رحلات ماركو بولو
إيطاليٌّ وُلد في كنفِ عائلة امتهنت التجارة وبرعت فيها في مدينة البندقية، فقد استقبلت العائلة طفلها “ماركو” في سنة 1254م في غياب والده؛ إذ انطلق آنذاك برفقة أخيه برحلةٍ طويلةٍ قبل ولادة ماركو، وما يثير الشفقة أنه قد عاش يتيم الأم في طفولته بالتزامنِ مع غيابِ والده؛ فأجبره ذلك على الترعرع في كنفِ أقاربه في القسطنطينية لمدةِ ست سنواتٍ في الفترة التي كانت تخضع فيها للسيطرة اللاتينية، ثم انتقل وشقيقه إلى مدينة سولدايا للعيش في منزله، وشاءت الأقدار أن ينطلق ماركو بولو في رحلةٍ شيقةٍ وطويلة الأمد مع والده مجددًا عند بلوغه سن 17 عامًا، ومن المعتقد أنه قطع أراضي آسيا برًا عبر طريق الحرير في ظلِ حكمِ الإمبراطورية المغولية وهيمنتها على المنطقة، في ظل رحلته قدّم كتابًا مفصلًا استعرض به كافة رحلاته تحت عنوان رحلات ماركو بولو الشهير.
قُبيل رحلات ماركو بولو
عاشت القسطنطينية حالةً من الاضطراب السياسي في سنة 1261م، نظرًا لدخول الجيوش البيزنطية إليها مجددًا والاستيلاء عليها، وتزامن ذلك مع الاضطرابات التي عانت منها الإمبراطورية المغولية في تلك الفترة، وقد شكل ذلك عائقًا أمام تسهيل عودة ماركو بولو وشقيقه إلى مسقط رأسهما؛ لذلك فقد اتخذا من الشرق وجهةً لهما لغاياتِ التجارة بالبضائع القيمة مثل التوابل، والأحجار الكريمة، والحرير، والفراء.
حطّت بهما الظروف في مدينة بخارى الأوزبكية، وقد دفعتهما التشجيعات المنغولية لزيارةِ حفيد جنكيز خان والمعروف باسم “كوبلاي خان”، المهيمن على أوسع حيزٍ من آسيا، وأجرى معهما استجوابًا بعد استدعائه لهما حول الأمور الأوروبية؛ وترتب على ذلك قرارًا في إرسالهما سنة 1269م كسفراء للنوايا الحسنة إلى البابا، وبعد عناءٍ طويلٍ عادا إلى البندقية أخيرًا، وبعدها بدأت رحلات ماركو بولو لعدةِ دولٍ.
رحلات ماركو بولو عبر طريق الحرير
بعد أن عاد ماركو بولو أدراجه إلى مسقطِ رأسه البندقية، قرر بعد مضي عامين، المضي قدمًا في رحلاتٍ هادفةٍ، وكان مخطط رحلات ماركو بولو على النحو الآتي:
.
الذهاب إلى عكا
اتجهت سفينة ماركو بولو ونيكولو ومافيو باتجاهِ فلسطين حيث مدينة عكا، وانطلقوا نحو مدينة القدس للحصول على الزيت المقدس الموجود في كنيسة القيامة، ثم عادوا أدراجهم نحو عكا لاستلام الوثائق البابوية والعديد من الهدايا القيمة، وبالرغم من تخلي الرهبان عن الحملة؛ إلا أن بولو ورفقائه لم يتراجعوا عن ذلك، بل تابعوا على متن الجمال نحو مدينة هرمز؛ فقد أُجبروا على ذلك بعد الفشل الذريع في العثور على قوارب تنقلهم، وقطعوا خلال هذه المرحلة طرقًا بريةً تعرف باسم طريق الحرير، مرَّ ذلك خلال ثلاث سنواتٍ متتالية قطعوا خلالها الممرات الجبلية والصحاري وجابهوا التضاريس الوعرة، وفي غضون ذلك اجتمعوا بفئاتٍ عديدةٍ متفاوتة الثقافات والأديان.
