كيف كانت الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
بقيت منطقة الخليج العربيّ بعيدةً عن أنظار القوى العالمية المسيطرة خلال فترة ما قبل اكتشاف النفط، غير مُدركين لما تحمله أرض هذه البلاد من كنوزٍ وثرواتٍ، كما لم تُدركها شعوبها الفقيرة، في هذا المقال سنعود إلى تلك المرحلة البسيطة بإمكانياتها، لنلقي نظرةً على الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط وثورة الطاقة.
الجغرافيا السياسيّة لمنطقة الخليج العربيّ في عصور الفقر
عاشت الشعوب القبليةُ، في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربيّ، حياة تنقّلٍ وارتحالٍ بحثًا عن قوت العيش، فدفعتهم الحياة الصحراويّة بقسوتها إلى الانقسام والهجرة، ففي القرن السّابع عشر، انقسم آل خليفة الذين استقرّوا في البحرين، عن عائلة الصباح في الكويت، وبدورهم، تمرّد آل ثاني في قطر على آل خليفة، وانفصل آل مكتومٍ في دبي عن آل نهيان في أبو ظبي.
لاحقًا خلال القرن الثّامن عشر، وفي محاولةٍ من الإمبراطوريّة البريطانيّة لزيادة رقعة نفوذها، وبهدف حماية أهمّ مستعمراتها (الهند)، بسطت سيطرتها على منطقة الخليج العربيّ، وعقدت الصّلح والهدن بين أمراء المنطقة، في حين أبرم آل سعود في نجد اتفاقيّةً مع رجل الدين المتشدّد محمد بن عبد الوهاب، ولكن ذلك شكّل خطرًا محتملًا على الدولة العثمانية، فعملوا على تقويض نفوذ هذا التحالف، وأنهوا أوّل دولةٍ سعوديّةٍ (1744 - 1818م)، أمّا الدّولة السعوديّة الثانية، فكانت الاضطرابات الداخلية سببًا في انهيارها، حتى قام عبد العزيز آل سعود بتشكيل المملكة العربيّة السعودية الحاليّة عام 1932م، بمساعدة بريطانيا..
خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، بقيت تلك المنطقة بالنّسبة للعثمانيين والبريطانيين؛ لأنّها كانت واحدةً من أفقر المناطق في العالم، وقد اعتمدت الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط آنذاك بشكلٍ خاصٍّ على تجارة صيد اللؤلؤ، والنشاط الزراعيّ البسيط الذي يحقّق الاكتفاء الذاتيّ لعائلات المزارعين فقط، والتجارة الدوليّة في المدن الساحليّة، أمّا داخليًّا فانتشرت بعض الصناعات الحرفيّة مثل دق أواني القهوة، وصناعة الصنادل.
بسبب البيئة الصحراويّة القاسية التي لم تترك ما يكفي من الغذاء لأهل الداخل، لم يبذل سكانها عناء بناء المدن أو تطوير هياكل اجتماعية معقدة، وتوجّهوا إلى زراعة التمور في الواحات المتفرّقة على ساحل الخليج، تاركين رعي القطعان وحياة التنقل..
مكانة صناعة اللؤلؤ في الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط
ازدهرت صناعة اللؤلؤ في الخليج العربيّ لقرونٍ عديدةٍ، وانتشر اللؤلؤ الخليجيّ عالميًّا مع زيادة حركة السّفن الشراعيّة التجارية، وفتحت الأبواب للعمل ودفع عجلة الحياة الاقتصاديّة. امتدت شواطئ اللؤلؤ على طول الخطّ الساحليّ، الممتد من الكويت مرورًا بالمملكة العربيّة السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتّحدة وسلطنة عمان، بالإضافة للشواطئ الفارسيّة في إيران.
أوّل من استثمر لؤلؤ الخليج العربيّ واحتكر صناعته هم الفينيقيون، ولكن، وبسبب الرحلات الطويلة، ومشاقّ السّفر في سفنهم الشراعيّة البدائيّة، أورثوا هذه الصّناعة للعرب المحلّيين في منطقة الخليج. يتركّز الموسم في الفترة ما بين نيسان وأيلول، في رحلةٍ تستمرّ لمدّة أربعة أشهرٍ بحثًا عن المحار، ولكن اضطّر الصيادون لترك المياه بورًا بالتناوب لفتراتٍ طويلةٍ تصل إلى السنتين، للسّماح للمحار بإنتاج اللؤلؤ، ينطلق القبطان بسفينته مع الغوّاصين المُجهّزين بمشبكٍ أنفيٍّ، وقطنٍ للأذنين، وسلّة جمع المحار والسكين، فيستطيع الطاقم المكوّن من 30 غواصًّا أن يحصد 8000 لؤلؤةٍ في يومٍ واحدٍ.
