الهندسة الوراثية
وجد الإنسان مبتغاه في الهندسة الوراثية في سبيل الحصول على طرقٍ وحلولٍ تجعله يواكب التغيرات المناخية التي يعيشها على كوكب الأرض بحيث يضمن ازدياد قدرته على الحياة مهما تغيرت الظروف من حوله، فبدأ أولًا بالنباتات والحيوانات التي تشكل أهم مقومات الحياة فعرفنا من خلال تطبيق فرضيات الهندسة الوراثية عليها أنواعًا جديدةً من النباتات والحيوانات.
تعريف الهندسة الوراثية
تُدعى أيضًا بالتعديل الوراثي وهي تعديل الحمض النووي DNA في المجموع المورثي لكائنٍ ما أي تغيير أحد الأزواج القاعدية أو إزالة منطقةٍ محددةٍ من الحمض النووي DNA أو إنشاء نسخةٍ إضافيةٍ للجين، كما قد تعني الهندسة الوراثية نسخ الحمض النووي من المجموع المورثين لكائن ما وإضافتها إلى الحمض النووي لكائنٍ آخر حيث يعتمد عليها العلماء لتعديل بعض صفات الكائنات الحية أو تحسين بعضها الآخر بدءًا من الفيروسات أصغر الكائنات وصولًا إلى الخراف، فمثلًا تمكن العلماء باستخدام الهَندسة الوراثية من إنتاج نباتاتٍ تتميز بقيمةٍ غذائيةٍ عاليةٍ أو قادرةٍ على تحمل ظروفٍ مناخيةٍ محددةٍ.
تقنيات الهندسة الوراثية
تعتمد معظم تقنيات انتاج الحمض النووي معاد التركيب أو كما يُدعى بالدنا المأشوب أو المؤتلف على إدخال جيناتٍ غريبةٍ إلى بلازميدات سلاسلٍ مخبريةٍ تعود لأنواع من البكتيريا؛ والبلازميدات هي حلقاتٌ صغيرةٌ من الحمض النووي DNA ولا تعد جزءًا من كروموسوم البكتيريا، لكنها قادرةً على توجيه عملية تركيب البروتينات والتكاثر والانتقال إلى سلالات البكتيريا تمامًا كما هي حال الحمض النووي الكروموسومي أو الصبغي. لذلك ومن خلال دمج حمضٍ نوويٍّ لكائنٍ آخر مع البكتيريا أمكن الحصول على نسخٍ غير محددةٍ من الجين المضاف الذي إن كان مؤثرًا وفعالًا فإن البكتيريا المعدّلة ستُنتج بروتينًا جديدًا عن طريق الحمض النووي المضاف.
اتجهت الهندسة الوراثية فيما بعد خاصةً خلال بدايات القرن الواحد والعشرين إلى تقنياتٍ جديدةٍ كتقنية التحرير الجيني Genome Editing بالاعتماد على تقنيةٍ تدعى CRISPR-Cas9 وفيها يُخصص العلماء سلسلة جينية لكائنٍ حيٍّ من خلال إجراء تغييراتٍ محددةٍ على حمضها النووي وعادة ما تُستخدم لإجراء تعديلاتٍ وراثيةٍ على المحاصيل الزراعية والمواشي والكائنات الحية المستخدمة في المختبرات العلمية.
أنواع الهندسة الوراثية
تقتصر الهندسة الوراثية على ثلاثة أنواع:
الهندسة الوراثية التحليلية
يُعتبر هذا النوع بمثابة الفرع البحثي للهندسة الوراثية مهمته إيجاد نماذجٍ وراثيةٍ افتراضيةٍ باستخدام بعض برامج الكمبيوتر القادرة على تقديم دراسة نظريةٍ للنتائج المحتملة جراء تطبيق التعديلات الوراثية على الكائنات الحية.
فمثلًا قبل توصيل الجينات مع بعضها يمكن من خلال برنامجٍ مناسبٍ على الكمبيوتر إنشاء نموذجٍ تحليليٍّ للجينات يُقدّم تصورًا حول احتمال نجاح التوصيل وما هي النتائج المترتبة عليه وبذلك يمكن تجنب حدوث نتائجٍ غير مرغوبةٍ وربما خطرةٍ عند إجراء التعديلات الوراثية على مختلف الكائنات خاصةً الحيوانات.
