هل تزوج عنترة بعبلة؟
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
يقال بأنّ عنترة بن شداد أحبّ عبلة بنت مالك (وهو عمه)، وحين طلبها للزواج حاولوا إبعاده عن ذلك بجعله يخوض معارك كثيرةً لكي يتخلصوا منه، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فقد نجا عنترة من جميع المعارك، وحينها طلب عمه منه أن يُحضر له مهرًا يعادل ألف ناقةٍ من النوق العصافير، والتي كانت موجودةً عند الملك النعمان بن منذر في العراق، ظنًا منه أنّه لن يستطيع جلبها، ولكن عنترة نجح في ذلك وتزوج في النهاية من عبلة.
وبعد ستة أشهر من زواج عبلة وعنترة، لم تُنجب له أولادًا، وكما ذُكر في كتاب سيرة عنترة بن شداد أنّه تزوج من ثمانية نساءٍ بعدها، ومنهنّ:
- مهرية: وهي زوجته الأولى بعد عبلة، والتي حملت من عنتر دون علمه وأنجبت له ولدًا ربته حتى كبر وعندما التقى بأبيه في ساحة المعركة، أخبرته بالحقيقة.
- سروة: وهي الأميرة التي رآها عنترة خلال غزوةٍ من غزواته، وكانت مريضةً ونائمة في غيبوبة، حيث أوقظها باستخدام تعويذة، وتزوجها وتركها بعد فترة، وأيضًا أنجبت له ابنًا سمّته بالغضبان.
- هيفاء: وهي محاربةٌ ماهرة، وأخت صديق عنترة وهو ربيعة بن المقدم، وقد عرض الزواج عليه من أخته، فما كان من عنترة إلّا أن وافق وتزوجها، حيث أنجبت له أولادًا ولكن المفارقة أن الهيفاء هي صديقة عبلة المقربة منها، وقد استمرت صداقتهما حتى بعد زواجها من عنترة.
- غمرة: وهي ليست زوجةً لعنترة ولكنها تعرضت للاغتصاب من قبله، حيث كانت تقاتله وهي متخفية وحين أوقعها عن الفرس وعلم أنها امرأة، اغتصبها قسرًا وتركها، وأنجبت على إثر ذلك ولدًا أسمته بالغصوب، وقد ربته على أساس أنه عبدٌ من العبيد المقربين، دون أن يعرف أحدٌ هويته.
- مريم: إحدى أميرات بلاد الروم، والتي أحبت عنترة وطلبت من أخيها أن يزوجها إياه، فعرض على عنترة ذلك، والذي وافق وتزوجها، ولكن تركها لأنها لم تقبل أن تعود معه إلى بلاده.
نشأة عنتر بن شداد
بالرغم من قصة الحب المذهلة لعنترة بن شداد وعشقه لعبلة إلا أنه هناك من يقول أنه لم يتزوج بعبلة أبدًا، وقد أصبحت قصتهما كأسطورة العشق التي خلدها التاريخ وتناقلها الناس، وقد يكون سبب ذلك شهرة الفارس العربي وشعبية القصة وتداولها بين العرب من جيل لآخر.
فبالرغم من هذه الشعبية الواسعة والملحمة التي تصور الحب والفروسية بتفاصيلها الكثيرة والمتشعبة، إلا أن المصادر قديمة جدًا ويشك البعض في صحة كل تلك التفاصيل. لكن لايختلف اثنين على الخط العام للقصة وأحداثها المذكورة في الشعر كدليل دامغ على حب عنترة وأخلاقه وألمه.
نشأ فارسنا عنترة من أب عربي أصيل هو عمرو بن شداد، الذي كان سيد من أسياد قبيلته، لكن كان لأمٍ أجنبية تسمى زبيبة وهو أمة سوداء حبشية، وقد سباها أبوه في إحدى غزواته. أخذ عنترة سواد لونه من والدته، ورفض الأب الاعتراف بابنه، فكان مكانه بين العبيد في تلك القبيلة.
وذلك تبعًا لأحكام المجتمع الجاهلي التي تقصي أبناء الإماء عن النسل الذهبي للعرب والذي كان العرب أنفسهم يحرصون على أن نقائها يحتم على العربي جمع الشرف منأطرافه من والده ووالدته، إلا في حالات نادرة وذلك عندما يثبت ذلك الابن مشوب النسب امتياز واستثناء كالنجابة والشجاعة وغيرهما فيلحقه العرب بنسب أبيه وشرفه دون تردد.
ولما حانت هذه الفرصة الذهبية لعنترة عند إغارة على عبس قاتل بشراسة وأبدى شجاعة منقطعة النظير، فانتزع اعتراف والده بجدارة، وتغنى بإقدامه وقوة ساعده ومروءة خصاله بشعره فقال:
خلقت من الحديد أشدّ قلبًا وقد بَلي الحديدُ وما بليتُ
وفي الحرب العوان ولدتُ طفلًا ومن لبن المعامع قد سقيتُ
وإنّي قد شربت دم العادي بأقحاف الرؤوس وما رويت
أما عن عبلة فهي ابنة عمه مالك التي لطالما أحبها، فتقدم لخطبتها لكن وقف لونه ونسبه عائقًا أمام الموافقة، حيث رفض عمه أن يزوج ابنته لرجل يحمل دمًا ونسبًا غير عربي، ولم يرضى كبرياؤه أن يزوجها لعبد أسود حتى لو شهدت له العرب بفروسيته وشجاعته.
ولكي يجعل من طلبه إعجازًا فقد طلب مهرًا لابنته وقدره ألف ناقة بالتحديد من نوق الملك النعمان، فخرج عنترة ينشد النوق ليقدمها لابنة عمه، وفي سبيل ذلك لاقى عنترة الأهوال الجسام وحتى أنه وقع في الأسر وكي يتحرر أقدم على البطولات الخارقة ليعود حرًا، وظفر بالألف ناقة ليعود للقبيلة بنوق الملك النعمان، لكن استمر والد عبلة بالمماطلة وعرض ابنته على فرسان القبائل مقابل الظفر برأس عنترة نفسه.
واختلفت المصادر على نهاية تلك الملحمة فمنهم من أكد زواج عنترة بعبلة لكن لا وجود لأي دليل على ذلك، وأغلب الظن وبحسب ما ورد في الشعر فإن عنترة لم يظفر بابنة عمه ولم يتزوجها، بل قضى حياته كالراهب الذي يتعبد في محراب عشق عبلة، فيسرد الشعر ويحكي عن بطولاته وعشقه.
وما يؤكد ذلك ذكره في شعره أنها تزوجت من فارس أبيض اللون وضخم البنبية فقد قال في إحدى قصائده الموثوقة على لسان الأصمعي:
إما تريني قد نحلت ومن يكن غرضًا لأطراف الأٍنة ينحل
فلرب أبلج مثل بعلك بادن ضخم على ظهر الجواد مهبل
غادرته متعفرًا أوصاله والقوم بين مجرح ومجدل
عاش عنترة بعد ذلك عمرًا مديدًا يحن لأيام مجده ويذكر حبه الضائع ويشكو ظلم أهله وقبيلته وأحكام تلك الحياة.