ما المقصود بالأخدود المحيطي؟
الأخدود المحيطي أو ما يعرف بالخندق المحيطي هو عبارة عن منخفضات شديدة تقع في أعماق معينة من المحيطات، حيث تتحرك الصفائح التكتونية القديمة تحت صفائح أخرى لتكون البراكين أو الزلازل أو الجبال على اليابسة أو في أعماق البحار، وتشكل الأخاديد المحيطة الذي يصل عمقها لأكثر من 6000 متر حوالي 45% من عمق المحيطات في العالم. لكن تمثل النقاط الأكثر عمقًا فقط 1% من المساحة الإجمالية للأخاديد، في حين تشكل المنحدرات البحرية وحوائط الأخاديد المنحدرة أغلبية مساحة تلك المناطق.
وتتكون الأخاديد بواسطة عملية جيوفيزيائية تعرف باسم الاندساس، حيث تلتقي صفيحتان من الصفائح التكتونية أو أكثر، فتُدفع الصفيحة ذات الكثافة الأكبر تحت الصفيحة الأقل عمقًا حتى تصل للوشاح، مما يسبب انحناء القاع المحيطي لتتشكل منحدرات لها شكل حرف V. كما تعتبر هذه العملية مسؤولة عن الكثير من الزلازل القوية، بالإضافة لتوليدها تيارات صاعدة من القشرة الأرضية المنصهرة مشكلةً الجزر البركانية والتلال الموازية للأخدود.
خندق ماريانا أعمق أخدود في العالم
حيث يوجد الكثير من الأمثلة عن الأقواس البركانية في جزر ألوتيان، والأرخبيل الياباني، والعديد من المناطق الأخرى المتوزعة حول ما يسمى بحلقة النار في المحيط الهادئ، حيث يوجد خندق ماريانا الذي يعتبر أعمق أخدود في العالم بالقرب من جزيرة ماريانا، بطول 1580 ميلًا، وبعرض 43 ميلًا، وتقع فيه نقطة تشالنجر ديب أعمق نقطة في ذلك المحيط، حيث يصل عمقها لحوالي 35797 قدمًا أي ما يعادل 10911 مترًا.
ويقع بالقرب من جزر ماريانا حيث يبلغ طوله 2550 كيلومترًا ويبلغ عرضه 70 كيلو مترًا فقط، ويبلغ ارتفاعه حوالي 11.03 كيلومترًا، وهو أعمق جزء في المحيط، وتمتد الأخاديد المحيطية لمسافات طويلة وعميقة وضيقة جدًا، ورغم أن أغلبية هذه الأخاديد تتوضع في المحيط الهادئ، إلا أن هذا لا يلغي انتشارها في أجزاء مختلفة من العالم، حيث توجد بعض الأخاديد التي تجاوز عمقها في بعض نقاطها 33000 قدمًا أي ما يعادل 10000 مترًا كأخدود جزر كيرماديك، وأخدود التونجا في الفيليبين.
الحياة البحرية في الأخاديد المحيطية
ومن الجدير بالذكر أن العمق الحاد لتلك الأخاديد يزيد من ضغط الماء أكثر بعشرة أضعاف عن السطح، كما تكون درجة الحرارة قريبة جدًا من درجة التجمد، مما جعل الحياة صعبة جدًا في تلك المناطق، ولكن وجد الكثير من العلماء أن ذلك الضغط الشديد، بالإضافة لتراكم الغذاء على امتداد الأخاديد المحيطة والعزلة الجغرافية لتلك المناطق جعلت منها مسكنًا غنيًا بالغذاء لمجموعة حتى لو كانت قليلة من الكائنات الحية التي استطاعت تطوير ذاتها، وتأقلمت للعيش في تلك الظروف الصعبة.
حيث اكتشف هناك كائنات حية لها جزيئات حيوية، وبروتينات قادرة على مواجهة الضغط الهيدروستاتيكي الساحق، وكائنات أخرى استطاعت الحصول على الطاقة من المواد الكيميائية الناتجة عن البراكين الطينية، والتسربات الهيدروكربونية في أعماق البحر، بالإضافة لوجود أنواع أخرى استطاعت العيش على مواد عضوية منجرفة إلى محور الأخدود من سطح البحر.
وقد طورت العديد من الكائنات الحية التي تعيش في الأخاديد طرقًا مدهشة للبقاء على قيد الحياة في هذه البيئة الفريدة. وقد بينت بعض الاكتشافات الحديثة في منطقة هادال عن كائنات حية تحتوي على بروتينات وجزيئات حيوية مناسبة لمقاومة الضغط الشديد.
