ما هو حزب الاتحاد والترقي
نشأ حزب الاتحاد والترقي عام 1895 وسط حركة "الأتراك الجدد" السياسية والتي ظهرت لمواجهة طغيان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، الذي امتدت فترة حكمه بين 1876 و1909، وكان عمادها ضباط الجيش الشباب الذين كانوا محبطين من تداعي وانهيار قوة السلطنة العثمانية، وقد عزوا هذا السقوط إلى غياب روح التجدد والتطور في الدولة.
عملوا بدايةً بشكلٍ سريٍّ، وعندما جاءهم الدعم من الجيوش العثمانية في تركيا الأوروبية (في شبه جزيرة البلقان) نجحوا بالإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد، وكان حزب الاتحاد والترقي أكثر أحزاب الحركة التزامًا بالمبادئ الفكرية؛ فما هو هذا الحزب؟
ما هي حركة الأتراك الجدد
نشأت في 1908 كحركةٍ معارضةٍ لحكم السلطان الاستبدادي ، وتمكنت من حكم الإمبراطورية العثمانية بين 1908 و1918، وسعت إلى حماية الإمبراطورية ومؤسسة السلطنة مع القيام بإصلاحاتٍ مؤسساتيةٍ هامة، كما أكدت على أهمية التطوير العلمي والحاجة لولايةٍ معاصرةٍ وحكمٍ نخبويٍّ.
لمحة عامة عن حزب الاتحاد والترقي The Committee for Union and Progress
قام السلطان عبد الحميد الثاني في 1878 بحل البرلمان وأوقف العمل بالدستور الذي تم إقراره قبل عامين، وبدأت بعدها فترة حكمٍ استبداديةٍ استمرت لثلاثين عامًا. وبسبب طريقة الحكم هذه قام مجموعةٌ من الشباب من طلاب كلية الطب بتأسيس جمعية الاتحاد العثماني عام 1889، التي أصبحت لاحقًا حزب الاتحاد والترقي لينضم إليهم في 1907 تجمعًا من ضباط الجيش وموظفين حكوميين تحت رعاية جمعية الحرية العثمانية، ويلعبوا دورًا قياديًّا في الحزب.
في عام 1908 أعلن أفراد الجيش الذين انضموا إلى الحزب انشقاقهم عن حكم السلطان، ونشبت حروب عصاباتٍ في الجبال القريبة، ولاسترضاء هذه المعارضة قام السلطان عبد الحميد الثاني باستئناف العمل بدستور عام 1876. نتج عن إعادة إحياء البرلمان ظهور فصيلين في حزب الاتحاد والترقي، وهما الاتحاديون الذين دعموا إقامة دولةٍ مركزية قوية قادرة على سَنِّ إصلاحاتٍ وتعديلاتٍ عصرية، والليبراليون الذي سعوا لتحقيق حكمٍ مستقلٍ لا مركزي يستفيد منه من كان عثمانيًّا غير مسلمٍ أو غير تركي.
وكحلٍّ يرضي جميع الأطراف تم الاتفاق على اتباع ما عُرف بالعثمانية اللا إسلامية واللا تركية، ولكن بعد الانقلاب العسكري الذي حدث عام 1912 وصل الليبراليون إلى السلطة، ووصفوا كل من عارضهم بالتعصب الديني، وهي الحجة التي استخدمها لاحقًا القوميون لإسكات صوت المعارضة وتجريمها أحيانًا.
طبعًا لم تبقَ السلطة بيد الليبراليين، فبعد هروب المسلمين من البلقان خلال حروب الاستقلال حدثت الكثير من التغيرات الديموغرافية التي غيرت وجه الإمبراطورية وسمحت للاتحاديين بالوصول إلى السلطة والقضاء على خصومهم الليبراليين.
عمل الاتحاديون على إضفاء الطابع التركي على كامل أطياف المجتمع، وقد تضمن ذلك العديد من المجازر والهجرة القسرية بحق الأرمن والأكراد واليونانيين وغيرهم، وتعزيز اللغة التركية والهوية الحضارية التركية في محاولةٍ لتوحيد وتنظيم المؤسسات التعليمية والدينية والحكومية وغيرها، إلا أنهم شجعوا على الوحدة الإسلامية سعيًا منهم لجذب العرب المسلمين في الجنوب، لكن الثورة العربية عام 1916 دفعت بالعرب للابتعاد عن الإمبراطورية العثمانية.
