الإلياذة و الأوديسة
تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك
بعد مرور أكثر من ثلاثة آلاف عامٍ على تأليفهما بقيت ملحمتا الإلياذة و الأوديسة من أكثر الملاحم قراءةً بشكلٍ واسعٍ حول العالم بالرغم من عدم معرفة هوية مؤلفهما بشكلٍ مؤكدٍ، إلا أنه كان شاعرًا يونانيًّا عاش في أواخر القرن الثامن وبداية القرن السابع قبل الميلاد، لذلك تنسب إلى شاعرٍ يدعى هوميروس وتحت اسمه نشرت هذه الأعمال.
هوميروس
يعد هوميروس لغزًا فيما يتعلق بالحقائق المؤكدة عن حياته بسبب ندرة المعلومات الحقيقية عنه، وتشير التوقعات عن تاريخ ميلاده إلى أنه كان بين 750 قبل الميلاد إلى 1200 قبل الميلاد بسبب احتواء الإلياذة على قصة حرب طروادة، لكن بعض العلماء الآخرين يعتقدون أن الأسلوب الشعري لعمله يشير إلى فترةٍ بعد ذلك.
يعتقد بعض العلماء أنه رجلٌ واحدٌ فيما يعتقد آخرون أن هذه القصص تم تأليفها من قبل مجموعةٍ من الكتاب، حيث قام هوميروس بتجميع القصص التي كان يسمعها شفهيًّا من الناس ثم قام بنشرها باسمه.
الإلياذة
واحدةٌ من أقدم الأعمال الأدبية عبر التاريخ إلى جانب ملحمة جلجامش. بالإضافة لأهميتها التاريخية الكبيرة فقد كان الإسكندر الأكبر لا ينام إلا وهو يقرؤها كل ليلة، ويظن الكثير من الناس أنهم يعرفون كل ما تحتويه الإلياذة لاعتقادهم أن الإلياذة تروي كيف اختطف باريس (نجل الملك برايم) هيلين ونقلها إلى مدينة طروادة، ثم يتمكن اليونانيون من التخفي ضمن حصانٍ خشبيٍّ للدخول إلى طروادة لحرق المدينة واحتلالها، وفي النهاية يُقتل أخيل على يد باريس، لكن هذا ليس كل شيءٍ حول الإلياذة فأحداث الإلياذة تدور حول العديد من المواضيع كالانتقام والمغفرة وأهوال الحرب.
كان الانتقام هو الأهم عند أخيل لتعهده بالانتقام لمقتل باتروكليس الذي كان صديقه المفضل وشقيقه في السلاح، فتبدأ أحداث الانتقام في الإلياذة عندما يتخلى أخيل عن القتال لكي ينتقم من أجاممنون لاختطافه برييسوس، ويبقى يحارب حتى ينتقم ويقتل هيكتور قاتل باتروكليس. دوّن هوميروس ذلك في كتابه قائلًا "مثلما كلفه هيكتور، قاد أخيل المجيد رمحه، وكان التصويب واضحًا عبر رقبته الناعمة"، بعد أن ثأر أخيل لباتروكليس قام بجر جثة هيكتور بواسطة عربةٍ بالإضافة لتقديم التضحيات للآلهة، لكن كل ذلك لم يخفف من ألمه ولم يجلب له السلام.
بعد الانتقام تأتي المغفرة حيث روى القسم الأخير من الإلياذة كيف ذهب الملك برايم في الليل من طروادة إلى كوخ أخيل، وبدأ بالصراخ للحصول على جثة ابنه ليقوم بدفنها قائلًا "أشفق عليّ وتذكر والدك؛ رغم ذلك فأنا أكثر استحقاقًا لشفقتك لأنني استحملت ما لم يفعله أي إنسانٍ آخر على الأرض: أقبل يد الرجل الذي قتل ولدي"، ليقبل بعد ذلك أخيل منحه السلام لاثني عشر يومًا حتى يتمكن من دفن ولده، الأمر الذي وجد فيه أخيل السلام الذي كان يبحث عنه أخيرًا.
آخر شيءٍ احتوته الإلياذة هي أهوال الحرب وما خلفته من مصائبَ حيث يمكن اعتبار الإلياذة أول ملحمة مناهضة للحرب في التاريخ بسبب الطريقة التي صورت فيها الحرب، إذ احتوت على الكثير من الفقرات التي أخبر من خلالها هوميروس القارئ عن الأهوال والمآسي التي خلفتها الحرب، أحد الأمثلة عن ذلك توسل تروس أخيل لإنقاذ حياته وأخذه سجين لكنه يقتله "تروس، نجل ألستر، جاء جاثيًّا على ركبتيه أملًا أن يأسره أخيل ويسمح له بالرحيل ليجنبه الموت ... ضربه بسيفه في الكبد".
في النهاية يمكننا القول إن الإلياذة هي قصة رجلٍ محاربٍ يدفعه الغضب إلى الانتقام والثأر ليجد السلام عندما يتعلم المغفرة.