الهندسة الوراثية التطبيقية
ترتبط هذه الهندسة الوراثية بالتطبيقات العملية للأدوات المستخدمة لتعديل جينات الكائنات الحية من أجل انتاج نسخٍ جينيةٍ لها أو إضافة صفاتٍ جديدةٍ لها لم تكن موجودةً من قبل. وأول ما يتبادر إلى الأذهان عملية الاستنساخ في كثيرٍ من المجالات كاستنساخ الحيوانات والنباتات بالرغم من أنها لم تُحقق نجاحاتٍ جيدةٍ وكانت مثار جدلٍ لوقتٍ طويلٍ بينما اعتُمد على النقل الوراثي في كثيرٍ من المجالات كإنتاج الفواكه والخضار المعدلة جينيًا.
الهندسة الوراثية الكيميائية
يعتبرها البعض المرحلة الأساسية أو البدائية
للهندسة الوراثية التطبيقية كونها تتعلق بفصل الجينات وتصنيفها وإعداد الرسوم
الخاصة بها لتُصبح جاهزةً للدخول بتجارب الهندسة الوراثية التطبيقية، حيث تضمن
الهندسة الوراثية إنشاء الخرائط الوراثية ودراسة التفاعلات والترميزات الجينية.
خلال إنشاء الخرائط الجينية تُحدد أجزاء الحمض النووي DNA لكروموسومات مفردة لذلك لا بد من اكتمال تتابع الحمض النووي حتى تُصبح الخريطة الجينية جاهزةً والتي تلعب دورًا بارزًا في دراسة الجينات المسببة للأمراض وطرق علاجها.
أما الترميز الجيني يتعلق بدراسة واختبار تسلسل الحمض الأميني للحمض النووي DNA والحمض النووي RNA وبالتالي فهم واستيعاب الصفات الوراثية السائدة وهذا يُساعد بدوره على فهم احتمالات وظروف حدوث الصفات الوراثية غير المرغوبة والمسببة للأمراض والتوصل إلى علاجاتٍ طبيةٍ لها.
إيجابيات الهندسة الوراثية
زيادة معدل النمو
من خلال الاعتماد على الهندسة الوراثية يمكن
تعديل مورثات الحيوانات والنباتات بحيث يزداد نضجها وبلوغها بشكلٍ أسرع حتى وإن لم
تتوفر الشروط الضرورية الاعتيادية لحدوثه حيث يمكن لتلك الكائنات النمو وفقًا
لمختلف الظروف كارتفاع الحرارة مثلًا أو انخفاض مستويات الإضاءة.
إطالة حياة الكائن الحي
قد يتمكن الكائن الحي المعدل وراثيًا من
مقاومة مختلف العوامل التي تُسرّع بموته كمقاومة النباتات مثلًا لمختلف الأمراض
والآفات واستمرارها بالنمو وإعطاء المحاصيل، وحتى الحيوانات يمكن من خلال تعديلها
وراثيًا أن تقاوم مختلف المخاطر الصحية ذات التأثير على السلالة والأنواع وبالتالي
يزداد عمر الكائن الحي.
تطوير صفاتٍ محددة
من خلال بعض الصفات الوراثية لدى الحيوانات أو النباتات قد تُصبح أكثر فائدةً وجماليةً وهذا ما نراه من خلال أشكالٍ وألوانٍ جديدةٍ من الفواكه والخضار بينما تتمثل لدى الحيوانات في زيادة قدرتها على تقديم بعض المنتجات كالحليب واللحوم.
سلبيات الهندسة الوراثية
بالرغم من الإيجابيات الكثيرة للهندسة الوراثية
استطاع الكثيرون تقديم بعض السلبيات من خلال
انخفاض القيمة الغذائية للطعام
يعتقد الكثيرون أنه عند نمو الحيوانات بسرعةٍ ستنخفض القيمة الغذائية لمنتجاتها وأكبر مثالٍ على ذلك لحم الدجاج حيث يُلاحظ ظهور خطٍ أبيض اللون فيها ناتجٌ عن رواسبٍ دهنيةٍ نتيجةً للنمو السريع.
ظهور آثارٍ جانبية غير متوقعة
من المتعارف عليه أن التعديلات التي تتم من خلال الهندسة الوراثية مفيدة وصحية وذات تأثيرٍ إيجابيٍّ، لكن للأسف لا بد من الاعتراف بوجود احتمالاتٍ لظهور آثارٍ سلبيةٍ غير متوقعةٍ لتلك التعديلات فمثلًا قد تقل قدرة النباتات المعدلة وراثيًا على مقاومة أشعة الشمس، كما يقل عمر الحيوانات المعدلة لإنتاج كمياتٍ أكبر من الحليب أو البيض.