تريند 🔥

📱هواتف

كتاب العزيف (نيكرونوميكون)

مروة عمران
مروة عمران

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

7 د

تخيل نفسك تحمل كتابًا مجلّدًا بلحمٍ بشريٍّ، ومكتوبًا بالدم بدلًا من الحبر، مليئًا بالتعاويذ التي تحيي الموتى وتستدعي المخلوقات الغريبة غير الموجودة، لا بدّ أنك ارتعشتَ قليلًا أو أحسست بأنك تشاهد فيلم رعبٍ فحسب، إلا أنه كتابٌ موجودٌ بالفعل يتألف من أكثر من 1000 صفحةٍ، ولحسن الحظ، لم تبقَ منه أي نسخةٍ، فقد اختفت النسخة الأصلية منذ زمنٍ بعيدٍ، ولا بد أنه شيءٌ جيّدٌ فقد يُصاب من يقرأه بالجنون بلا شك، إنّه كتاب العزيف (Necronomicon).

هل هناك تعاويذُ وكتبٌ قادرة على استدعاء الموتى حقًّا! وهل كتاب العزيف هذا هو كتابٌ حقيقيٌّ أم من محض الخيال! لنتعرف أكثر ونجاوب على التساؤلات التي تدور في ذهنك في تلك السطور.


نبذة عن كتاب العزيف

يُعرف كتاب العزيف باسم Necronomicon، وهو كتاب السحر الأكثر رعبًا والأكثر رواجًا على هذا الكوكب، كتابٌ مليءٌ بالأسرار والطقوس التي يمكن أن تدفع القارئ إلى حافة الجنون، حيث أكّد مؤلفه على أن الكائنات الذي يتحدث عنها كتابه هي مخلوقاتٌ بعيدةٌ عن الإدراك البشري لدرجة أنّ مجرّد التفكير بها لأكثر من لحظةٍ يمكن أن يشوه عقلك، بالإضافة لاحتوائه على صورٍ للجن وللكائنات تقشعر لها الأبدان، إذ يُقال أنها صورٌ حقيقيةٌ!

الكتاب هو تاريخٌ خياليٌّ عن عالمنا والمخلوقات التي حكمت الأرض والعوالم الأخرى منذ دهورٍ طويلةٍ، حيث أن العنوان يعني "قوانين الموتى"، لكن الترجمة الأكثر حرفيةً هي "كتاب الأسماء الميتة"، أما اسمه العربي فهو "العزيف"، ويعني أصوات الحشرات في الليل، وهي الأصوات التي كان العرب يعتقدون قديمًا بأنها أصوات الشياطين والجن.

يحوي كتاب العزيف تعويذاتٍ معقدةً وغامضةً تقوم باستحضار الأرواح أو مخاطبة الشياطين، كما يتحدث عن عدّة أساطير حول كائناتٍ خارج كوكب الأرض أسماها الكاتبُ بمسمّى "القدامى"، وتتمتّع تلك بقوى هائلةٍ، فيحكي قصصًا عن تلك المخلوقات التي كانت تسكن الأرض قبل البشر واستحضارها لعالمنا الحقيقي.


مؤلف كتاب نيكرونوميكون

Howard Phillips Lovecraft - هوارد فيليبس لافكرافت

هوارد فيليبس لافكرافت (Howard Phillips Lovecraft)

تم اختراعه من قِبل مؤلف روايات وكتب الرعب هوارد فيليبس لافكرافت (Howard Phillips Lovecraft) كمجرد أداةٍ لحبكة رواياته، وفي الحقيقة؛ لا يتواجد هذا الكتاب في المكتبات اليوم، على الرغم من توفر أكثر من ستة كتبٍ تحمل اسم نيكرونوميكون (Necronomicon)..

يخبرنا لافركرافت أن من ألّف كتاب العزيف هذا هو عبدالله الحظرد (Alhazred)، حيث أُطلق عليه لقب المجنون العربي، نظرًا لادّعائه برؤية أشياءَ غير موجودةٍ، إلا أن اسمه ليس اسمًا عربيًّا بالفعل، لكنه ظهر في النصوص العربية على أنه عبد الله الحظرد.

