ما هو أصل العرب
نظريًّا، لا يختلف الحديث عن أصل العرب عمّن سواهم من أمم الأرض، إلّا أنّ الواقع الجغرافيّ والتاريخيّ يوحي بأنّ لهذا العرق خصوصيّةً مميّزةً، ووضعًا فريدًا، سيما وأنّه ارتبط بظهور الأنبياء والديانات السماويّة في بلدنا.
تعتبر الهويات العرقيّة إحدى أقوى الروابط التي تجمع ما بين البشر، وهي الرابطة الأساسيّة التي تربطنا بمجتمعنا وثقافتنا، ولكن مع ذلك، إذا تمعّنا في الأصول العرقيّة، فقد نجدها هوية من صنعنا، قد شكلناها بأنفسنا وبإمكاننا تغييرها، وبطبيعة الحال، يفرض النسل الذي انحدرنا منه ومسقط رأسنا وعرق آبائنا والمعتقدات الراسخة في أذهاننا هويتنا مسار حياتنا.
مع ذلك، ورغم القيود السابقة، يبقى للأشخاص فرصة في الاندماج مع مجموعاتٍ عرقيّةٍ أخرى ومجتمعاتٍ مختلفةٍ، بل وبالإمكان مع مرور الوقت أن تتغيّر السلوكيات المترسّخة في أذهاننا وتُحدث انقلابًا على القيم والمعتقدات الموروثة، وبالتالي يمكن للفرد التخليّ عن فكرة الانتماء لإحدى الجماعات العرقيّة، واعتناق هويّة إحدى الثقافات لمجرد نشأته فيها، فالهويّة العرقيّة بناءٌ فكريٌّ متقلّبٌ وقوّةٌ فعّالةٌ تنظّم الأشخاص وتضع حدود العلاقات فيما بينهم.
من هذا المنطلق الواسع سنتعرّف عن كثبٍ على أصل العرب وتاريخهم، والتطورات التاريخيّة التي طرأت على العرق العربي على مرِّ العصور..
أصل العرب وتسميتهم
لعلّ أول ما يتبادر إلى الذهن عند التكلم عن أصل العرب هم البدو الرحّل الذين كانوا يتنقلوّن في الصحراء، ويرعون الأغنام والإبل. في الواقع، قد يبدو هذا صحيحًا بعض الشيء؛ حيث أُطلق اسم العرب على الشعوب الساميّة الرحّل الّتي قطنت في المنطقة المعروفة اليوم باسم شبه الجزيرة العربيّة، والذين كانوا يتكلمون باللغات الساميّة قبل ظهور اللغة العربيّة.
حاليًّا، وكما هو متعارفٌ عليه، يُطلق اسم العرب على جميع الناطقين بالعربيّة، والذين يعيشون في المنطقة العربيّة الشاسعة الممتدّة من المحيط الأطلنطي غربًا إلى الخليج العربي شرقًا. إنّ هذا الامتداد الكبير الذي يحوي تنوعًا كبيرًا في ثقافات الشعوب العربيّة، ما خلق تباينًا إقليميًّا كبيرًا.
من أين جاء العرب
عند سؤالنا عن أصل العرب ومنبعهم، ربما يجدر بنا السؤال من أول من أطلق على نفسه اسم عربيّ. قد يبدو هذا السؤال شائكًا إلى حدٍّ كبيرٍ، والإجابة عنه صعبة نوعًا ما؛ فلا يوجد دليلٌ حقيقيٌّ وثابتٌ يمكنه الإجابة عن أصل العرب بشكلٍ دقيقٍ، وإنّما هي بعض الآراء - التي قد تكون متضاربةً - المبنيّة على الدراسات في الأصول وعلم الأنساب وبعض الدراسات التاريخيّة والأثريّة والتي تباينت إلى حدٍّ كبيرٍ.
بالعودة إلى عصور ما قبل التاريخ، وجد علماء الآثار مستوطنات للصيادين تعود إلى الألفيّة الثالثة قبل الميلاد في السواحل الشماليّة الشرقيّة لشبه الجزيرة العربيّة، كما وجدوا مستوطنات اعتمدت على الزراعة في منطقة اليمن، ووجدوا آثارًا لتقنيات ريٍّ متطورة ساعدتهم على الازدهار، وبالتالي كان من الصعب جدًا تتبع الانتماءات العرقيّة للسكان العرب، وقد أُجهضت النظريّة التي سعت إلى تصوير جميع العرب كعرقٍ واحدٍ، حيث تشير الأدلة إلى وجود الأفارقة في السهل الساحلي للبحر الأحمر، والإيرانيين في الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة، والشعوب الآراميّة في الشمال.
إنّ جميع تلك المناطق تعتبر مناطقَ عربيّةً حاليًّا، ولكن ما تزال الصلات العرقيّة للشعوب التي سكنت اليمن متشابكةً ومعقّدةً ومتشابهةً إلى حدٍّ كبيرٍ مع الثقافات الساميّة التي نشأت في منطقة الهلال الخصيب، والذي يُعزى إلى هجرة سكان اليمن وانتشارهم في باقي المنطقة.
