الثرموستات وكيف يعمل
صيفًا وشتاءً، نهارًا وليلًا، تتغيّر درجات الحرارة باستمرار في كلّ بيئةٍ ينشط فيها الإنسان، وهو بحاجةٍ دائمًا إلى تكييف درجة الحرارة في الوسط المحيط به ليلائم متطلّبات العيش والعمل، ولعلّ هذا الأمر أقرب للسلوك الغريزي عند جنس البشر، وكذا هو الحال مع الآلات والأجهزة الميكانيكة على اختلاف أنواعها، إذ تتعاظم الحاجة للضبط متناهي الدقة لدرجة حرارة أوساط التفاعل والتشغيل، وعوضًا عن قيامنا بضبط كلّ تلك المتغيرات يدويًّا، وعلى مدار الساعة، نستعين بأداةٍ ذكيةٍ تسمّى الثرموستات (Thermostats)، تقوم ـ وفق آليات ميكانيكية منظّمة ـ بضبط درجة الحرارة للوسط التي تعمل فيه.
ما هو الثرموستات
لغويًّا؛ فإنّ الثرموستات (Thermostat)؛ هي اصطلاحٌ حديثٌ، يتألف من كلمتين من اللغة الإغريقية القديمة، وهما thermo ـ بمعنى الحرارة ـ وstatos التي تعني الوقوف، أو الركود، أو البقاء على الوضع الراهن، وعمومًا؛ يمكننا وصفه بالأداة التي تحافظ على درجة الحرارة كما هي، فعندما يكون جوّ المنزل باردًا أو حارًّا جدًّا، يتكفّل الثرموستات بتعديل درجة الحرارة للحدّ الملائم الذي يتمّ تعيينه مسبقًا.
ولتوضيح الفرق، وإجلاء الغموض، فإنّ مقياس الحرارة هو الأداة التي تقيس درجة الحرارة؛ في حين أنّ الثرموستات (منظّم الحرارة) هو أداةٌ تحاول على الدوام الحفاظ على درجة حرارةٍ معيّنةٍ للبيئة التي تعمل فيها.
آلية عمل الثرموستات
تتمدّد معظم المواد عندما ترتفع درجة حرارتها، وتتقلّص عندما تبرد (يُعَدّ الماء استثناءً ملحوظًا في بعض الأحيان؛ إذ إنّه يتمدّد عندما يسخن وكذلك عندما يتجمّد عند درجاتٍ معيّنةٍ أيضًا).
تستخدم منظمات الحرارة الميكانيكية تلك الخاصّية؛ والتي تسمى التمدد الحراري، وذلك لتبديل الدارة الكهربائية لنظام التدفئة للإغلاق أو الفتح، وتُعَدُّ منظّمات الشرائط ثنائية المعدن، ومنفاخ الغاز من الأنواع الأكثر شيوعًا.
الشرائط ثنائية المعدن (Bimetallic strips)
يحتوي الترموستات التقليدي على قطعتين من نوعين مختلفين من المعادن، مثبَّتتين معًا لتشكيل ما يسمى بالشريط ثنائي المعدن (bimetallic strip أو bimetal strip).
يعمل ذلك الشريط كجسرٍ في دارةٍ كهربائيةٍ متصلةٍ بنظام التدفئة؛ ففي الحالة العادية، وعندما يكون الجسر للأسفل، يمرّر الشريط الكهرباء خلال الدارة، وتكون التدفئة قيد التشغيل.
عندما يسخن الشريط، يتمدّد أحد المعدنين أكثر من الآخر إلى أن ينحني الشريط بأكمله بشكلٍ ملحوظٍ ودقيقٍ، وفي نهاية المطاف، ينحني لدرجة أنه يقطع الدارة تمامًا كما لو أنّ الجسر قد ارتفع، فتتوقّف عملية التدفئة.
بعد ذلك، وبينما تبرد الغرفة، يبرد الشريط أيضًا، وينحني رجوعًا إلى شكله الأصلي، وعاجلًا أم آجلًا، سيستقر مرةً أخرى ليتيح إغلاق الدارة، ويمرّر الكهرباء، وبالتالي ستعمل التدفئة مجدّدًا، ويمكنك تغيير درجة الحرارة التي يتم فيها تشغيل الدارة وإيقافها عن طريق ضبط قرص درجة الحرارة.
نظرًا لأن الأمر يستغرق بعض الوقت حتى يتمدّد الشريط المعدني ويتقلّص، فإنّ عملية التبديل بين تشغيل التدفئة وإيقافها لا تتمّ بشكلٍ فوريٍّ، وهو مأخذٌ سلبيٌّ بارزٌ على هذا النوع من الثرموستات وقد يبدو مزعجًا جدًّا للبعض، لذلك؛ واعتمادًا على كفاءة العزل في منزلك، وبرودة الجوّ في الخارج، فقد يستغرق الأمر ساعة أو أكثر ليقوم المنظم بالتبديل!
