول إلى الكربون-13، والذي بدوره يلتقط بروتونًا متحولًا إلى نيتروجين-14 مُطلقًا أشعة غاما، ثم يلتقط النيتروجين-14 بروتونًا ليُصبح أوكسجين-15، كذلك يُصدر أشعة غاما. يتحول الأوكسجين-15 إلى نيتروجين-15 الذي بدوره يلتقط بروتونًا ويُنتج الهيليوم وكربون-12، لتعود الدورة إلى نقطة البداية.
.
عملية ألفا الثلاثية
هي تفاعل اندماجٍ نوويٍّ، تندمج فيه ثلاث نوى هيليوم (جسيمات ألفا) لتشكيل نواة كربون-12 مُطلقةً طاقةً وفق التسلسل التالي: بدايةً تندمج نواتان من الهيليوم لتكوين نظيرٍ غير مستقرٍ من البريليوم (Beryllium)، والذي بدوره يندمج تحت ظروف درجة حرارةٍ وضغطٍ كافيين، مع نواة هيليوم ثالثة لتكوين الكربون قبل أن يتحلل.
تحدث عمليات ألفا الثلاثية في النجوم التي تراكمت فيها كمياتٌ كبيرةٌ من الهيليوم كنتاجٍ لسلسلة بروتون – بروتون وتفاعلات دورة الكربون، وحالما يُشكل الكربون-12 وبتوفر الظروف المناسبة، تندمج نواتي كربون-12 لتُنتج أوكسجين-16، أو نيكل-20 أو المغنزيوم-24.
.