كيف عالج النظام الرأسمالي المشكلة الاقتصادية؟
رغم المشاكل التي أحدثها النظام الرأسمالي، إلا أنه تمكن في كل مرة من الولادة من جديد. فكيف عالج النظام الرأسمالي المشكلة الاقتصادية؟
يعتبر النظام الرأسمالي أفضل نظام تمّ ابتكاره للحد من الفقر ونشر الثروة ومعارضٍ له، يبدو أنّ هذا النظام يعيد إنعاش نفسه في كلّ أزمةٍ يمرّ بها أو يتسببّ بها، فميزات هذا النظام تجعله مرنًا في مواجهة الأزمات كالمنافسة القويّة ودافع الربح الذي يعدّ محركًا رئيسيًا لاتخاذ القرار من قبل الإدارات، فتؤدي بدورها إلى زيادة الإنتاج، وبرغم إدراك الرأسماليّة أنّ ليس كلّ الناس بحاجة لهذه السلع أو بإمكانها تحمّل نفقاتها كالسيارات مثلًا لا يمكنهم إيقاف أو خفض مستوى الإنتاج ولا تجنّب أزمة فرط الإنتاج، فهم يخضعون لقانون “التوسع أو الموت” أي إغراق الأسواق بمنتجاتهم لضمان حصتهم في الأسواق أمام منافسيهم، هنا عالجت الرأسماليّة مشكلة لكن كما ترى كوّنت مشكلة أخرى، وهي الركود الذي أدى لتسريح آلاف العمال والموظفين من مهامهم المأجورة.
الركود والأسواق الحرة
واجهت الرأسمالية الركود من خلال الأسواق الحرّة وقد كان حلًا مؤقتًا منعشًا لها نتيجة الحريّة التي تتميّز بها الرأسماليّة من خلال الملكيّة الفكريّة إضافةً لأدنى مستويات للتدخل الحكومي، بالتالي أصبحت الأسعار تتحددّ بمعزل عن القرار الحكومي بل عن طريق مقدار الطلب وقوّة العروض على السلع، بناءً عليه تكبّدت الرأسمالية خسائر ماديّة كبيرة بالتالي أيضًا عملت على إيجاد مخرج مؤقت من الأزمة لتقع في أزمة أخرى هي انخفاض الأرباح بشكل كبير.
كما زاد نموذج السوق الحرّة الطين بلّة بتوليده أزمة عدم استقرار مالي، بعيدة عن الاستدامة والشعبية السياسية وأصبح بالإمكان اعتبار “الدورات الاقتصادية” أو “دورات الأعمال” على أنّها السمة البارزة للنظام الاقتصادي الرأسمالي، والدورة الاقتصادية تمرّ بأربعة مراحل خلال نموّه أوّلها الانتعاش، ثم الرواج، ثم مرحلة الأزمة، ثم الركود والكساد، وتعاد الدورة لذا يرى العديد أنّ الرأسماليّة أساسيّة للنمو الاقتصادي وأنّها قدّمت لجميع الدول التي استظلّت بظلّها نموًا اقتصاديًا تجاوز النمو المقاس في ظلّ غيرها من الأنظمة الاقتصادية.
ويسمح الإبداع وهو أحد سمات الرأسماليّة ابتكار حلول دوريّة للمشكلات الاقتصاديّة التي تواجهها والخروج منها ضمن نطاق الدورة الاقتصاديّة، لكن الأزمات المتكررة التي تتسبب بها الرأسماليّة لنفسها قد لا تدع مجالًا للانتعاش من جديد بل الزوال لا سيما في الوقت الحالي مع تزايد التنبؤات التي تشير إلى قرب انتهاء هذا النظام واستبداله بنظام جديد.
النظام الرأسمالي والقطاع المصرفي
تختلف الآراء حول كيفية خروج الرأسمالية من أزماتها المتكررة وفقًا لتوجُّه المنظّر ومدرسته الاقتصادية، ومن هذه الآراء من يقول أنّ الرأسمالية لم تحلّ أزماتها يومًا، وإنما كانت تنقلها من مكان لآخر.
فمع التراكم المستمر لفائض القيمة وضخامة الاستثمارات، تصل الأسواق لمرحلة انفجار الفقاعة (كالفقاعة العقارية) حيث تميل عوائد استثمار رؤوس الأموال للانخفاض، ويبدأ المستثمرون في هذه الأسواق بحثهم عن مواطن استثمارية أكثر عائدية، وتنهار الأسواق ويصاب المستثمرون بحالة من الهلع للبحث عن مخارج لحماية أموالهم.
يحتاج رأس المال إلى استثمارات جديدة بعوائد مرتفعة في الأسواق المربحة (كالأسواق المالية وسوق الإسكان…) وصولًا إلى توازن جديد، وانطلاقًا من مفاهيم الحرية الاقتصادية والعولمة تتدفق رؤوس الأموال بين الأسواق وعبر الدول لاقتناص الفرص الاستثمارية التي تُحقِّق العوائد الأعلى.
