ما هي عشبة الشيح وما أنواعها وفوائدها
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
لطالما كانت الطبيعة غنيةً بالعديد من النباتات الطبيّة والتي استخدمت على مدى القرون الماضية لعلاج الأمراض، ومع كل التطوّر العلمي الحاصل، كان لا بدّ للإنسان في كل مرةٍ أن يعود ليستعين بكنوز الطبيعة الأم لحلّ أعقد المشكلات الطبية التي تواجهه… سنتعرف في هذه المقالة على واحدةٍ من أهم هذه النباتات وأقدمها ألا وهي عشبة الشيح .. ما هي أنواعها وأهم فوائدها؟
الوصف النباتي
عشبة الشيح (Artemisia)، من الأجناس النباتية التي تمتاز بالتنوع، فهي تضم حوالي 400 نوعٍ يتفاوت ما بين النباتات المعمرّة والأعشاب العطرية والشجيرات، والتي تتميز جميعها بأوراقها المتبادلة والمغطاة بأشعارٍ بيضاءَ اللون، وأزهارها الأنبوبية الصغيرة، والتي نادرًا ما تظهر بصورةٍ منفردةٍ، بل تتجمع في معظم الأحيان على شكل نوراتٍ عنقوديةٍ أو عثكوليةٍ أو رؤيسية. ينتمي نبات الشيح إلى العائلة النجمية (Asteraceae)، تكمن أهمية أنواعه باختلافها كنباتاتِ زينةٍ أو لاستعمالاتها الطبية.
.
تعود تسمية عشبة الشيح (Artemisia) بهذا الاسم ربما نسبةً إلى الآلهة اليونانية آرتميس (Artemis)، آلهة الحياة البرية وحامية الصيادين، وقد يكون تكريمًا للملكة آرتيمسيا (Artemisia Of Caria) وتُعرف أيضًا بـ (Artemisia I) ملكة منطقة الأناضول، والتي اشتهرت بحكمتها وشجاعتها وبدورها في معركة سلاميس البحرية ضد اليونانيين في عام 480 قبل الميلاد، التي حاربت فيها إلى جانب الفرس بقيادة ملكهم Xerxes.
.
تنتشر أنواع نبات الشيح في المناطق المعتدلة على نطاقٍ واسعٍ في أمريكا الشمالية (المكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا)، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وآسيا، وأفريقيا، وأستراليا.
.
أهم أنواع عشبة الشيح
عشبة الشيح الحولي (Artemisia Annua):
تنمو ساقها حتى ارتفاع (6-10) أقدام، لها جذعٌ رئيسيٌّ واحد تتفرع عنه فروعٌ أصغر متناوبة، تتحول السوق إلى اللون الأحمر في الخريف، أوراقها ريشية، مقسمة بعمقٍ لفصوصٍ، مسننة وخضراء داكنة اللون، ذات رائحةٍ عطرةٍ، تتشكل عليها نورات عنقودية تحمل رؤوسًا زهريةً صغيرة كروية الشكل صفراء مُخضرة من فصل الصيف حتى الخريف، تتفتح لتعطي أزهارًا صغيرةً صفراءَ اللون غنية بمادة الأرتيميسينين (Artemisinin).
الشيح الشجيري (Artemisia Arborescens)
شجيرةٌ عطريةٌ دائمة الخضرة أو شبه دائمة، تنمو حتى ارتفاع (4-6) أقدامٍ، مستديرة الشكل، وساقها خشبية مستقيمة، تتفرع لتحمل فروعها أوراقًا فضيةً رمادية مُشعرة (ذات أشعار). تتحمل عشبة الشيح الشجيري درجات حرارة حتى (25-30) F°، وتغدو أشد حساسية في المناخات التي تنخفض فيها الحرارة إلى ما دون درجة التجمد، تموت بسرعةٍ في المناخات الباردة والرطبة.
شيح العطارين (Artemisia Judaica)
من أسمائه الشائعة البعيثران، وهو من الأعشاب المعمرة العطرية، الكثيفة النمو، تصل لارتفاع 50-75 سم. تتفرع عن قاعدتها الخشبية فروع عديدة منتشرة، تحمل أوراقًا رمادية اللون، قصيرة، وتفضل النمو في الترب الرملية. تنتشر في مصر، وعلى طول الحدود الجنوبية الأردنية السعودية حيث ترعى الإبل هذا النوع، وفي الصحراء الكبرى.
