لماذا تعد قارة أوروبا من القارات المتقدمة اقتصاديا في العالم؟
أوروپا هي ثاني أصغر قارة في العالم، إذ تغطي حوالي 2% من سطح الأرض، لكن لماذا تعد قارة أوروبا من القارات المتقدمة اقتصاديًا في العالم؟
تعدّ قارة أوروبا ثاني أصغر قارات العالم، وبالرغم من عدد سكانها القليل نسبياً إلا أنها طوّرت اقتصاداً عظيماً بالاعتماد على الزراعة والصناعة والتجارة؛ حيث ازدهرت الزراعة في أوروبا في القرن السابع عشر، وقد أمّن هذا الازدهار الزراعي رأس المال الكافي لحدوث الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر حيث تطورت الصناعة بشكل كبير وتم صنع الآلات التي تعمل بالماء لدعم صناعة الصوف والقطن كما تمّ بناء المصانع في حقول الفحم لتقليل تكلفة النقل.
أسباب التقدم الاقتصادي في القارة الأوروبية
ومع هذا التطور الصناعي بدأت التجارة بالازدهار أيضاً حيث تمثل أوروبا نسبة كبيرة من التجارة العالمية ويعد موقع القارة المركزي في نصف الكرة الشمالي داعم تجاري كبير.
- تدعم السياحة الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير أيضاً حيث تجتذب مدن أوروبا ذات الشهرة العالمية أعداد كبيرة من السّياح سنوياً. من العوامل الأخرى التي ساعدت الاقتصاد الأوروبي:
- الموارد المعدنيّة : تمتلك أوروبا مجموعة متنوعة من المعادن المفيدة التي توفّر المواد الأولية للصناعات الكيميائية والبناء.
- الفحم: تمتلك أوروبا موارد وفيرة من الفحم اللّين والصلب والذي يعدّ مصدر مهم لكثير من المنتجات الثانوية بالإضافة إلى استخدامه كوقود للمصانع.
- المناخ المناسب لمختلف أنواع الزراعات حيث اشتهرت القارة بإنتاج الحبوب والزيوت الفواكه.
- الثورة الصناعية الكبرى: بدأت الثورة الصناعية الكبرى من أوروبا عام 1760م، وذلك بتطوير الآلات التي تعمل بالماء كالمكوك الطائر الخاص بالغزل والنسيج، كما طور جيمس وات حينها المحركات البخارية. بالإضافة إلى ذلك كان للثورة الصناعية يدٌ في تطوير الأسلحة القديمة واختراع أسلحة جديدة فتاكة في الأسواق العالمية آنذاك.
- استخدام أمهر الأيدي العاملة في صناعاتهم: في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن التالي بقيت أوروبا محافظةً على مرتبتها الاقتصادية بسبب الصناعة، فقد ظلت تتزايد وتتميز على مر السنوات؛ كلّ ذلك يعود إلى العمالة الماهرة الذين بقيت أعدادهم تتزايد في قطاع الخدمات لسد لفجوة التي نشأت نتيجة الصناعة.
- تطوير الصناعات الحديثة كصناعة السيارات والمركبات الفضائية، والاهتمام بالصناعات ذات القيمة المنخفضة مثل الملابس والمنسوجات والأغذية.
- الزراعة والغابات وصيد الأسماك: تغطي الأراضي الصالحة للزراعة حوالي ثلث الأراضي الأوروبية، فهي تعتبر من أكبر المنتجين للحبوب، وزيوت الطعام، والفواكه، ومنتجات الثروة الحيوانية والزيتون. كما يعتبر صيد الاسماك واستخراج الأخشاب من الشائعات في أوروبا أيضًا.
- غناها بالثروات الباطنية: تمتلك الأراضي الأوربية مجموعةً واسعةً من المعادن والذي يعود بعضها للعصر البرونزي ومنها المعادن الحديدية وغير الحديدية التي استخدمت في صناعاتهم. بالإضافة إلى وجود حقول نفط وغاز في القسم الشمالي من البحر.
- الحنكة والتكتيك الاقتصادي: وفر التجار الأوروبيون المال لزيادة كميات السلع المصنعة؛ هذا ما أدى إلى ارتفاع نسب التصدير وحصولهم على مكاسب هائلة في نفس الوقت. كما أنّهم فتحوا باب التجارة مع العالم الآخر؛ ليرتفع الاقتصاد الأوروبي ويحافظ على مكانته.
بداية التقدم الأوروبي
كانت أوروبا أول مناطق العالم الرئيسية التي طورت اقتصاداً عصريًّا قائمًا على الزراعة التجارية والتنمية الصناعية وتوفير الخدمات المتخصصة، ويعود السبب لغنى الموار الاقتصادية التي تملكها أوروبا، وتاريخها المليء بالابتكارات، بالإضافة للقوى العاملة الماهرة والمتعلمة فيها.
بدأ التحديث الاقتصاديّ في أوروبا بتحسّن ملحوظٍ في الإنتاجِ الزراعيّ في القرن السابع عشر، خاصّة في إنجلترا، فقد أفسحَ هذا المجالُ الزراعة المستمرّة في الحقول المحروثة بكفاءة أكبر، والتي تم تخصيبها بالسماد من الحيوانات التي تم تربيتها كغذاء للأسواق الحضرية سريعة التوسع، وتراكمت ثروة أكبر من قبل أصحاب الأراضي في نفس الوقت الذي كان هناك حاجة إلى عدد أقل من المزارعين لتشغيل الأرض، حيث أن رأس المالِ المتراكمِ والعمالة الرخِيصة الوفيرة التي أوجدتها هذه الثورةُ في الزراعة غذّت تطور الثورة الصناعيّة في القرن الثامن عشر.
بدأت الثورة بداياتها في شمال إنجلترا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر مع تطوير الآلات التي تعمل بالماء لتدوير ونسج الصوف والقطن، واستمر بعدها التصنيع خارج إنجلترا في القرن التاسع عشر في بلجيكا وشمال شرق فرنسا وانتشر إلى ألمانيا وهولندا وجنوب الدول الاسكندنافية ومناطق أخرى بالتزامن مع بناء السكك الحديدية.
أدركت حكومات الدول الأوروبية الأهمية الحيوية لإنتاج المصانع واتخذت خطوات لتشجيع التنمية المحلية من خلال الإعانات وحماية الرسوم الجمركية ضد المنافسة الأجنبية، إلى أن شهدت أوروبا فترات من النمو الاقتصادي والازدهار الكبير، وانتشر التطور الصناعي على نطاق أوسع في جميع أنحاء القارة.
وهكذا بفضل الكثير من الأسباب حَضت أوروبا على تطورٍ اقتصاديٍ ضخمٍ منذ القديم والذي قام على الزراعة والتجارة والصناعة والخدمات، وذلك بسبب غناها بالثروات الباطنية، وغنى تاريخها بالابتكارات والاختراعات، وتطور مهارة العاملين عامًا تلو الأخر، بالإضافة إلى وجود انسجامٍ متين بين الأشياء الصناعية والإنسان.