ما هو الهبوط المظلي
قد يُخيل للبعض بأن القفز المظلي بدعةٌ من بدع عصرنا الحديث، إلا أن واقع الأمر مختلفٌ تمامًا، فلطالما شغلت عقل الإنسان منذ القدم، فكرة الوصول الآمن لسطح الأرض بعد القفز من علوٍ شاهقٍ، تعددت الدوافع وراء ذلك وتنوعت من كونها وسيلةً لمناورة العدو في أوقات الحرب، لتغدو وسيلةً للترفيه والتسلية في أوقات السلم.. سنتعرف في السطور التالية على نشأة الهبوط المظلي عبر التاريخ، التفسير العلمي لآلية الهبوط، وأشهر أنماط منافسات الهبوط المظلي في العالم.
الهبوط المظلي (Parachuting)
اشتقت كلمة (Parachuting) من الكلمتين الفرنسيتين (Para) وتعني “ضد”، و(Chute) تعني “السقوط”، أي “ضد السقوط”، بما يتماشى مع دور هذه المظلات والتي تعمل على إبطاء سرعة هبوط شخصٍ أو أي جسمٍ آخر خلال سقوطه عبر الغلاف الجوي باتجاه إلى الأرض بما يضمن وصوله بأمانٍ.
آلية الهبوط المظلي
تمثل المظلة نسيجًا خفيف الوزن، متصلًا بجسمٍ أثقل منه كجسم الإنسان، والذي يخضع في حالة السقوط لتأثير قوتين متعاكستين، ففي حين تعمل قوة الجاذبية الأرضية (Gravity) على سحب الجسم نحو الأسفل، تنشأ قوةٌ ثانيةٌ مقاومة الهواء (Air Resistance) عندما يتم فتح المظلة ويتجمع الهواء تحتها، والتي تعمل بصورةٍ معاكسةٍ لقوة الجاذبية وتدفع الجسم لأعلى، مما يؤدي إلى إبطاء سرعة سقوط الجسم.
يؤدي فتح المظلة إلى تغيير السرعة النهائية، والتي هي أقصى سرعة يبلغها الجسم أثناء سقوطه في الهواء ما لم يوقفه شيءٌ ما يجعلها أقل بكثيرٍ مما هي عليه في حالة السقوط الحر، ويكفل الوصول الآمن إلى سطح الأرض.
.
أهم محطات التاريخية للهبوط المظلي
- يذخر التاريخ الصيني القديم بالعديد من القصص حول القفز بالمظلات، وبغض النظر عن كونها حقيقيةً أم لا؛ فهي تعكس فهمًا لمبدأ هذه العملية، بدءًا من قصة نجاة الإمبراطور الصيني في القرن الثاني قبل الميلاد، الذي قفز من أعلى مبنى محترق ممسكًا بقبعات قشٍ مخروطية الشكل، كما تشير إحدى المخطوطات والتي تعود إلى القرن الثالث عشر، إلى فرار لصٍ بالقفز من أعلى البرج – حيث كان محتجزًا – بالاستعانة بمظلتين، وبالإضافة إلى ما تمت روايته عن استخدام المظلات خلال الاحتفال بتتويج الإمبراطور في عام 1306 .
- بعد مرور قرنين من الزمن، وضع ليوناردو دافنشي (Leonardo da Vinci) تصورًا أوليًّا لعملية القفز المظلي، حيث عُثِر في أوراقه على رسمٍ لمظلةٍ هرمية الشكل مرفقة بوصفٍ موجزٍ.
- وضع الفرنسي لويس سيباستيان لينورماند (Louis-Sébastien Lenormand) تصميمًا بدائيًّا لمظلةٍ مكونة من قسمين أو مظلتين، واختبره بالقفز من شجرةٍ في عام 1783.
- كان أندريه جاك غارنرين (André-Jacques Garnerin) أول من قفز مظليًّا، وذلك على ارتفاع 3200 قدمٍ فوق العاصمة الفرنسية باريس في عام 1797، شاركته زوجته جين جينيفيف (Jeanne Genevieve) شغفه بالقفز المظلي، لتغدو أول أنثى تمارس القفز بالمظلة في عام 1799. استمرت نجاحات غارنرين ليبهر الحضور أخيرًا بقفزته من علوٍ شاهقٍ من على ارتفاع 8000 قدمٍ في إنكلترا، خلال أحد المعارض المقامة آنذاك.