عاشت تجارة اللؤلؤ أوجها في القرن الثامن عشر، حين وصل لؤلؤ الخليج إلى الهند وبلاد فارس وتركيا، وبيع في الأسواق الأوروبيّة والصينيّة، وجذبت الغوّاصين من اليمن وجزيرة سقطرى، مما دفع عجلة الحياة الاقتصاديّة في منطقة الخليج في منتصف القرن التاسع عشر، وشغّلت حوالي 60000 شخصٍ في مصائد اللؤلؤ، وتضاعفت قيمة اللؤلؤ إلى سبعة أضعافٍ خلال الفترة مابين 1790 - 1905م، وولّدت لآلئ الخليج عائداتٍ عالميّةً كبيرة تبلغ 1.75 مليون دولارٍ سنويًّا، ووصلت إلى 4 مليون في بداية القرن العشرين..
شكّلت صناعة اللؤلؤ 75% من إجماليّ صادرات الخليج، فكانت ركيزة الاقتصاد المحليّ في منطقة الخليج، ولكن، وخلال ثلاثينيات القرن العشرين، تعرّضت هذه التّجارة للمضاربة، بظهور أسلوبٍ جديدٍ يُخفّف من أعباء البحث والغوص في عمق البحر، وهو زراعة بذور المحار في مشاتلَ تحت الماء، فامتلأت السّوق باللؤلؤ، وانخفضت قيمته، وتراجع عدد قوارب اللؤلؤ في الخليج من 3000 قاربٍ إلى 350 فقط، خلال عقدين من الزمن، أهمل فيهما الغوّاصون قواربهم، وقضت زراعة اللؤلؤ على صناعةٍ بأكملها..
زراعة التمور في دول الخليج العربي قديمًا
عٌدَّت ثالث أهمّ قطّاعات الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط بعد صناعة اللؤلؤ، والشّحن البحريّ، وقد تركّزت بشكلٍ أساسيٍّ في منطقة شطّ العرب، في الإحساء (العراق)، والتي صُنّفت على أنّها أفضل أنواع التمور، وفي القطيف شرقي المملكة العربيّة السعوديّة، وفي جزيرة البحرين، وواحاتٍ متفرّقةٍ في إمارات البريمي والعين والليوا وهي الأكبر، وشطّ الباطنة في عُمان (ميناء مسقط)، ومن أهمّ مزايا التمور في هذه الواحات هو استخدام نظام قنوات المياه الجوفيّة، للحفاظ على التمور.
في حين اُعتبرت الكويت وقطر آنذاك بلدَين مستوردَين للتمر وليسا مصدّرَين (بالكاد ضمّت أي مزارع للتمر) فقد صدّرت باقي المزارع تمورها إلى الهند وإفريقيا بشكلٍ رئيسيٍّ، في حين صدرت التمور العُمانية إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتي تُضاعف كمّيتها حجم صادرات المزارع الشرقيّة للخليج مُجتمعةً، شكّلت مزارع التمور التي امتلكها حُكّام الكويت والبحرين ومسقط، ثاني أكبر مصدر دخلٍ لهم بعد الرسوم الجمركيّة وتجارة اللؤلؤ..
كان لاكتشاف الذهب الأسود (النفط) في بدايات القرن العشرين دورٌ بارزٌ في تطوير الحياة في منطقة الخليج العربيّ بجميع جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والصحية، والتعليم، والنقل، فتحوّلت القبائل الفقيرة المُشتّتة، إلى أغنى دول العالم، وانقلبت الحياة الاقتصادية لدول الخليج العربي قبل النفط رأسًا على عقبٍ في حقبة البترول، ورست قواعد المدنيّة والحضارة، ووفرّت الدول الريعيّة المزايا والامتيازات لمواطنيها من المهد إلى اللحد، مقابل الطاعة والولاء.