المسلات الفرعونية
لطالما أبهرتنا الحضارةُ الفرعونية بآثارها وبألغازها المستترة وهندستها المعمارية الدقيقة، ومن أحد أهم آثار هندستها هي المسلات الفرعونية، فما هي هذه المسلات؟ ولماذا أطلق عليها هذا الاسم وأين تتواجد؟ في مقالنا هذا سنستعرض أبرز التفاصيل المتعلقة بهذه الآثار الفريدة.
تعريف المسلات الفرعونية
هي احدى إنجازات الهندسة الفرعونية العريقة، تم بناؤها على يد أول أسرة حاكمة في مصر القديمة، ما بين عامي (2613_3150ق م) هادفين بذلك إلى تخليد ذكرى انتصاراتهم في المعارك، أطلق عليها العرب اسم "مسلة" لشبهها بإبرة الخياطة الطويلة السميكة، كما ذُكر أنّ المصريين القدماء كانوا قد أطلقوا عليها اسم "تخن"، أما اليونانيين فشاع تسمية أوبيليسك "obelisk"، وشاع الاسم نيدل "Needle" لدى البريطانيين.
يتألف شكل المسلة الفرعونية من قاعدةٍ مربعةٍ يمتد منها إلى الأعلى عمود رباعي الشكل يضيق كلما ارتفع العامود شيئًا فشيئًا ليأخذ شكلًا مدببًا في القمة مشكلًا هرمًا صغيرًا، تزين النقوش والرسومات والكتابات جدرانها الأربعة لتقص على البشرية حياة الملك صاحب المسلة.
اعتمد الفراعنة في صناعتهم للمسلات على الجرانيت الأحمر الصلب، وبلغت أطول مسلة صنعها الفراعنة في مدينة أسوان المصرية -والتي تُعتبر أطول المسلات الفرعونية في العالم- ما يُقارب الـ39 مترًا، كما أنّ وزنها يبلغ 1200 طن..
سر المسلّات الفرعونية
عُرفت الحضارة الفرعونية بغموضها وكثرة ألغازها، فكل حجرٍ من أحجارها يحمل ملايين القصص والخفايا، فهل تحمل المسلات أيضًا بعض الخفايا؟
بعد كثرة الدراسات والأبحاث بخصوص المسلات، اكتشف العلماء وجود ترابطٍ بين المسلات والشمس، وذلك بملاحظتهم بدخول أشعة الشمس من قمة المسلة الهرمية، والتي تكون في أغلب الأحيان مطلية بمزيجٍ معدنيٍّ ثمينٍ كالفضةِ والذهب.
كما لاحظوا في أيام الانقلاب الصيفي تعامد أشعة الشمس الداخلة من قمة المسلة لتظهر المسلات الفرعونية كشموعٍ حجريةٍ براقة، بهذه الملاحظات توصل العلماء الى أن المسلات متعلقةٌ بعبادة الشمس لدى الفراعنة القدماء، وبناؤهم للقمة الهرمية المدببة كان مجرد تخليدٍ لذكرى عبادتهم للشمس..
المسلات الفرعونية حول العالم
- لاتيرانيسي :هي أطول مسلة في روما والتي تبلغ "32.18م" كما أن قاعدتها تزن "230طن" والتي تعتبر أيضًا الأكبر في روما، هذه المسلة تابعةٌ للفراعنة "تحتمس الثالث والرابع"، تم نقلها بواسطة قنسطانطيوس الثاني عام 357م من معبد آمون في الكرنك إلى ساحة مكسيموس بهدف تزيين الساحة، وبعد فترةٍ وجيزةٍ تم التلاعب بها وقسمها إلى ثلاثة قطعٍ منفصلة إلى أن جمعها البابا سيكستوس الخامس عام1587م من جديدٍ، ولكن بطولٍ أقصر ب4 أمتارٍ تقريبًا، ونقلها فيما بعد إلى ساحة سان جيوفاني في لاتيرانو لتبقى حتى الآن في مكانها.
