ما هي التراجيديا وكيف نشأت؟
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
شكلٌ من أشكال الدراما يتطلب الكثير من المهارة والحرفية والإتقان، تعتمد على المحاكاة وترتكز على عناصر هامة، لها جمهورٌ واسع النطاق على مدى العديد من الحضارات المتلاحقة، فما هي التراجيديا؟
التراجيديا أو المأساة هي كلمة مشتقة من Tragoidia، وهي كلمة يونانية معناها الحرفي أغنية الماعز، حيث كانوا الفنانين المسرحين يرتدون أحذية من جلد الماعز على المسرح، والتراجيديا هي نوع من القصص التي يتم فيها إلقاء الضوء على عيوب النفس البشرية، مثل الجشع، والأمل والحب بشكل مفرط، فالبطل بهذه القصص شخص ناجح وسعيد، لكن لديه بعض العيوب المأساوية التي ستؤدي إلى سقوطه في النهاية، حيث تتبع القصة نهجًا تدريجيًا من العظمة إلى الدمار والخسارة.
ويبقى البطل وحيدًا بعد أن خسر جميع من حوله من أصدقاء، فيشعر الجمهور بالحزن والشفقة على البطل، وتحذرهم التراجيديا من هذه العيوب التي قد تؤدي إلى كوارث. في بعض الأحيان يستخدم الناس مصطلح التراجيديا ليَصِفوا الأحداث الحزينة، فيقولون أن تحطم الطائرة أو التسونامي هو حدث تراجيدي، لكن الأدب يشير إلى مفهوم التراجيديا له معنى أعمق ومحدد أكثر من ذلك.
فالتراجيديا تعني المأساة، وهي دراما كئيبة وخطيرة تنتهي عادةً بكارثة حزينة. تتمحور الحكاية التراجيدية حول الشخصية التي تتحمل سوء الحظ والنهايات غير المتوقعة في المسرحية، ويرجع سوء الحظ الحاصل بسبب خطأ يرتكبه البطل يتمثل في تفكير متهور أو الجشع للوصول إلى السلطة أو غيرها.
أشكال التراجيديا
هناك أشكال متعددة للتراجيديا، منها:
التراجيديا اليونانية: حيث تتكلم المآسي اليونانية عن بطل ذو شأن كبير يرتكب خطأ، ويتحمل عواقب أعماله ويقبل سقوطه، حيث تشمل قصصهم الآلهة والأساطير والمعاناة والصراع، ومن أمثلتها كل من نساء طروادة Trojan Women، التي قام بها الكاتب المسرحي اليوناني يوربيديس Euripedes، وأنتيجون Antigone والتي كانت تقدمة الكاتب المسرحي سوفوكليس Sophocles.
التراجيديا الرومانية: هناك العديد من التراجيديا في العصر الروماني التي لا تزال تعرض حتى الآن، وبعض تلك المآسي كانت انتقامية.
التراجيديا الإنكليزية: التي ظهرت عام 1561، وكانت نقطة تحوّل الأسلوب الدرامي البريطاني من غموض ومسرحيات اخلاقية، إلى كتابة التراجيديا، حيث تروي معاناة ملك بريطاني بسبب أولاده العصاة.
فعلى عكس التراجيديا اليونانية، تدور الإنكليزية حول أشخاص واقعيين ولديهم العديد من المؤامرات المتفرّعة ويمكن ملاحظة العنف في أعمالها، بالإضافة إلى لحظات كوميدية، ومن أمثلتها مسرحيّتا هاملت Hamlet وعُطيل Othello، للكاتب الشهير ويليام شكسبير William Shakespeare.
مثال آخر كلاسيكي للتراجيديا، هو مسرحية روميو وجولييت لشكسبير، والتي تتحدث عن قصة حب روميو وجولييت التي انتهت بانتحارهما بشكل مأساوي، بسبب اختلاف عائلتيهما وقرارهما الزواج من بعضهما سرًّا.
