تريند 🔥

📱هواتف

من هم صعاليك العرب

مروة عمران
مروة عمران

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

4 د

من منا لم يكبر على روبن هود (Robin Hood) الفارس المحبوب، الذي كان يسلب أموال الأغنياء ليعطيها للفقراء، وحظيّ بمحبة الأطفال والكبار لكرمه وإحساسه بالمحتاجين. لم تكن تلك القصة من محض الخيال، فقد استُلهم من حياة العرب في القديم، حيث كانت هذه الظاهرة مطروقة جدًا في الجاهلية تحت شعار الصعلكة، فقد كان صعاليك العرب يتمثلون بالخارجين عن القانون والعرف الاجتماعي السائد لدى القبائل العربية القديمة نتيجة التباين الاجتماعي الحاصل، والذي أنتج مجموعةً من ذوي العقول الكبيرة المتمثلة بالشعراء، حيث كان الشاعر هو المدون عبر شعره لحوادث ومعارك وأنساب، وكان يُظهر عبر شعره الحياة القبلية بكل تفاصيلها سلبًا أو إيجابًا.

لكنّ مثقّفي تلك الفترة ـ فترة الجاهلية وصدر الإسلام ـ قد قلبوا مفهوم الصعلكة من السرقة وقطع الطرق، إلى نواحٍ إيجابيّةٍ تتمثّل في سلب الغنيّ والزعيم عبر المرابطة بطرق الصحراء، ليسلبوا القوافل أموالهم ويوزعونه على المحرومين حيث اعتبروه مشروعًا لهم.


بروز ظاهرة الصَّعْلَكَة

يُقال أن الشعر ديوان العرب، ولا يخفى على أحدٍ ازدهاره في العصر الجاهلي، حيث كان كل أميرٍ أو زعيمٍ يحظى في مجلسه بمن يؤانسه، وكان المحفل يضم شعراءَ كُثُرًا عند كل زعيمٍ، يتسابقون على مدحه بشعرهم ليحظوا بجوائزه ومكارمه، إلا أن بعضهم لم يعترف بسلطة القبيلة وسلطة زعمائها وواجباتهم، فطُردوا من قبائلهم وساروا في أرجاء الصحراء يمتهنون الغزو والسلب والنهب كردّ فعلٍ للخروج عن طاعة رؤساء قبائلهم، حيث كان الحل عند هؤلاء هو سلوك طرق الصعلكة، ولذا تمت تسميتهم بالصعاليك.

مفردة الصُعْلُوك في اللغة العربية تشير إلى الفقير الذي لا مال له، لكن العرب توسعوا وغيروا في معنى تلك الكلمة لتصبح مرتبطةً بمجموعةٍ من الأشخاص المنتشرين في الصحراء، أغلبهم ينطقون الشعر ثائرين على واقعهم وأفكار ومعتقدات قبائلهم، ويظهر هذا جليًّا في سطور شعرهم؛ حيث وصفوا حالهم ومكانتهم الاجتماعية الدنيا وكرمهم الشديد رغم فقرهم المدقع، في حين هناك الكثير من الأغنياء يتمتعون بأموالهم ولا يأبهون بحال الفقراء، وبذا كان لديهم الحجة للقيام بأعمال السلب والنهب لمساعدة الفقير من أموال الغني، حتى ولو كان بالسرقة.

يتجلى هدف وطموح صعاليك العرب البعيد في الغنى، وهو ما سعَوا إليه في حياتهم، إلا أنهم فشلوا في تحقيق تلك الغاية بسبب كرمهم وتوزيع كل ما نهبوه من المال للفقراء والمحتاجين، حتى صارت هذه قضيتهم وفلسفتهم بالحياة.

.


أشهر صعاليك العرب

  • عروة بن الورد: أشهر الصعاليك، وأعظم فرسانهم، والأب الكريم للفقراء. قدّم بشعره صورًا عظيمةً للغة الشعريّة العربية وللعرب ما قبل الإسلام، حيث يظهر في شعره مدى رجولة وضيافة وكرم العرب وعظمة اللغة. أُطلق عليه لقب أبي المساكين كونه يسرق لإطعام الفقراء الذين كانو يلجؤون إليه دائمًا، ويُعتبر من القلائل الذين حوّلوا مفهوم الصعلكة للمنحى الإيجابي.
  • شظاظ الضبّي: هو طالب بن الحارث بن باسل بن عامر بن أوس، لقّب بشظاظ الضبي، وهو شاعرٌ صعلوكٌ من أخبث الصعاليك من بني ضبة، كان يقطع الطريق ويسلب القوافل مع مالك بن الريب وأبي حردبة وغيرهم، وقد نشروا الذعر والشر، فطلبهم مروان بن الحكم فهربوا. له شعرٌ في كتاب أشعار اللصوص.