في المقابل، يُقال أن عبد الحظرد ليس إلّا شخصيةً خياليّةً، ابتكرها لوفكرافت وادّعى أنها حقيقية، كما أن عبد الحظرد هو اسمٌ مستعارٌ تبناه لوفكرافت بعد أن قرأ كتاب ألف ليلة وليلة في طفولته المبكرة، حيث قال أنّ فكرة كتاب نيكرونوميكون (Necronomicon) قد جاءته في منامه وقام بتأليفه قصةً بعد قصةٍ، حيث غلب على أسلوبه الغموض والأحداث المختبئة خلف أبوابٍ مغلقةٍ، وترك الباقي لخيالنا الذي يعمل هو نفسه على تغذية مخاوفنا، ولهذا تكمن قوّة هذا الكتاب في لغز الكتاب نفسه.

كانت أعمال لوفكرافت كلّها مبنيةً على المجهول، مستندةً على الخوف الطبيعي للنفس البشرية، حيث إنه يخيف القراء من خلال استحضار المخلوقات التي تذكرنا بمدى ضعفنا نحن البشر حقًا، ويعكس تلميحات عن أنفسنا وخوفنا مما نجهله عن العالم الآخر وحتى عن العالم الحقيقي، ولهذا السبب استغل لوفكرافت هذا التأثير العميق للكتاب في البشر، وجعله نقطةً مرجعيةً في جميع أعماله.

سمح Lovecraft للكتّاب الآخرين بالاستشهاد من كتاب نيكرونوميكون في أعمالهم، وادّعى أنه لم يبقَ إلا عدد قليل جدًّا من النسخة الأصلية، حتى أنه حذّر من خلال كتاباته أي شخصٍ يحاول القيام بالطقوس والتعويذات الواردة في الكتاب أو حتى من يحاول دراستها لأنه سيواجه مصيرًا غامضًا ومرعبًا حتمًا.

على الرغم من أنّ كتاب العزيف عملٌ خياليٌّ بحت، فقد لجأ الكثير من الكتّاب إلى إدخاله في أعمالهم إن كانت كتابيّةً أو مسرحيّةً أو سينمائيّةً، حيث ظهرت كتب بعنوان كتاب نيكرونوميكون في بعض أفلام الرعب، كما انتشرت أيضًا كتبٌ في المكتبات على أنها ترجمةٌ للنسخة الأصليّة..


عبد الله الحظرد

كان حظرد شاعرًا مجنونًا في صنعاء، اليمن، وقيل إنه عُرف في عهد الخلفاء الأمويين حوالي 700 م، وقضى عشر سنواتٍ وحيدًا في صحراء الجزيرة العربية (الربع الخالي)، والتي يقال أنه كان يسكنها الأرواح الشريرة ووحوش الموت، إذ أن هناك العديد من العجائب الغريبة عن هذه الصحراء، حيث ادّعى العديد أنهم اخترقوا سرّيتها واستطاعوا استحضار الأرواح فيها.

يروي الحظرد قصة حياته بالتفصيل، بتاريخها المأساوي ومغامراته السحرية، حيث بدأ القصة من نفسه عندما كان فتىً فقيرًا في اليمن، جذب انتباه الملك لمهارته الإلهية في الشعر بصفته شاعر البلاط، وكان يعيش حياةً فاخرةً في ذلك القصر، حيث يدرس استحضار الأرواح والسحر، لكن الوقوع في حب ابنة الملك جعله يُنفى ويُلقى في الصحراء المعروفة باسم الربع الخالي، حيث ينضم هناك إلى قبيلةٍ من الغول ويتعلم الأسرار المحرمة من شخصٍ غريبٍ يدعى Nyarlathotep، ومن هنا بدأت دوامة الهبوط في الشر، وبدأ يسافر عبر العالم القديم الغريب باستخدام السحر الأسود.

انتقل لاحقًا إلى دمشق، حيث ألف حينها كتابًا باللغة العربية وهو كتاب العزيف عن الشر المطلق، تُرجم للغاتٍ عدّة، واشتُهر باسم Necronomicon، أما عن موته، فقد اختفى الحظرد بطريقةٍ غامضةٍ سنة 738 م، حيث انتشرت الأقاويل عن موته بأن وحشًا غير مرئيٍّ قد قام بالنيل منه والتهمه في وضح النهار وسط حشدٍ من الجماهير الذين أصابهم الذعر من هذا المشهد المرعب، حيث كان الثمن الذي دفعه مقابل تلقي تلك المعرفة.