كشفت مراكز البحث الأثري سجلات مكتوبة تعود إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد في منطقة شمال الحجاز والأردن، وقد حوت هذه السجلات المؤلفة من ألواحٍ حجريّةٍ وأقراصٍ برونزيّةٍ، على عددٍ كبيرٍ من النقوش، ولكن حفنة قليلة من هذه النقوش يعود إلى اللغة العربيّة القديمة المنتشرة في شمال شبه الجزيرة، والتي تُصنّف كأحد فروع اللغات الساميّة الشماليّة القديمة.
بينما وجد علماء الآثار وثائقَ ولوحاتٍ تحوي نقوشًا مكتوبةً باللغة العربية القديمة في الجنوب العربي المصنّفة من لغات أهل سبأ وحضرموت، والتي تعتبر مجموعةً مستقلةً تمامًا ضمن عائلة اللغات الساميّة، وهذا التباين الكبير بين اللغات المختلفة المستخدمة يثبت صحّة أنّ العرب لا ينحدرون من عرقٍ واحدٍ..
أقسام العرب
تضاربت آراء المؤرخين العرب حول أصل العرق العربيّ والبداية الزمنية لظهورهم، ومع ذلك فإنّ الغالبيّة العظمى من المؤرخين مثل الطبري وابن خلدون اتفقت على تقسيم العرب إلى قسمين تبعًا للتسلسل الزمني لظهورهم، وهما:
أصل العرب العاربة
تُعتبر العرب العاربة أقدم الأمم بعد قوم النبي نوح، وأول أجيال العرب الذين عاشوا في شبه الجزيرة العربيّة كما انتشروا في الأرض وحكموا الشام ومصر، وتشمل قبائل العرب العاربة كلًا من قوم عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وجرهم، والعمالقة، ولقمان، وأميم، وعبيل، وعبد ضخم، وحضرموت، والسلفات.
أُطلقت عليهم تسمية العاربة دلالةً على رساخة العروبيّة فيهم، وبكونهم أوّل أجيال العرب، فضلًا عن كونهم أوّل من تحدّث بالعربيّة، لكن هذه القبائل قد هلكت وانقرضت، لذلك أطلق عليها المؤرّخون اسم البائدة أي الهالكة لاندثارها، كما يذكر المؤرّخون أنّ النبي إسماعيل قد لُقّب بأبي العرب.
أصل العرب المستعربة
تشمل العرب المستعربة جميع القبائل غير العربيّة، والتي تأثرت بثقافة العرب العاربة وتعلّموا لغتهم وأصبحوا يتحدثون العربيّة، وتمت تسميتهم باليمنيّة أو السبائيّة، ويرجع نسبهم إلى قحطان الذي اختلف النسّابون كثيرًا على اسمه ونسبه؛ حيث قال ابن خلدون إنّه قحطان بن يمن بن قيدر، وقيل إنّه الهميسع بن يمن بن قيدار، ومن هنا اشتُق اسم دولة اليمن.
البعض الآخر قال إنّ قحطان من ولد النبيّ إسماعيل، وبذلك تنحدر جميع القبائل العربيّة في وقتنا الحالي من قحطان وعدنان. يقال أيضًا إنّ قحطان أول من تكلّم العربيّة من غير العرب العاربة، كما ينحدر نسب النبي محمّد إلى عدنان..
أقدم الحضارات العربيّة
رغم وجود الكثير من الممالك العربيّة المعروفة والمشهورة، إلا أنّ مملكة سبأ تعتبر أقدم الممالك العربيّة الموّثقة، والتي ظهرت في الفترة الممتدة ما بين 1200 قبل الميلاد إلى 275 قبل الميلاد في منطقة مأرب في اليمن، وكانت من أغنى الممالك في جنوب شبه الجزيرة العربيّة، وقد اشتهرت بالتجارة..
استخدموا الأبجدية السبأيّة؛ وهي إحدى الأبجديات العربيّة الجنوبيّة، وتعود أقدم النقوش المعروفة في هذه الأبجدية إلى حوالي 500 قبل الميلاد، وتعتبر أصول هذه الأبجديّة غير معروفةٍ..
العرب في الإسلام
بعد ظهور الإسلام وانطلاقه من شبه الجزيرة العربيّة في أوائل القرن السابع الميلادي، سرعان ما أصبح قوّةً كبيرةً ومتحكّمةً في المنطقة، فتوحّدت القبائل المنتشرة في شبه الجزيرة والتي تعود إلى أصولٍ مختلفةٍ، وكان العامل الرئيسيّ المشترك بينها هو اللغة العربيّة، بغض النظر عن الاختلافات الثقافيّة، والذي ساعد على توحيد العرب، أو بالأصح على التمسك بكلمة عربيٍّ، كان توحد القبائل تحت راية الإسلام ونزول القرآن باللغة العربيّة، وأدّى انتشار الإسلام في المناطق المتحدّثة بالعربيّة بغض النظر عن الأصول العرقيّة لهذه الشعوب إلى اندماج الثقافات المختلفة، وظهور الثقافة العربيّة المشتركة..