.
- كان أول هبوطٍ مظليٍّ ناجحٍ من طائرةٍ في عام 1912، بواسطة الضابط في الجيش الأمريكي ألبرت بيري (Albert Berry).
- بدأت الاستخدامات العسكرية للمظلات خلال الحرب العالمية الأولى، والتي مكنت الجنود من الهروب من بالونات المراقبة، وازدادت وتيرة استخدامها خلال الحرب العالمية الثانية وخاصةً من قبل القوات الألمانية، وتعددت بدءًا من عمليات الإنزال، وتزويد القوات التي تقطعت سبل الوصول إليها بالإمدادات، بالإضافة إلى تسلل العملاء إلى أراضي العدو.
.
- بعد الحرب العالمية الثانية، تغير الطابع العسكري للقفز المظلي ليغدو هوايةً ورياضةً مثيرةً، وبحلول عام 1957 ظهرت أولى المدارس المتخصصة بتعليم القفز المظلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1959 افتتح الأمريكيان ليو سانبورن (Lew Sanborn) وجاك أندريه إستل (Jacques-André Istel) أول مركزٍ لممارسة القفز المظلي في بلدة أورانج ماساتشوستس.
.
أشهر أنماط منافسات الهبوط المظلي
- الهبوط الدقيق (Accuracy landing): يسعى فيها المظلي للهبوط في أقرب نقطةٍ ممكنةٍ من هدفٍ محددٍ مسبقًا.
- التماسك (Formation Skydiving): يقدم أفراد الفريق تشكيلاتٍ معينةً في الجو أثناء السقوط الحر (أي قبل فتح المظلة).
- تشكيلات المظلات (Canopy Formation): يقدم أفراد الفريق أيضًا تشكيلاتٍ معينةً، في الجو لكن بعد فتح المظلات.
- الهبوط الحر (Free Fall Style): يقفز المظلي من طائرةٍ على ارتفاع 2200م، ليتبعها بسلسلةٍ من الحركات المحددة مسبقًا من الحلقات والانعطافات بأسرع ما يمكن، يتم تقييم أداء المتسابق بعد أن يتم تسجيل حركاته باستخدام كاميرا أرضية مزودة بعدسةٍ خاصة.
- التـزلج الهوائي (Skysurfing): يتميز هذا النمط بوجود لوحٍ مزوّدٍ برباطٍ لتثبيت قدمي المظلي، ليقوم بشقلباتٍ وأنماطٍ معينةٍ من الحركات في الجو.
.
كيف يمكن ضمان سلامة المظلي
يقوم معظم القافزين بالمظلات بقفزتهم الأولى برفقة مدربٍ متمرسٍ، وهو ما يُعرف بالقفز الترادفي (يتعلّق المظلي بالمدرب للمساعدة)، يضمن المدرب في هذه الحالة الحفاظ على وضع السقوط الحر المستقر، وتنشيط المظلة في الوقت المناسب والتحكم فيها، مع التدرّب واكتساب الخبرة، يصبح المتدرب أكثر ثقةً بنفسه ويستمتع بأداء العديد من الحركات في الجو، منفردًا أو برفقة الأصدقاء.
في معظم دول العالم يُطلب من المظليين حمل مظلةٍ احتياطيةٍ ثانية، يتم فحصها وتجهيزها من قبل عامل مظلاتٍ متخصص (مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية يكون معتمدًا من إدارة الطيران الفيدرالية)، كما يستخدم العديد من القافزين جهاز تنشيطٍ تلقائيّ (Automatic Activation Device) أو (AAD)، والذي يسمح بفتح المظلة الاحتياطية على ارتفاعٍ آمنٍ في حالة فشل فتح المظلة الرئيسية، ويتزود معظمهم بمقياس ارتفاعٍ بصريٍّ، وقد يصل الحذر بالبعض إلى استخدام مقاييس ارتفاعٍ تعتمد على حاسة السمع.
.