شيح ابن سينا (Artemisia Absinthium)
شجيرةٌ معمرةٌ، تنمو حتى ارتفاع (2-3) أقدامٍ، يصل ارتفاعها في بعض المناطق إلى 5 أقدامٍ، أوراقها شبيهة بأوراق الكرفس، ذات لونٍ أخضر ضارب إلى الرمادي، كما تظهر على فروعها أزهار صفراء اللون. تتحمل الصقيع، وتتميز برائحةٍ لاذعةٍ.
.
أهم الفوائد والاستعمالات الطبية للشيح
يتألف جنس Artemisias من مجموعةٍ كبيرةٍ من النباتات الطبيّة الهامة، والتي عُرفت منذ القدم في الطب الشعبي، ولاتزال حتى اليوم تجذب أنظار العلماء نحوها لكونها مصادر غنية لأنواعٍ مختلفةٍ من المركبات الفعّالة بيولوجيًّا، ذات المزايا العلاجية، والمتفاوتة فيما بينها من حيث التركيب النوعي والكمي، وذلك تبعًا للعديد من العوامل منها الظروف البيئية، واختلاف الأنواع النباتية، وعمر النبات ونوع التربة، والجزء من النبات المستخدم، بالإضافة إلى موسم الحصاد وطريقة الحصاد … فيما يلي بعض استخدامات عشبة الشيح الطبية الهامة:
- استخدمت عشبة الشيح الحولي (A. Annua) في الطب الصيني التقليدي لعلاج الحمى والقشعريرة، كما شاع استخدامها كمادةٍ مطهرّةٍ، وخافضةٍ للحرارة، ومضادة للتشنج، طاردة للديدان ومنشطةٍ للجسم. يبقى الاستخدام الأكثر أهميةً للشيح الحولي عالميًّا في علاج الملاريا نظرًا لغناه بمادة الأرتيميسينين، كما تشير بعض الدراسات إلى فعاليته ضد فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). زاد الاهتمام مؤخرًا بعزل وتوصيف مادة الأرتيميسينين نظرًا لقدرتها على القضاء على الخلايا السرطانية في حالات سرطان الثدي، مما زاد الاهتمام والتركيز على نبات الشيح الحولي.
- يشتهر شيح ابن سينا (A. Absinthium) بتأثيراته المضادة للطفيليات، وقدرته على علاج العديد من مشاكل الجهاز الهضمي وفقدان الشهية.
- عُرِف الشيح الشجيري (A. Arborescens) منذ القدم بفعاليته في معالجة الالتهابات.
- استخدم شيح العطارين (A. Judaica) لعلاج مشكلات الجهاز الهضمي، الحمى، والإجهاد وتنظيم الحيض، كما أشارت الدراسات إلى النشاط المضاد للأكسدة للزيت العطري المستخلص منه، والذي يستخدم أيضًا كمنكّهاتٍ للطعام.
.
عشبة الشيح وعلاج الملاريا
خلال الحرب الفيتنامية، طلبت شمال فيتنام من الصين المساعدة في مكافحة الملاريا، التي تسببت في خسائرَ فادحةٍ وحصدت آلاف الأرواح، خاصةً في ظل تطور الطفيلي وحيد الخلية الذي يسبب الملاريا، والذي بات مقاومًا للكلوروكين الدواء المستخدم آنذاك، ونتيجةً لذلك، أطلق الرئيس الصيني ماو تسي تونغ (Mao Zedong) في عام 1967، مشروعًا لإيجاد علاجٍ للملاريا المقاومة للكلوروكين.
اختيرت الصينية تو يويو (Tu Youyou) لتكون أحد الباحثين المشاركين في هذا المشروع، بحثت مع فريقها في وصفات الطب الصيني القديم، والذي شاع فيه استخدام عشبة الشيح لعلاج حالات ارتفاع الحرارة المزمنة، والتي تعد واحدةً من أعراض الملاريا، وبدأت سلسلة من الاختبارات والتجارب حتى تمكنت من استخلاص المادة الفعّالة فيه الأرتيميسينين.
استغرق الأمر عقدين من الزمن حتى أوصت منظمة الصحة العالمية في نهاية المطاف باستخدام مركب الأرتيميسينين كعلاجٍ أساسيٍّ وفعّالٍ ضد الملاريا، فازت تو يويو بجائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب لعام 2015 كتكريمٍ لها عما أنجزته في سبيل محاربة الملاريا.
.