- فلامينيو: هذه المسلة التابعة للفرعون رمسيس الثاني والتي يبلغ طولها 24م، تم نقلها سنة 10 قبل الميلاد بواسطة أغسطس قيصر من هليوبليس (مدينة الشمس بمصر) إلى روما، والمتواجدة حاليًّا في ساحة بوبولو.
- الفاتيكان: هذه المسلة أخذها الإمبراطور كاليجولا عام 37م من عاصمة دولة مصر السفلى "هليوبليس" إلى روما، حيث يبلغ طول هذه المسلة 25.5م، وموقعها الحالي هو ساحة القديس بطرس.
- سولاري: مسلة الفرعون بسامتيك الأول والتي يبلغ طولها21م نقلت هذه المسلة من "هيليوبليس" إلى روما سنة 10 قبل الميلاد، ومكانها الحالي ساحة مونتيتشيوريو.
- ماتشوتيو: وهي إحدى المسلات الفرعونية التابعة لرمسيس الثاني، يبلغ طولها 6م تقريبًا، تم نقلها من معبد الإله "رع" إلى ساحة روتوندا.
- دوجالي: وهي إحدى مسلات الفرعون رمسيس الثاني أيضًا، توجد حاليًّا في حمامات ديكولتيان .
- ماتيانو: هذه المسلة فريدةٌ من نوعها وذلك بسبب قصرها، حيث يبلغ طولها 2.68م تقريبًا، وهي إحدى مسلات رمسيس الثاني أيضًا، وتتواجد حاليًّا في فيلا كليمونتانا في روما.
لم يكتفِ الرومان بنقل بعض المسلات الفرعونية إليهم بل قاموا بنسخ العديد منها ووضعها في الساحات ومنازل الأثرياء، ومن هذه المسلات أجوناليس في ساحة نافونه ومسلة اسكويليني، كما أنّهم نقلوا العديد من المسلات أيضًا إلى إيطاليا.
وَزعت الحكومة المصرية زوجًا من المسلات في أواخر القرن التاسع عشر، أما الأولى فذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مسلة كليوبترا الأولى في حديقة نيوبارك في نيويورك المصنوعة من الحجر الجرانيتي والتي يبلغ وزنها 244 طن، حيث أنّ هذه المسلة تحمل نقوشًا للفرعون تحتموس الثالث وبعض الرموز المتعلقة بالفرعون رمسيس الثالث، تم إهداء هذه المسلة عام 1869م من قبل الخديوي إسماعيل للولايات المتحدة لتعزيز العلاقات التجارية بين الدولتين.
أمّا المسلة الثانية ذَهبت إلى بريطانيا وهي مسلة كليوبترا الثانية والمتواجدة حاليًّا على ضفاف نهر التايمز في لندن، قُدمت هذه المسلة كهديةٍ أيضًا من الوالي محمد علي إلى بريطانيا تكريمًا لهزيمتهم لجيش نابليون بونابرت، تحمل المسلة نقوشًا لنفس الفراعنة في مسلة كليوبترا الأولى في نيويورك، وبالرغم من حمل اسم كليوبترا للمسلتين السابقتين لم تتعلق نقوش المسلات الفرعونية بها، ويذكر أن الرومانيين قد أطلقوا اسمها على هذه المسلات لكثرة نشاطها السياسي لديهم في ذلك الوقت..
كما أخذت فرنسا حصتها من المسلات، بوجود مسلة منسوبة أيضًا لكليوبترا في أكبر ساحة في باريس وهي ساحة الكونكورد، حيث يبلغ طولها 23م ويبلغ وزنها أكثر من 250طن، تم بناؤها خلال فترة حكم الفرعون رمسيس الثاني والتي كانت تتواجد أمام معبد الأقصر كزينةٍ له، وبعد 3300 سنة تقريبًا قدمها الوالي محمد علي كهديةٍ إلى فرنسا سنة 1825م.