عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة
شهدت مصر القديمة حضارة شامخة تقع في شمال شرق إفريقيا وتعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، لم يخفَ على أحدٍ منجزاتها العديدة، والتي ينضح بها فنها وآثارها، تحمل في جنباتها سحرًا لا تخطئه عين بدأ منذ آلاف السنين. ولاتزال آثارها تحت الاكتشاف بفضل عمليات التنقيب والبحث المستمر منذ ذلك الحين وحتى الآن. إنها الواحة التي تعج بالحياة في صحراء جرداء شاسعة بشمال شرق إفريقيا، نيلها مصدر تلك الحياة وأرضها منبت الخير والرخاء. سنتطرق في هذا المقال إلى ذكر عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة ونهضتها.
الحضارة
ازدهرت الحضارة المصرية القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ، وعلى الرغم من تغيُّر الحكام وتتطور مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية على مر العصور، لكنها أبت إلا أن تظل صامدة رغمًا عن تقلبات الدهر، حتى أضحت مصر الآن واحدة من أقدم البلاد تاريخًا وأعرقها حضارةً.
كانت هناك صلة وثيقة تربط بين مصر القديمة - كمركز حضاري- ومناطق أخرى حول العالم، تمثلت معظم هذه الصلات في عمليات استيراد وتصدير البضائع، علاوةً على التأثّر الثقافي والديني وتبادل الأفكار والرؤى وأحيانًا البشر. لم تكن مصر كما هي عليها الآن جغرافيًا وسياسيًا، فقد شهدت حدودها توسّعًا مستمرًا بمرور الزمان، وبسطت نفوذها السياسي على الأراضي المجاورة لتحكم - قديمًا - السودان وقبرص وسوريا ولبنان وفلسطين.
ولأن دوام الحال من المحال، لم يكن لمصر اليد العليا دائمًا، وهي في ذلك كأي حضارة إنسانية تعرضت للاضمحلال والاحتلال بعد عصور الرخاء والازدهار، فتم احتلالها من قبل أمم أخرى مثل الفرس والنوبيين واليونان وغيرها. وهكذا توالت عصور من القوة وعصور من الضعف، لتُشكّل حضارة نجحت في التأقلم مع كل الظروف وقاومت الاندثار فخلدها التاريخ وحفظها الزمان.
سُميت مصر بالعديد من الأسماء في العصور السابقة، وكان اسم كيمت (Kemet) أحد أشهر الألقاب القديمة استخدامًا، ويعني الأرض السوداء، إشارةً إلى تربتها الخصبة التي رسبتها مياه النيل عند حدوث الفيضان السنوي.
يُشار إلى حُكام مصر القدامى الآن باسم الفراعنة، إلّا أنهم اعتمدوا عدة أسماء كألقاب فخرية لهم على مر العصور، وفي تفسير معنى كلمة فرعون كتب رونالد ليبرون (Ronald Leprohon) - أستاذ علم المصريات بجامعة تورنتو - في كتابه "الاسم العظيم: الألقاب الملكية المصرية القديمة" أن كلمة فرعون مشتقة من مصطلح per-aa؛ ويعني البيت العظيم.
عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة
ساهمت عدة عوامل في انبثاق الحضارة المصرية القديمة عام 3500 قبل الميلاد، تنوعت في مصدرها بدايةً من العوامل الطبيعية مثل الموقع الجغرافي، وصولًا إلى العوامل البشرية المتعلقة بقدرة سكان وادي النيل على إخضاع وتطويع كافة العناصر المتاحة لتحسين جودة الحياة واستغلال الموارد الطبيعية على أفضل وجه. وسنعرض فيما يلي أهم العوامل التي ساعدت على ازدهار الحضارة المصرية القديمة.
الموقع الجغرافي لمصر القديمة
تقع الأراضي المصرية القديمة في منطقة شمال شرق أفريقيا كما ذكرت آنفًا، إلّا أن النشاط السكاني تمركز في مساحة ضيقة يبلغ طولها 550 ميلًا وعرضها 15 ميلًا على ضفاف نهر النيل حيث التربة الخصبة الصالحة للزراعة. وأثناء فصل الصيف من كل عام كان يرتفع منسوب المياه في النهر؛ فيرسب الطمي الغني بالعناصر اللازمة لنمو المحاصيل الزراعية.
دور نهر النيل
مصر هبة النيل
— - المؤرخ اليوناني هيرودوت
ما من مصري لا يعرف أهمية نهر النيل، ولم لا وهو شريان الحياة! تغنّى فيه الشعراء وكتبوا من أجله قصائد عذبة مثل مياهه، وكان النيل رمزًا للوطنية والتنديد بالاستعمار، ومن أهم الشعراء الذين استحضروا رمزية النيل في أشعارهم كان الشاعر المصري حافظ إبراهيم والمُلقب أيضًا بشاعر النيل. كما كتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة بعنوان ( أيها النيل) يقول فيها:
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ؟
وبـأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ؟
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من
علْيـا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ؟
النيل هو أطول نهر في العالم، إذ يبلغ طوله أكثر من 4100 ميل، ويقع في شمال شرق إفريقيا، ويتدفق عبر العديد من البلدان الأفريقية المختلفة بما في ذلك مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا، هناك نوعان من الروافد الرئيسية التي تغذيه وهما: روافد النيل الأبيض، وروافد النيل الأزرق.
يقول المؤرخون دائمًا لولا وجود نهر النيل لما كانت هناك حضارة في مصر القديمة. حسنا! قد تعتقد أن هناك مبالغة في تقدير أهمية النهر لكن دعونا نتعرف على مدى تأثير نهر النيل ودوره كأهمّ عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة .
- استعمل المصريون مياهه في ري المحاصيل الزراعية خلال فترات الجفاف الشديد.
- استوطن الناس بالقرب من ضفافه نظرًا للمناخ المعتدل الذي تهيئه مياه النهر.
- ساعد النيل على توحيد الشعب المصري على الضفتين الشرقية والغربية، وسهل حركة التجارة بين القرى والمدن.
- كان النيل رمزًا دينيًا مقدسًا، اتخذ له المصريون القدماء إلهًا خاصًا يُدعى حابي (Hapi) ومعناه جالب السعادة.
الجانب السياسي والعسكري
حظيت الحضارة المصرية القديمة بدفعة قوية للأمام في عام 3100 قبل الميلاد، عندما وحد الملك مينا مملكتي الشمال والجنوب، مكنت هذه الوحدة المصريين من تحقيق العديد من الإنجازات المسجلة في كتب التاريخ. كانت مصر القديمة محظوظة أيضًا بوجود قادة حكماء خاصة خلال سنوات حكم الأسر الأولى.