كيف تطورت التراجيديا؟
التراجيديا هي نوع من أنواع الدراما، تعالج المشاكل الشخصية التي تؤدي عادةً إلى نهايات حزينة أو كوارث من صنع القدر كما صورتها الدراما القديمة، في حين قدمتها الدراما الحديثة على أنها نهايات حزينة ناتجة عن خلل نفسي أو ضعف أخلاقي ممزوج بضغوط اجتماعية.
وتبدأ أغلب القصص التراجيدية ببطل سعيد ذو حياة مستقرة، تواجهه بعض المشكلات التي تؤدي إلى تغيير مجرى حياته وصولًا به إلى النهاية الحزينة، التي تنشر مشاعر الحزن والشفقة في قلوب المتابعين.
ولكن في المقابل قد تخلق القصة بعض الحذر والوعي تجاه المشاكل التي قدمتها. حيث تسلط التراجيديا الضوء على جوانب الحياة السلبية، وتهدف لتعليم الجمهور من الأخطاء التي ارتكبتها الشخصيات، وكانت سببًا في نهايتها.
ورافق تطور التراجيديا التطور الزمني والأدبي، فظهرت التراجيديا اليونانية والتراجيدية الانكليزية، حيث ركزت التراجيديا اليونانية على المؤامرات التي كانت تحاك ضد أبطال عظماء من مكانات عريقة تساوت تقريبًا مع مكانة الآلهة، فهدفت إلى التعليم الديني. في حين تناولت التراجيديا الإنكليزية قضايا من مختلف نواحي الحياة الدينية منها أو الأخلاقية. وكانت في أغلب الأحيان مزيجًا من الكوميديا والتراجيديا، لتقدم نوعًا من أنواع الترفيه المبطن.
نشأة التراجيديا عبر التاريخ
كانت الاحتفالات الدينية تقام قديمًا في اليونان تكريمًا للآلهة لديهم (إله ديونيسوس وهو إله الخصب والزرع لديهم)، حيث كان يرتدي الشعب لباسًا غريبًا على شكل ماعز في نصفهم الأسفل بينما نصفهم الأعلى على هيئة بشر، ويمثلون أدوارًا وحوارات، ومن هنا جاءت تسمية التراجيديا والتي تعني لباس الماعز.
في القديم اعتقد العديد من الفلاسفة والمفكرين أن المأساة هي أعلى أشكال الفن الأدبي، لذلك كثيرًا ما نلاحظ المآسي في القصص الغربية القديمة مثل المسرحيات اليونانية المعروفة والمشهورة بقصصها التراجيدية، ومن الغريب حقًا انتشار هذا النوع من المسرحيات عبر التاريخ، ولماذا كان يفضل الجميع تجربة هذا النوع من المشاعر الحزينة.
يبدو أن للمأساة قوة وشعبية كبيرة في الأدب، حيث يفسر أرسطو هذا التعلُّق الكبير بهذا النوع من الآدب إلى “التنفيس” أو ما يعرف بإطلاق العواطف المكبوتة، فنحن في هذه الحياة نمر بمواقف كثيرة ونخزِّن العديد من المشاعر السلبية ولربما نجد في هذا النوع طريقة آمنة ومثمرة في التخلص من كل تلك الهموم، لكن ولسوء الحظ، فإن الفن التراجيدي نادرٌ للغاية في هذه الأيام، حيث يفضل مشاهدو السينما والتلفزيون التحدث عن النهايات البطولية والسعيدة، لذلك فمن غير المعتاد رؤية مأساة حقيقية في الثقافة الشعبية الحديثة.
وهكذا فالتراجيديا نوع مهم من الأدب، يسمح للجمهور بتجربة إطلاق عواطفهم والتفاعل مع الأحداث المأساوية التي تتخلل القصة. في دراما التراجيديا، يُسلَّط الضوء على الجانب السيء في الحياة، وفي كثير من الأحيان، يتعلم الجمهور من الأخطاء التي ترتكبها الشخصيات وتؤدي إلى بؤسهم أو موتهم.