خلال الأزمات لا بُدّ من حماية واستمرار عمل النظام المصرفي والاستثمار وعجلة الإنتاج والقدرة على الاستهلاك، حيث تضخ البنوك المركزية ومعها صندوق النقد الدولي الأموال لإنقاذ الأسواق، واستمرار تداول وتراكم رأس المال.
دعم الشركات المهددة بالانهيار
وفي مواجهة أزمة النظام المالي الأمريكي في عام 2008، قدمت الحكومة الأمريكية الدعم للشركات الكبرى المهددة بالانهيار لإنقاذ القطاعات المتعثرة حيث تم شراء أصول الرهن العقاري، وإطلاق حزمة تحفيز مالي يمتد لعشر سنوات لدعم الاقتصاد، بهدف إعادة عجلة الاقتصاد مع بدء البنوك بالإقراض، وبالتالي تحفيز الاستثمار والاستهلاك وصولًا للتعافي.
إلا أن رؤوس الأموال سلكت طريقها بعيدًا عن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية في الولايات المتحدة الأمريكية (مع ضعف العوائد المتوقعة من الصناعة واستنزاف قطاع الإسكان)، وغيّرت وجهتها إلى أسواقَ ناشئة كالبرازيل وتركيا وغيرها، والتي واجهت لاحقًا أزمات مالية.
المبادئ الأساسية لخروج النظام الرأسمالي من المشكلات المالية
ارتكز النظام الرأسمالي في علاج المشاكل الاقتصادية التي تواجه الكثير من الاقتصادات العالمية على كثيرٍ من المبادئ والفرضيات من أهمها:
- إبقاء التدخل الحكومي في الشؤون الإقتصادية عند أدنى حدٍ ممكن: حيث تقتصر واجبات الحكومة من وجهة نظر النظام الرأسمالي على تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، والدفاع عن الدولة داخليًا وخارجيًا، دون أي حاجة لتدخلها في الشؤون الإقتصادية، إلا في بعض المشاريع الاقتصادية ذات الربح المنخفض أو المنعدم التي لا تلقَ اهتمامًا من الشركات الخاصة الراغبة بالربح.
- الربح أولًا قبل كل شيء: فالشركات ضمن النظام الرأسمالي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الربح الممكن من المشاريع الاقتصادية التي تستثمر بها، حتى ولو كان ذلك على حساب عدم قدرة جزء من الشعب على تأمين احتياجاته من بعض السلع الرئيسية.
- تقديم الحرية الاقتصادية للأفراد: يقوم النظام الرأسمالي على مبدأ إعطاء الحرية المطلقة للأفراد في ممارسة النشاط الاقتصادي الذي يرغبون به، كالحرية في اختيار العمل أو المهنة التي يرغبون بممارستها، بالإضافة إلى ضمان حرية التملك والتعاقد، طالما لا يتعارض هذا النشاط مع تحقيق الأفراد الآخرين لمصالحهم الشخصية.
- تحقيق مبدأ المنافسة الحرة: تعتبر الرأسمالية هذا المبدأ شرطًا أساسيًا في تحقيق أي تقدمٍ اقتصاديٍ ضمن الدولة، حيث يخلق التنافس الحاصل بين المنتجين المتعددين لذات السلعة فوائد كثيرة للمستهلكين من حيث تخفيض المنتجين لأثمان السلع بهدف الاستحواذ على أكبر شريحة من المستهلكين وتحقيق أكبر ربحٍ ممكن. كما يؤدي هذا التنافس إلى رفع جودة المنتجات المقدمة، حيث يهدف المنتجون من خلال رفع الجودة كذلك لجذب أكبر عدد ممكن من المشترين لسلعته.
- كما حاول النظام الرأسمالي حل المشاكل الاقتصادية من خلال الثمن، والذي يعني حركات الأثمان التقليدية التي تنتج عن التفاعل في السوق (العرض والطلب)، حيث يزداد الطلب على السلعة ذات الأهمية الأكبر وبالتالي يرتفع ثمنها، مما يدفع المنتجين إلى انتاج كميةٍ أكبر منها، والعكس صحيح، وبهذه الطريقة يتم التعرف على المواد التي ستنتج.
- أما كيف تنتج هذه المواد فيتم معرفتها من خلال المقارنة بين ثمن السلع والخدمات الانتاجية مع ثمن السلع والخدمات الاستهلاكية. كما يعمل الثمن على تقديم حلول لمشكلة توزيع الانتاج من خلال تحديد حصة كل فرد بحجم قوته الشرائية أي بحجم دخله.
وهكذا فإن النظام الرأسمالي هو نظامٌ اقتصاديٌّ يعتمد في الإنتاج على الأفراد والملكية الخاصة، حيث تمتلك فيه الشركات الخاصة أو الأفراد السلع ويسمح هذا بقدر كبير من المرونة والإبداع والخروج من الأزمات.