كانت حرب الاستقلال عام 1918 نهاية حقبة ما عرف بتركيا الفتاة Young Turk، وقد ورثت الجمهورية التركية بعدها البنى التحتية السياسية والاجتماعية لحكومتها.
واقعة 31 مارت
أظهرت هذه الواقعة التي حدثت في نيسان عام 1909 ضعف حزب الاتحاد والترقي إلا أنها أعطته فرصةً ثانية، وقد حدثت نتيجة تمردٍ عسكريٍّ بسبب سخط الجنود العاديين في الجيش من وضعهم وتجاهل ضباط الجيش الطامحين سياسيًّا والضباط المدربين لهم، إضافةً إلى ما سموه بدع الكفار، وقد شجعهم على ذلك منظمة دينية عُرفت بالاتحاد المحمدي.
قاد هذه المجموعة الدينية درويش وحدتي، وكانت معاديةً للرؤية العسكرية لحزب الاتحاد والترقي، وطالبت بعودة العمل بقانون الشريعة الإسلامية. تحول تمرد الجنود المحتجين إلى ثورةٍ مسلحةٍ في ليلة 12/13 نيسان 1909، وكانت القوات المقدونية أولى الثوار والتي انضم لها المتطرفون وطلاب المدارس الدينية واتجهوا نحو البرلمان، وبشروق الشمس كان قد انضم إليهم المزيد من الجنود وعلماء الدين مما جعل الحكومة في حالة ذعرٍ فلم تجرؤ على قمع الثوار بل أرسلت قائد الشرطة ليستمع لمطالبهم والتي كانت كالتالي:
- الإقالة الفورية لرئيس الوزراء ووزيري الحرب والبحرية.
- نشر بعض الضباط الاتحاديين في المناطق النائية.
- إقالة رئيس البرلمان الذي كان اتحاديًا.
- إعادة العمل بالشريعة الإسلامية.
- إقالة بعض النواب الاتحاديين.
- العفو عن جميع الجنود المشاركين في الثورة.
وبعد عجز الحكومة أمامهم استقال رئيس الوزراء حسين حلمي باشا وحلَّ مكانه توفيق باشا، وتم تشكيل حكومةٍ قام وزير حربها عثمان باشا بتقديم وعدٍ للثوار بتحقيق جميع طلباتهم، وفي هذه الأثناء كانت الأعمال القتالية مستمرةً في شوارع اسطنبول، وقد راح ضحيتها عشرون شخصًا معظمهم ضباط اتحاديون، كما كان من بين القتلى نائبان في البرلمان. وبعد كل هذا لم يتبقَّ أمام حزب الاتحاد والترقي من حلولٍ تنجيه سوى أن يغادر العاصمة، ولم يبقَ في البرلمان سوى بضعة نوابٍ وافقوا على مطالب الثوار. وعلى الرغم من مغادرة الحزب لإسطنبول إلا أنه تمكن من جمع مناصريه في أجزاءٍ أخرى من الإمبراطورية وخاصةً مقدونيا، وأسسوا جيش الحرية الذي انطلق 15 نيسان 1909 تحت إمرة محمود شوكت باشا.
أثناء تقدم جيش الحرية إلى إسطنبول أرسل البرلمان بعثةً لملاقاته في محاولةٍ لإقناع محمود باشا بالعدول عن غزو المدينة، إلا أن الوفد قرر أن ينضم إلى جيش الحرية بعد أن فشل في مهمته ودعا باقي النواب للانضمام، وفي 24 نيسان 1909 دخلوا إسطنبول دون مقاومةٍ وقمعوا الثوار وأعلنوا الأحكام العسكرية، وتم تشكيل محكمتين عسكريتين قامت بمحاكمة عدد من الثوار وإعدامهم ومن بينهم درويش وحدتي.