الوصول إلى هانغتشو الساحلية
في سنة 1275م حطت رحالُ بولو ورفاقه في قصر قوبلاي خان العظيم في ربوع شاندو، والذي يفصل بينه وبين القصر الشتوي نحو 200 ميلٍ نحو الجهة الشمالية الغربية، وكان قوبلاي في تلك الفترة قد دمج الأجانب وأدخلهم في تسيير أمور البلاد؛ وكان بولو واحدًا من الأشخاص المقربين في بلاط قوبلاي نظرًا لكونه جابيًّا للضرائب، وفتحت رحلات ماركو بولو له الطريق للمضي قدمًا نحو مدينة هانغتشو الساحلية المشيدة بنظامٍ يماثل البندقية.
الوصول إلى الصين
لم تقف رحلات باولو كولو عند هانغتشو الساحلية؛ بل استمرت لقطع المزيد من حدود الدول؛ إذ يزعم أن قدماه قد حطت على أرض الصين وميانمار أيضًا، حيث أشار في سرده لرحلاته بأنه قد أُعفي من الخدمة وانطلق بعد حصوله على الإذن نحو بلاد فارس سنة 1292، وكان أسطول القوارب مؤلفًا من 14 قاربًا نحو الصين، أُجبر على المكوث لفترةٍ في سومطرة، وبعد انقضاءِ 18 شهرًا، توجه نحو بلاد فارس.
التوجه نحو طرابزون
بعد أن وصل ماركو بولو إلى بلاد فارس برفقة الأميرة الشابة التي كان يحملها إلى زوجها الحاكم المغولي أرغون، بلغه أن الأخير قد توفي؛ مما أجبر الأميرة على الاقترانِ بابن أرغون قسرًا، وقد بقي بولو مع فريقه هناك لمدةِ 9 أشهرٍ، ثم مضى قدمًا نحو طرابزون التركية استعدادًا للعودةِ إلى البندقية، وخلال ذلك قطع أراضي القسطنطينية ونيغريبونت اليونانية (وابية اليوم)، وفي عام 1295م، كان قد وصل مسقط رأسه.
كتاب رحلات ماركو بولو
كتابٌ شيقٌ ألفه الكاتب الإيطالي الكبير روستيشيلو دا بيزا، وبالرغم من توجهه للكتابات الرومانسية؛ إلا أنه قد شغف في الكتابة عن رحلات ماركو بولو بعد أن سمع تفاصيلها منه في السجن في جنوة، وكان الكاتب قد مكث في براثنِ قضبان السجن فترةً من الزمن، على هامشِ الصراع المندلع بين بيزا وجمهورية جنوة في معركة ميلوريا سنة 1284م، أما بولو فقد سجن سنة 1298م بعد وقوع معركة كرزولا بين البندقية وجنوة، وقد بدأ الأخير بسرد تفاصيل رحلاته؛ ليطمح زميله لجعلها كتابًا معنونًا باسم رحلات ماركو بولو مصنفًا لأربعة أجزاءَ، وهي:
.
- الجزء الأول: رحلات بولو إلى الصين واصفًا فيه الأراضي في كلٍّ من آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
- الجزء الثاني: يتضمن تفاصل إقامته في بلاط قوبلاي خان في الصين.
- الجزء الثالث: يستعرض المؤلف تفاصيل رحلة زميله بولو إلى اليابان وسريلانكا والهند وجنوب شرق آسيا، وصولًا إلى السواحل الشرقية لأفريقيا.
- الجزء الرابع: يستكشف بها المؤلف ويستعرض تفاصيل رحلة ماركو إلى المناطق أقصى الشمال، وخاصةً روسيا.
نشر كتاب رحلات ماركو بولو
كاد أن يدخل ماركو بولو طي النسيان والاندثار لو لم يكن ذو حظٍ كبيرٍ، إذ حظي كتابه باهتمامٍ واسعٍ، على الرغم من أن الطباعة آنذاك لم تجتاح أوروبا سوى بعد 200 عامٍ تقريبًا، وكان هذا الكتاب مكتوبًا بخط اليد ضمن 120 مخطوطة معثور عليها. بدأت ترجمة كتب رحلات ماركو بولو إلى اللاتينية والألمانية والكاتولينية وغيرها الكثير من اللغات، وقد ارتسمت علامات الاستغراب على وجوه القراء كلما ظهر متكلّم جديد في نسخ روايات ماركو؛ إذ مرةً يكون النص بصيغة المتكلم وأخرى بصيغة ضمير، فإلى أي مدى قام المؤلفون بالتصرّف بالكتاب؟ اعتبر بعض القُراء الكتاب مجرد اختلاقٍ ليس أكثر.
.