قيلت أشياء كثيرة عن جنونه، منها أنه ادّعى أنه وجد تحت الأنقاض بلدةً صحراويةً معينةً مجهولة الاسم، وأسرار مروعة لعرقٍ قديمٍ جدًّا من الجنس البشري، فلم يكن سوى مسلمًا غير مبالٍ، يعبد كياناتٍ غير معروفةٍ أسماها يوغ سوثوث وكثولهو..


كتاب العزيف النسخة الأصلية

في الحقيقة أن النسخة الأصلية لهذا الكتاب مفقودة، أو بكلماتٍ أدق نادرة جدًّا، ويقال أن النسخة الأصلية اليتيمة موجودة في متحف الفاتيكان، حيث تمت ترجمة الكتاب قديمًا بشكلٍ سرّيٍّ إلى اليونانية من قبل ثيودور فيليتاس (Theodorus Philetas) من القسطنطينية في عام 950 بعد الميلاد، واكتسب انتشارًا سريًّا بين فلاسفة العصر تحت عنوان Necronomicon، لكن البطريرك مايكل الأول في ذلك الوقت قام بحرقها بعد مضي قرنٍ كاملٍ على ترجمتها، لأن السحر واستحضار الأرواح عند المسيحية أمرٌ غير محببٍ أبدًا، كما في كل الديانات الأخرى.

لكن (1228) قام أولاس ورميوس (Olaus Wormius) بترجمة الكتاب من اللغة اليونانية إلى اللاتينية في وقتٍ لاحقٍ في العصور الوسطى، وما لبث أن تم حظر العمل باللغتين اللاتينية واليونانية من قبل البابا غريغوري التاسع في عام 1232 بعد وقتٍ قصيرٍ من ترجمته اللاتينية.

فُقد الأصل العربي من كتاب العزيف منذ زمن ورميوس، إلا أن النسخة اللاتينية قد عادت للظهور في القرن الخامس عشر في ألمانيا، والقرن السابع عشر في إسبانيا، أما النسخة الإغريقية فقد عادت للظهور في القرن السادس عشر في إيطاليا، كما تُرجم إلى عدة لغاتٍ منها الإنجليزية والعبرية، وقد أُطلق عليه في اللغة العبرية اسم كتاب بوابات المعرفة.

أما النسخ التي نُشرت على أنها الأصل فقد كانت كثيرةً جدًّا ومتوفرةً أيضًا، لكن الكتابات داخلها كانت بعيدةً جدًّا عن كتابات Lovecraft، ومن المرجح أنها كتاباتٌ تشير إلى طقوسٍ وتعاويذَ قديمةٍ كانت موجودةً في الثقافات السومرية والمصرية القديمة، ولا علاقة لها بتعويذات الحظرد التي كان يتكلم عبرها مع الشياطين والعالم الآخر.

من المرجح أيضًا أن عبد الحظرد لم يقم بجمع ما كتبه في كتابٍ كاملٍ بتسلسلٍ وترتيبٍ، فقد زعم لافكرافت أن الكتاب لم يُطبع أبدًا..

في النهاية، لا بد أن تلك الضجة الضخمة التي حصل عليها كتاب العزيف ومحاولات الدول القمعية في حرق نسخه وحرصهم على اختفائه خوفًا على مصير قارئه، ما هي إلّا أوهام كَبرت داخل أنفسنا كبشرٍ لقلّة معرفتنا عن المجهول والماورائيات، وعن حقيقة هذا الكون الغامض، فحتّى من قرأه وأُصيب فعلًا بالجنون، لا يؤكد أن لتلك التعويذات تأثيرًا حقيقيًّا على الأرواح والموتى، ولا يستحضرهم بالفعل، بل ما هي إلا تأثير النفس البشرية على نفسها وتأثير أوهامنا وتخيلاتنا على عقلنا الباطن، فكيف إذا تعلّق هذا بمخاوفنا الحقيقية من المجهول، لا بد أن قابلية عقلنا لتصديق ما نقرأ ستكون في أعلى مستوياتها.

ومع ذلك ما زال الصراع حول هذا الكتاب، ما بين رافضٍ له ولوجوده حقّا، وما بين مصدّق ومؤمن بوجوده الحقيقي قائمًا حتى يومنا هذا.

هل أعجبك المقال؟