الأخاديد المحيطية والتقدم في المجال البيولوجي
كما قدمت الدراسات العلمية للأخاديد المحيطية رؤيةً جديدةً للطرق المتنوعة التي اتبعتها الكائنات الموجودة هناك للتأقلم مع البيئة المحيطة، مما ساهم في إحراز تقدم كبير في المجال البيولوجي والطب الحيوي، حيث وجدت بعض الميكروبات التي شكلت مصدرًا هامًا لعقاقير المضادات الحيوية، وأدوية السكري، ومضادات السرطان، بالإضافة لدخولها في مجالات أخرى كصناعة منظفات الغسيل المحسنة. كما اختبر العلماء الجينات المكونة لتلك الكائنات لتأريخ طريقة انتشار الحياة خلال الأنظمة البيئية لمناطق الأخاديد العميقة.
طريقة تكوُّن الأخاديد المحيطية
الأخدود المحيطي إذن هو عبارة عن منحدرات شديدة في أعماق المحيط تنتج عن دفع الصفائح التكتونية القديمة للصفائح التكتونية التي فوقها، وينتج عن هذا التدافع نشوء الجبال والبراكين وحدوث الزلازل في قاع البحر وعلى اليابسة.
تتشكل الأخاديد في المحيطات على عمق يتجاوز 6000 متر وتنشأ عن طريق عملية جيوفيزيائية تسمى الاندساس، حيث يتلاقى ما لا يقل عن صفيحتين تكتونيتين، وتُزاح الصفيحة الأقدم وذات الكثافة الأكبر تحت الصفيحة الأقل وزنًا إلى عمق الوشاح، مما يتسبب في ثني قاع البحر والغلاف الصخري، وتشكيل انخفاض حاد على شكل حرف V، وغالبًا ما تكون هذه الأخاديد موقعًا للزلازل الكبيرة.
ويولّد الاندساس أيضًا ارتفاعًا في القشرة المنصهرة التي تشكل ارتفاعات جبلية وجزر بركانية موازية للأخدود.
الرحلات الاستكشافية للأخاديد المحيطية
بسبب عمقها الشديد، تمثل الأخاديد تحديات لوجستية وهندسية فريدة للباحثين الذين يرغبون في دراستها. كانت الرحلات الاستكشافية للأخاديد حتى الآن محدودة للغاية (زار ثلاثة من البشر فقط قاع البحر على عمق 6000 متر) والكثير مما عرف عنها جاء من حملتين لأخذ العينات في الخمسينيات هما: (الحملة الدنماركية G Alathea والبعثات السوفيتية فيتجاز)، ومن بعض حملات التصوير الفوتوغرافي وعينات مأخوذة من قاع البحر عن بُعد من الأعماق. على الرغم من قلة الحملات الاستشكافية، إلا أن هذه المحاولات الأولية لدراسة الأخاديد قد كشفت وجود أنواع وأنظمة إيكولوجية لم تكن معروفة من قبل.
رغم أن المعلومات حول الأخاديد المحيطية محدودة جدًا بسبب عمقها وبعدها، لكن العلماء بيّنوا أن لها دورًا هامًا في حياتنا على الأرض.
يحدث أغلب النشاط الزلزالي في مناطق الاندساس في العالم، والتي قد تحمل آثار مدمرة على البيئات والمناطق الساحلية على الاقتصاد العالمي بشكل عام. وقد حدثت أغلب الزلازل في قاع البحر في مناطق الاندساس، وكانت سببًا رئيسيًا لحدوث زلزال توهوكو وتسونامي، وتسونامي آخر في المحيط الهندي.
بينت الدراسات الحديثة وجود كم هائل وغير متوقع من مادة الكربون المتراكمة في الأخاديد، وتؤدي هذه المناطق دورًا هامًا في الحفاظ على مناخ الأرض. يُعزل الكربون المتواجد في غلاف الأرض عن طريق التلاشي أو عن طريق استهلاك البكتيريا الموجودة في الأخاديد له.
يقدم هذا الاكتشاف العديد من الفرص التي تساعد في البحث حول دور الأخاديد كمصدر في دورة الكربون الكوكبية، والتي يمكن أن تؤثر على الآلية التي يتوصل بها العلماء إلى فهم وتوقع آثاره الناتجة عن تلويث الإنسان للجو وتغير المناخ العالمي في النهاية.
أعطت الطرق الحديثة لدراسة أعماق البحار عبر الغواصات أجهزة الاستشعار والكاميرات العلماء فرصة أكبر لفهم منهجية النظام البيئي للأخاديد على مدى فترات طويلة. سيوفر لنا هذا فهمًا أفضل للزلازل والعمليات الجيوفيزيائية، وفهم العلماء لدورة الكربون العالمية، وتوفير سبل جديدة للبحوث الطبية الحيوية، وربما المساهمة بأفكار جديدة في تطور الحياة على الأرض.