.

  • أبو خراش الهذلي: خويلد بن مرة، شاعرٌ مخضرمٌ عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام بعد مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وترك الصعلكة بعد أن أسلم، كان عفيف النفس و أُجبر على الصعلكة بسبب ظروفه.

.

إضافةً لغيرهم من صعاليك العرب المشهورين قبل وبعد الإسلام مثل تأبط شرًا، والسليك بن السلكة، والحارث بن ظالم المري، وغيرهم كثر.


مقتبسات من شعر الصعاليك

سرد صعاليك العرب مغامراتهم في رحلاتهم، وحددوا مناطقَ جغرافيةً كالمراقب ـ أي أعالي الجبال ـ حيث كانوا يترصدون للقوافل، وكثيرًا ما كانوا يختارون الليل لتنفيذ خططهم، فقال في هذا الشنفرى مصوّرًا إحدى المراقب التي كان يلجأ إليها مترصدًا:


وَمَرْقَبَةٍ عَنْـقاءَ يَــقْصُرُ دونَها *** أَخو الضِّرْوَةِ الرِّجْلُ الْحَفِيُّ الْمُـخَفَّـفُ
نَعَيْتُ إلى أَدْنـى ذُراها وَقَدْ دَنـا *** مِنَ اللَّيْـلِ مُلْتَفُّ الْحَـــديقَةِ أَسْــدَفُ
فَبِتُّ على حَدِّ الذِّراعَيْن مُجْذِيًــا *** كَما يَــتَطَوّى الأَرْقَــمُ الْمُتَعَـــطِّفُ
وَلَيْسَ جَهازي غَيْرُ نَعْلَيْن أَسْحَقَتْ *** صُـدورُهــما مَخـْصورَةً لا تُــخَصَّف
وَضُنِّيَّةٍ، جُرْدٍ وَإخْلاقِ رَيْطــةٍ *** إذا أَنْـــهَجَــتْ مِنْ جانِبٍ لا تُـكَفَّفُ

أما في حياتهم في الغابة مع الحيوانات والوحوش، فقد أوردوا صورًا جليّةٍ تصف عيشتهم، فمثلًا كان لتأبط شرًّا اتصال بالووحش والأفاعي منذ صغره، وقد لقّـب بهذا اللقب لارتباط كنيته بها، كما أنّه جاور الغول، وهو يصف لقاءه إياها، في قوله :


فأَصْبَحْتُ و الغـــولُ لي جارةٌ *** فَـيا جارَتا أنْتِ ما أَهْــوَلا

وعند موت واحد من صعاليك العرب تلك الأيّام، كانوا يبادرون إلى رثائه ببعض الأبيات، كما فعل أبو خراش راثيًّا أحد أخوته فقال:

.


أَرى الدَّهْرَ لا يَبْــقى عَلى حَدَثانِهِ *** أَقَبُّ تُباريهِ جَدائِدُ حولُ
أَبَنَّ عِقاقًا ثُــمّ يَرْمَحْـنَ ظَلْـمَهُ *** إِباءً وَفيهِ صَوْلَةٌ وَذَميـلُ
وَلا أَمْعَرُ السّاقَيْنِ ظَلَّ كَأنَّه *** عَلى مُحْزَئِلاّتِ الإكامِ نَصيلُ
رَأى أَرْنَبًا مِنْ دونِها غَوْلُ أشْرُجٍ *** بَعيدٌ عَلَيْهِنَّ السَّـرابُ يَـزُولُ
فَضَمَّ جَناحَيْه وَمِنْ دونِ ما يَرى *** بِـلادٌ، وُحوشٌ، أَمْرُعٌ، وَمُحـولُ

بغض النظر عن أفعال هؤلاء الجماعات، إلا أن أخلاقياته آنذاك، وإحساسهم بالغير، بالإضافة إلى إبداعهم في نظم الشعر، يشفع لهم ليصل إلينا صيتهم كما هو الآن كاللصوص الشرفاء، ويخلّد أقوالهم التاريخ.

هل أعجبك المقال؟