تاريخ المانوية
قد لا يعلم الكثيرون بوجود ديانةٍ قديمة عبر التاريخ تُدعى بـ المانوية والتي تأخذ منحى بين المسيحية واليهودية على حدٍ سواء يتجلى من خلال معتقداتها وتعاليمها، حيث اعتبرها البعض مجرّد هرطقةٍ مسيحية لا ترتقي لاعتبارها ديانةً جديدة.
ما هي المانوية
هي حركة دينية ثنائية ظهرت خلال القرن الثالث الميلادي في بلاد فارس ويعود اسمها نسبة إلى مؤسسها ماني الملقب برسول النور أو المنير الأعلى، حيث اعتُبرت الحركة دينًا قائمًا بذاته بالرغم من اقترابها بعض الشيء من الدين المسيحي وذلك بسبب قوة المذهب المتبع ومتانة هيكلها والمؤسسات المنضوية ضمنها والمحافظة على استقلالية فريدة من نوعها.
مؤسس المانوية
يعود تأسيس الديانة المانوية إلى شخص يدعى ماني المولود في بلاد ما بين النهرين عام 216 ولذلك أُطلق عليها اسم المانوية وهذا ما تؤكده مختلف النصوص اليونانية والقبطية والفارسية والصينية نافية أن يكون شخصية خيالية، بل وأكدت كثير من المصادر أن ماني وُلد تحديدًا في إحدى مناطق الريف الواقعة شمال بابل في العام القمري 527 وفق التقويم السلوقي والموافق لعام 216 على التقويم الميلادي.
ماني هو الابن الوحيد لوالديه باتيتشيوس ومريم حيث كان أبوه يعبد الإله نابو لينتقل في فترة ولادة ماني إلى الإيمان بمعتقدات جماعة يهودية مسيحية تقدس طهارة اليدين، وعندما أصبح عمر ماني أربع سنوات أرسله والده للعيش بعيدًا عن والدته في مجتمع ذكوري خاص بتعاليم تلك الجماعة الدينية القائمة على احترام القوانين اليهودية باستثناء الطقوس الدموية واستبدالها بتطهير الماء.
بداية المانوية
ما إن أصبح ماني في عمر الحادية عشرة حتى تغيرت حياته كليًا لتبدأ أفكارٌ جديدة بالتبلور في عقله معارضًا كثيرًا من المعتقدات الدينية الموجودة في مجتمعه كالإنجيل الرباعي ورسائل بولس، وما إن أصبح في عمر الأربع وعشرين عامًا حتى زعم أنه قد نزل عليه وحيٌ لقّنه تعاليمًا إلهيةً شكلت أساسًا للديانة المانوية واعتبر نفسه الروح القدس والوسيط الذي بشّر به النبي يسوع وقدّم نفسه على أنه نبيٌ جديد خلال حفل تنصيب الملك الساساني شابور الأول معتبرًا أنه جزءٌ من سلسلة الأنبياء ووريث زرادشت في بلاد فارس وبوذا في الهند والصين ويسوع المسيح في الغرب، وأنه نبيٌ شاملٌ لكافة الناس وآخر الأنبياء.
انتشار المانوية
اعتبر ماني نفسه تلميذًا لليسوع بعد أن رفضت الكنيسة المسيحية ذلك اعتبرته شخصًا زنديقًا وديانته نوعٌ من الهرطقة، لكن بالرغم من ذلك حصلت الديانة المانوية على دعم عددٍ من الشخصيات السياسية عالية المستوى في الإمبراطورية الفارسية وبدأ ماني بإرسال رسائل تبشيرية وصلت إلى تركستان والهند وإيران لتنتشر المانَوية في مختلف أنحاء الأرض بسرعة كبيرة حتى وصلت إلى روما عام 280 لتظهر دُور العبادة المانوية فيها عام 312 ميلادي في عهد البابا ميلتيادس، بينما وصلت إلى مصر عام 244 وعرفها سكان جنوب فرنسا في عام 352 ميلادي أيضًا.
وفاة مؤسسها ومصير أتباعه
تعرض أتباع المانوية إلى اضطهاد أينما وجدوا حتى مؤسسها ماني نفسه لقي حتفه على يد المؤسسة الدينية الفارسية في السجن قبل أن ينفذ به حكم الإعدام الصادر عن الإمبراطور الفارسي بهرم الأول، لكن كانت لوفاة ماني عام 277 ميلادي أثرًا إيجابيًا في زيادة انتشار المانوية بشكل أكبر ليزيد من الاضطهاد والقمع لأتباعه على يد الإمبراطور بهرام الثاني، حيث قتل المبشر سيس ولاحق المانويين أينما وجدوا، ليتابع الحملة الإمبراطور دقلديانوس عام 302 عندما أصدر مرسومًا يأمر بإخضاع المانويين بالقوة، وارتُكبت مجازر بحقهم في مختلف البلاد على عهد ثيودوسيوس الأول الذي أمر بقتل كافة رجال الدين المانويين عام 382.
وجود المانوية في العالم
استمرت الديانة المانَوية في كثير من البلاد بالرغم من حملات التطهير والقتل التي تعرض لها أتباعها، فبقيت الديانة موجودة في بلاد ما بين النهرين وإفريقيا وإسبانيا وفرنسا وشمال إيطاليا وفي البلقان لمدة تقارب الألف عام، وفي بلاد فارس وشمال الهند والتيبيت.
اعتنق حاكم الأويغور بوغوغ خان المانوية في الفترة بين عامي 759-780 واعتمدها ديانة رسمية استمرت من بعده لمدة قرن كامل قبل انهيار الإمبراطورية الأويغورية، أما في الشرق فيقال أن المانوية قد وصلت إلى مدينة تشانغآن حتى أن الخليفة المأمون قد سمح يوجود المانوية خلال عهده، لكن مع استمرار الاضطهاد انهارت ركائز الديانة المانوية تدريجيًا وتراجع وجودها حتى انتهت آخر التجمعات المعتنقة لها في جنوب الصين خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
علاقتها مع الأديان الأخرى
ساهم ظهور الإسلام في الصين خلال القرن السابع عشر في التأثير على الديانة المانوية المنتشرة حديثًا في البلاد، حيث جعلها ذلك على تواصل مع أفكار وعقائد روحية جديدة كان لها أثرٌ على بعض أشكال الطقوس الدينية لدى الإسلام والمانوية على حد سواء؛ إضافة لتأثر كثير من التخيلات والأفكار التي أوجدها مذهبي الصوفية والشيعة في الإسلام بالأفكار المانوية كالتقارب الروحي من الله وما يعرف بتقمص الأرواح، كما كان للمانوية أثرًا كبيرًا على المفاهيم الموجودة في الديانات الشعبية الأخرى في الصين كالديانة الطاوية التي برز التأثر فيها من خلال أفكار تتعلق بالكون والكيمياء الفيزيولوجية, والديانة البوذية من خلال أفكار حول نقاء الأرض وصفائها وطبيعة بوذا.