الفلسفة الرواقية
إذا كنت شخصًا هادئًا ومتحكمًا بمشاعرك، لا تُظهِر ما تشعر به بالبكاء والضحك والصراخ، ولا تهتز كثيرًا بحوادث الحياة وتتماشى مع كل شيءٍ؛ فأنت تجسد الفلسفة الرواقية ، وهي منهجٌ فلسفيٌّ قديمٌ، أنشأه زينون الرواقي في عام 300 قبل الميلاد.
ازدهرت الفلسفة الرواقية لنحو 400 عامٍ في اليونان القديمة وروما، فقد كانت إحدى أهم المدارس الفلسفية في ذلك العصر، حيث كانت ملجأً للناس إذا ما عاكستهم رياح الحياة، أو تعرضوا للإهانة سواءً في العمل أو في المجتمع. من بين جميع الفلسفات، تبقى الرُّواقية هي الأكثر صلةً ومفيدة على الفور لأوقاتنا المضطربة والمزعجة، فقد كانت بمثابة دليلٍ لمواجهة القلق والألم.
الفلسفة الرواقية ليست مجرد مجموعة من المعتقدات أو ادعاءات أخلاقية، وإنما هي أسلوب حياةٍ، تنطوي على ممارسةٍ مستمرةٍ وتدريبٍ، وتتضمن: ممارسة المنطق، والحوار السقراطي، والحوار الذاتي، والتأمل في الموت، ونوع من التأمل يهدف إلى تدريب الشخص على الاهتمام بالبقاء في الوقت الحاضر.
هدف الفلسفة الرواقية
تسعى الفلسفة الرواقية لإحكام العقل على العاطفة، والتحرر من المشاعر وتأثيرها على حياتنا وقرارتنا؛ أي أن الرُّواقية تُعلِّم اللامبالاة وردة الفعل الباردة السلبية لأي حدثٍ خارجيٍّ مهما كان حجمه، ورباطة الجأش في مواجهة مشاكل الحياة العديدة.
كما أن التعاليم الفلسفية الرواقية تؤكد على الجانب الأخلاقي من الفرد، من خلال ممارسة الفضائل الأساسية الأربعة (المستمدة من تعاليم أفلاطون): الحكمة، والشجاعة، والعدالة، والاعتدال. وتتشابه أيضًا التعاليم الرُّواقية مع التعاليم الأخلاقية البوذية، التي تستند إلى الحقائق النبيلة الأربع:
- حقيقة المعاناة.
- أصل المعاناة في العاطفة والرغبة.
- السعادة هي التحرر من العواطف.
- ضبط النفس الأخلاقي والانضباط الذاتي هو الوسيلة التي يصبح بها الفرد متحررًا من المعاناة.
وبالنتيجة فإن التعاسة والمعاناة هما نتيجة للجهل وعدم التحكم بعواطفنا، إذًا يمكننا تجنب وجوه المعاناة العديدة من خلال اتّباع هذه التعاليم الفلسفية والتمرن عليها، يقول المثل الأعلى الرُّواقي: "عش وفقًا للطبيعة"، إن العيش وفق الطبيعة والعقل هو مع النظام الكوني، والاعتراف بالسبب المشترك والقيمة الأساسية لجميع الناس، وبالتالي فقد عززت المساواة، وأنكرت أهمية الاختلافات الخارجية مثل المرتبة والثروة في العلاقات الاجتماعية. وهكذا تُخرِّج هذه الفلسفة مفكرًا غير متحيزٍ ومنضبط ذاتيًّا.
تاريخ الفلسفة الرواقية
تعود الفلسفة الرواقية إلى الحضارة اليونانية، ففي عام 301 قبل الميلاد أسسها التاجر الفينيقي زينون الرواقي، وكان يُطلق عليها الفلسفة الزينونية -أصبحت فيما بعد معروفةً بالرُّواقية- لأن زينون وأتباعه كانوا يلتقون في رواق بوكيلي لمناقشة الأمور الحياتية المختلفة، في الخارج أمام الجمهور، بحيث يمكن لأي شخصٍ الاستماع إلى النقاش، ويمكننا القول أنها كانت "فلسفة الشارع" للناس العاديين، وليس الأرستقراطيين.
منذ نشأتها وحتى ما يقارب من خمسة قرونٍ، كانت الرُّواقية واحدةً من أكثر مدارس الفلسفة نفوذًا واحترامًا، وكانت واحدةً من التخصصات المدنية الأكثر شعبيةً في الغرب، والتي تُنتَهج من قبل الأغنياء، والفقراء، والضعفاء، والأقوياء، ولكن على مر القرون - ما يقارب من ألفي سنة- تلاشت المعرفة الأساسية ذات مرةٍ عن الأنظار وكادت أن تُنسى.
إلا أنه وفي 1970 عادت شعبية الرواقية مرةً أخرى، ويرجع ذلك أساسًا إلى كونها شكلت الإلهام الفلسفي للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)؛ وبسبب مؤلفين مثل ويليام إيرفين وريان هوليداي اللذين كتبا عن الفلسفة.
على الرغم من ندرة المصادر لدراسة الفلسفة الرواقية ، إلا أنه نجا عدة وثائقَ قديمةٍ من المعلمين والممارسين لهذه الفلسفة، أهمهم:
- ماركوس أوريليوس: هو من آخر أفضل 5 أباطرة في الإمبراطورية الرومانية، وكان يُدعى بأقوى رجلٍ على وجه الأرض، جُمعت يومياته وتأملاته الخاصة ضمن كتابٍ أصبح مرجعًا في الفلسفة الرواقية.
- إبيكتيتوس: فيلسوفٌ رواقيٌّ رومانيٌّ، كان له مدرسته الفلسفية الخاصة، فقد تتلمذ على يده العديد من الشخصيات البارزة، مثل ماركوس أوريليوس، وسُجلت ملاحظاته وأفكاره ضمن كُتيب يضم أفكارًا عن الفلسفية الرواقية.
- سينيكا: كان المدرس والمستشار الخاص للإمبراطور الروماني نيرون، ومن أفضل كاتبي المسرح في ذاك الوقت، شكلت العديد من رسائله (التي وصل القليل منها إلينا) الشخصية آنذاك، مصدرًا كبيرًا للفلسفة الرُّواقية.
ما هي سلبيات الفلسفة الرواقية؟
إن انتهاج المبدأ الرُّواقي يعتبر جيدًا إن كنت تمر بوقتٍ سيءٍ أو بأزمةٍ معينةٍ، أو تعاني من تضارب الأفكار، وذلك لكون الفلسفة الرواقية تزيد من صلابة فكرك وقوة ذهنك، ولكن في حياتنا العملية قد لا يكون الفكر الرُّواقي هو الفكر المنشود .
تكمن المشكلة في هذه الفلسفة كونها تعتمد على التركيز لنتحكم بأفكارنا وأعمالنا، وفي هذا العالم الفوضوي الديناميكي، قد لا نجد هذه التركيز المطلوب، وناحية رئيسية أخرى من هذه الفلسفة، هي تحكيم العقل على العاطفة، قد تستفاد من هذه الفلسفة إن كنت تعيش لوحدك، ولكن ضمن هذه المجتمع المليء بالمعارف قد يصبح الموضوع أصعب.