منفاخ الغاز (Gas-filled bellows)
تكمن المشكلة مع الشرائط ثنائية المعدن هي أنها تستغرق وقتًا طويلًا لتسخن أو تبرد، لذلك فهي لا تتفاعل بالسرعة المثالية مع تغيرات درجة الحرارة، ولذلك يتمّ اعتماد وسيلة أسرع في الاستجابة باستخدام زوج من الأقراص المعدنية، مع منفاخ مليء بالغاز فيما بينهما.
توفّر الأقراص مساحةً سطحيةً كبيرةً بحيث تتفاعل بسرعةٍ مع الحرارة، إذ تنطوي على تموّجات لجعلها أكثر فاعليةً وحساسية.
عندما تسخن الغرفة، يتمدّد الغاز الموجود في المنفاخ، فينفصل القرصان عن بعضهما، ويندفع القرص الداخلي تجاه مفتاح التبديل في وسط الترموستات، والذي يحول وضع الدائرة الكهربائية للإيقاف، أو القطع.
بينما تنخفض درجة الحرارة وتبرد الغرفة، ينكمش حجم الغاز في المنفاخ، ويعود القرصان للالتحام، فيتحرك القرص الداخلي بعيدًا عن مفتاح التبديل، مبدّلًا وضع الدائرة الكهربائية لتشغيل التدفئة مرة أخرى.
بالإمكان ملاحظة منظمات المنفاخ الغازيّ في أماكن أخرى كالسيارات قديمة الطراز، وفي بعض الأحيان يتم استخدام بعض أنواع السوائل ذات درجات الغليان المنخفضة عوضًا عن الغاز، مثل الكحول المخفف، وعمومًا؛ يعتمد الاختيار المثالي للمادة الكيميائية داخل الجهاز على مجال درجات الحرارة التي يجب التعامل معها، وذلك غالبًا تبعًا للبيئة.
ثرموستات الشمع (Wax thermostats)
إن جميع منظمات الحرارة الميكانيكية ـ غير الإلكترونية ـ تستخدم مواد يتغير حجمها أو شكلها مع تغيّر درجة الحرارة؛ إذ تعتمد ثرموستات شريط المعدنين على تمدّدهما عندما يسخنان، في حين يعمل منفاخ الغاز اعتمادًا على تمدّد حجم الغازات.
من جانبٍ آخر؛ تستخدم أنواعٌ أخرى من الثرموستات خاصيّة تغيّر الحالة الفيزيائيّة للمادة من السائل إلى الغاز، ولعلّ منظّمات الحرارة الشمعيّة هي المثال الأكثر شيوعًا، ومن الوارد جدًّا رؤيتها مع أنظمة التدفئة المركزيّة، ومحرّكات السيارات، وبعض أنواع خلّاطات الحمّامات.
تحتوي تلك المنظّمات على قليلٍ من الشمع داخل حجرةٍ مغلقةٍ، ومع تغير درجة الحرارة، يذوب الشمع (يتغير الحالة من الصلبة إلى السائلة) ويتمدّد بشكلٍ كبيرٍ، ويدفع قضيبًا صغيرًا خارج الحجرة يقوم بدوره بتبديل وضعي التشغيل، وإيقاف تشغيل (مثل تشغيل نظام تبريد المحرك في السيارة، أو تنظيم مزيج مناسب للجسم من الماء البارد والساخن في الحمام).
من الجدير بالذكر أنّ ثرموستات الشمع تبدو أكثر موثوقية، وأطول أمدًا من غيرها، خصوصًا في الظروف القاسية داخل محرك السيارة مثلًا.
صمامات أنظمة التدفئة (Thermostatic radiator valves)
تُستخدم صمامات درجة الحرارة مع أنظمة التدفئة المركزية، وعادةً ما تكون من نوع المنظمات الشمعية، فعندما ترتفع حرارة المشعات (Radiators) إلى المستوى المضبوط مسبقًا، فإن صمامات الشمع تتمدّد، وتقلّل من تدفق الماء خلال نظام التدفئة إلى أن تنخفض درجة الحرارة.
إلى جانب ثرموستات الغرف، فإن مثل هذه الصمامات يمكن أن تحد من الارتفاع الزائد لدرجة حرارة المنازل، وهي خير وسيلة لتوفير الطاقة والمال، إلى جانب المساهمة في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.