الأوديسة
هي ثاني قصيدة ملحمية منسوبة إلى الشاعر اليوناني هوميروس كتبها في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد على الأغلب، وهي تكملةٌ للإلياذة حيث تروي الأوديسة قصة رحلة المحارب اليوناني أوديسيوس (أو أوليسيس كما كان يعرف في الأساطير الرومانية) التي امتدت لعشرة أعوام، من أجل عودته إلى مملكته إيثاكا بعد انتهاء حرب طروادة التي اعتُقد أنه مات فيها (بعد أن كان قد خرج من منزله منذ عشرين عام للقتال مع الإغريق في حرب طروادة) ومعاناة ابنه تليماتشوس وزوجته بينلوب خلال هذه الفترة من مجموعةٍ من الخاطفين الذين يحاولون إقناع بينلوب بأن زوجها قد مات وأن عليها أن تتزوج أحدهم.
هذا الأمر دفع ابنه تليماتشوس للبحث عن أبيه فقام بزيارة مجموعةٍ من أصدقاء والده الذين عادوا إلى المملكة منذ وقتٍ طويلٍ مثل نيستور ومينيلوس وهيلين ليقوموا باستقباله بكل حفاوةٍ، ورووا له كيف كانت نهاية حرب طروادة ليخبره مينيلوس بأنه قد علِمِ بأن والده محتجزٌ من قبل الحورية كاليبسو في جزيرتها.
بالفعل قامت بسجنه لسبع سنواتٍ قبل أن يقوم هرمس وزيوس بإقناعها بإطلاق سراحه ليعود إلى وطنه، لكنه يتفاجأ بأن قاربه حطمه عدوه بوسيدون ليقرر الوصول سباحةً إلى جزيرته، لتجده ناوسيكا وخادماتها وتأخذه ليروي قصته إلى الملك ألكينوس وزوجته الملكة آريث اللذين رحبا به وروى لهم قصة رحلته إلى طروادة، وكيف جنحت قواربه الاثني عشر بسبب العواصف ليصل إلى جزيرة لوتوفاجي التي قدم سكانها له ولبحارته زهرة لوتس تعمل على جعل الذي يأكلها يفقد ذاكرته ويتذكر فقط بأنه من أهل هذه الجزيرة، الأمر الذي جعل بعض رجاله يريدون البقاء في الجزيرة لكن أوديسيوس منعهم من ذلك، ويكمل روايته ليروي لهم كيف قام العملاق بوليفميوس ابن بوسيدون الذي كان بعينٍ واحدةٍ بأسره مع رجاله، ليتمكنوا من الهرب بعد أن قاموا بفقأ عينه الأخرى بعصا خشبية ليصبح أعمى مما زاد غضبه عليه.
ليصلوا فيما بعد إلى جزيرة الساحرة سيرس التي سحرت نصف رجاله وحولتهم إلى خنازير، لكن أوديسيوس نجا من سحرها بسبب تحذير هرمس له وإعطائه عشبه خاصة جعلته مقاومًا لسحر سيرس، يكمل أوديسيوس قصته فبعد عامٍ من الاحتفالات والشراب في جزيرة سيرس انطلقوا مرةً أخرى ليصلوا إلى الطرف الغربي من العالم، حيث قام بتقديم التضحيات للموتى واستدعاء روح النبي القديم تيريسياس ليقدم له النصائح له بالإضافة إلى أرواح العديد من الرجال والنساء الآخرين المشهورين، ووالدته التي توفيت بسبب الحزن الشديد على غيابه الطويل.
وصلوا بعد ذلك إلى مضيق مسينا الذي تسكنه وحوش بعدة رؤوس تدعى سيلا، بالإضافة إلى دوامةٍ تدعى كاريدي حيث خسر بعض رجاله ليصلوا فيما بعد إلى صقلية التي كان يحتفظ فيها إله الشمس هيليوس بقطعان الماشية المقدسة التي كانت سيرس قد حذرتهم من اصطيادها، لكن رجاله قاموا باصطياد بعضها مما أثار غضب هيليوس الذي عاقبهم بتحطيم سفنهم، ليصل بعدها إلى شاطئ جزيرة كاليبسو التي قامت بأسره وأجبرته على حبها.
بالرغم من أن قصة عودة أوديسيوس والكشف عن هويته الحقيقية قتلت فعليًّا جيلين من رجال إيثاكا (البحارة الذين غرقت سفنهم والخاطفين الذين قام أوديسيوس بإعدامهم) إلا أن السلام عم أخيرًا فيها.
بعد أن استمع الملكين لقصة أوديسيوس باهتمامٍ شديدٍ قرروا مساعدته في العودة إلى مملكته، فقاموا بإيصاله في إحدى الليالي خفيةً إلى جزيرته إيثاكا، تنكر أوديسيوس كمتسولٍ متجولٍ في الجزيرة وبدأ برواية قصةٍ خياليةٍ عن نفسه وبدأ بجمع المعلومات من الخنازير المحلية عن كيف كانت تسير الأمور في منزله، ليلتقي مع ابنه فور عودته من أسبارطة واتفقا معًا على وجوب قتل الخاطفين من خلال مسابقةٍ للرماية، قامت أثينا بإعلانها بحيث يحصل الفائز بها على زوجته بينلوب، ليشارك أوديسيوس وهو متخفي بالمسابقة ويذبح جميع الخاطفين الآخرين ويعلن بعدها عن هويته الحقيقية لزوجته ووالده العجوز (ليرتيس).