لماذا سمي النابغة الذبياني بهذا الاسم؟
النابغة الذبياني شاعر جاهلي من شعراء الطبقة الأولى، وهو من سادات قومه. وقيل عنه بأنه أشعر شعراء عصره، لكن لماذا سمي النابغة الذبياني بهذا الاسم؟
يُعتبر النابغة الذبياني من أشهر وأهم شعراء الطبقة الأولى في العصر الجاهلي، اسمه الكامل زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، لكن كان يُلقب بالنابغة الذبياني لأنه كان نابغًا في الشعر، فقد تفوق وأبدع فيه دفعةً واحدة، وقد تميّز شعره بحسن الديباجة فلا تجد فيه تكلّف أو حشو، كما للذبياني قصيدة تُعتبر من المعلقات، مطلعها: يا دارَ مَيّة بالعَليْاءِ، فالسَّنَدِ، أقْوَتْ، وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ
استخدم النابغة الذبياني الأسلوب القصصي في قصائده، وقد كان ذلك الأسلوب الحكائي شائعًا بين شعراء عصر الجاهلية، وتكون القصيدة عبارة عن سرد قصصي مشوق، كما قام الذبياني بتصوير حيوان الوحش في العديد من قصائده. ويوجد هناك أيضًا ديوان شعر للنابغة الذبياني تم نشره حديثًا من أشعاره:
مَن يَطلِبِ الدَهرُ تُدرِكهُ مَخالِبُهُ, كَأَنَّ الظُعنَ حينَ طَفَونَ ظُهراً، اِستَبقِ وِدَّكَ لِلصَديقِ، يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ، أَهاجَكَ مِن سُعداكَ مَغنى المَعاهِد، لَقَد نَهَيتُ بَني ذُبيانَ.
كان النابغة الذبياني من سادات قومه، فقد كان له مكانة عالية بين الملوك وقد جالس العديد من منهم، أشهرهم الملك النعمان ابن المنذر، لكن لم تستمر تلك العلاقة لأنه اُتهم بوجود علاقة حب بينه وبين زوجة الملك.
حياة النابغة الذبياني
النابغة الذبياني شاعر جاهلي من الشعراء المتقدمين وله باع طويل في الشعر مدحًا وهجاءً وغزلًا، وقد قال الشعر بعد أن أصبح عمره أربعين ومن هنا جاءت تسميته بالنابغة.
عاش طويلا في بلاط النعمان بن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة آنذاك في العراق، وقد كانت العداوة متجذّرة بين المناذرة وولائهم للفرس حيث كان يعيش شاعرنا، وبين الغساسنة ملوك دمشق وولاءهم للروم، وكانت حياة النابغة في بلاط النعمان لا تخلو من المكائد التي قام بها شعراء يحسدونه حتى أَوغروا صدر النعمان عليه وقال بذلك قصيدة مطلعها:
كليني لِهمّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
قصيدة طويلة صفا بعدها النعمان على النابغة، إلى أن طلب من النابغة وصف المتجرّدة وهي زوجة النعمان وحبيبته، وقد وصفها وأجاد الوصف وخرج بقصيدة من عيون الشعر وافترض أنه رآها وهي خارجة من الحمام:
سقط النصيف ولم تُرِد إسقاطه فتناولته واتّقتنا باليد
حيث ضمّن هذه القصيدة عملية جنسية كاملة فغضب منه النعمان ففر هاربا إلى أعدائه الغساسنة ومدحهم بأجمل القصائد:
إذا ما غدوا بالجيش حلّق فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب.
ويُقال أنه أدرك الإسلام ولم يسلم.
نبوغ الذبياني في سوق عكاظ
عُرف الشاعر زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري في العصر الجاهلي باسم “النابغة الذبياني” لنبوغه ومعرفته الواسعة في الشعر، فقد أبدعَ في وصف قبيلته في عدّة أشعار وكان من القلائل الذين يُعرَض عليهم الشعر من خيرة شعراء القبائل الأخرى.
فقد كان يُنصَب له قِبةٌ من الجلدِ الأحمر في سوق عكاظ -وهو سوقٌ تجاريّ اشتهر بالمعلقات الشعرية التي كانت تنقل بيئة القبائل في العصر الجاهلي- وكان يأتي إلى هذه القبّة الأعشى وحسّان بن ثابت والخنساء وابن الرشيد وغيرهم الكثير فيسردون شعرهم على النابغة الذبياني لأخذ المعرفة والرأي السديد والملاحظات الحكيمة في الشعر وأحيانًا للقيام ببعض المناظرات الشعرية.
ولعلّ هذا السبب وحده لم يكن كافيًا في رأي العالِم والفقيه والناقد الأدبي “أبو محمد بن قتيبة الدينوري” المشهور بأبي قتيبة، فقد قال أنّ زياد بن معاوية لُقّب بالنابغة الذبياني نسبةً إلى أحد أبيات شعره الذي قال فيها:
وحلّت في بني القين بن جسر فقد نبغت لهم منا شؤون
وقد تبنّى النابغة الذبياني في شعره ظاهرة الاستطراد كغالبية شعراء العصر الجاهلي، وعُرفت هذه الظاهرة من خلال كتابة الشعر بأسلوبٍ قصصيٍّ مشوّق غنيّ بالأحداث والتصوّرات. كما تأثّر الذبياني لدرجة كبيرة في الظرف الزماني والمكاني المحيط به فسعى لنقله بكل واقعية وشفافية من خلال شعره فكان بعيدًا عن التكلّف والحشو في الكلام.
وكان شعره قوي الرنة وعذب بعيد عن الخشونة وذو معنى واضح أحيانًا ومستبطن أحيانًا، لا حشو في أشعاره ولا تكلف، وعلى الرغم من كون شعره ليس بالسهل إلا أن أشعاره تميزت بالأسلوب القصصي المشوق فتراه يأخذ أنفاس الموجودين شوقًا وانتظارًا للبيت التالي أثناء إلقاءه للشعر في المجالس، كانت أشعاره بعيدة كل البعد عن الخيال حيث استمد محتوى أبياته من الظروف الزمانية والمكانية فكان واقعي ذو طابع بدوي صحراوي حضري.