ما هو الاستبس وأين ينمو؟
الاستبس (Steppes) أو السهوب عبارة عن منطقةٍ سهليةٍ عشبيةٍ جافة. تتواجد أعشاب الاستبس في المناطق ذات المناخات المعتدلة، والتي تقع بين المناطق الاستوائية والمناطق القطبية. تتميز المناطق المعتدلة بتغيرات درجة الحرارة الموسمية الملحوظة، مع شتاءٍ باردٍ وصيفٍ دافئ. وتكون السهوب شبه قاحلةٍ، بمعنى آخر تسقط الأمطار في مناطق السهوب بمعدل 25 إلى 50 سم (10-20 بوصة) من الأمطار كل عام. هذه كميةٌ كافيةٌ من المطر لنمو الأعشاب القصيرة، ولكنها ليست كافيةً لنمو الأعشاب الطويلة أو الأشجار. تنمو العديد من أنواع الأعشاب على السهوب، لكن القليل منها ينمو أطول من نصف متر (20 بوصة).
فهي إذًا نباتات برية تشغل مساحات شاسعة تصل إلى 8000 كم من الأراضي ذات الأعشاب، فهي تشغل بأجزائها الاستوائية وحتى المدارية عددًا كبيرًا من المناطق، أي أن هذا المصطلح يمتد بين نباتات السافانا المدارية والصحاري الحارة، لها قطاعات مميزة ناجمة عن اختراق السلاسل الجبلية لهذه السهوب.
أين مناطق انتشار الاستبس؟
أكبر المراعي (السهوب) المعتدلة في العالم هي السهوب الأوراسية الممتدة من المجر (هنغاريا) إلى الصين. تصل إلى حوالي خمس المسافة حول الأرض. والسهوب الأوراسية معروفة جدًا وهي تقسم بسبب الطبيعة الجغرافية إلى منطقتين:
- الأولى: منطقة السهوب الغربية الممتدة من مصب نهر الدانوب حتى جبال ألتاي شرقًا بمسافةٍ تصل إلى 2500 ميلٍ ومن الشمال الى الجنوب بمسافة200-600 ميل وهي بالتالي تعد مساحات شاسعةً جدًا.
- الثانية: تمتد من جبال ألتاي الى سلسلة Khingan الكبرى وهي أعلى وأكثر برودةً وجفافًا من المنطقة الغربية.
كانت السهوب الأوراسية تاريخيًا أحد أهم الطرق للسفر والتجارة. توفر المسطحة طريقًا مثاليًا للتنقل بين آسيا وأوروبا. قد سافرت قوافل الخيول والحمير والجمال في السهوب الأوراسية لآلاف السنين. الطريق التجاري الأكثر شهرة على السهوب الأوراسية هو طريق الحرير، الذي يربط بين الصين والهند وأوروبا. تم إنشاء طريق الحرير حوالي 200 قبل الميلاد، ولا تزال العديد من طرق تجارة طريق الحرير قيد الاستخدام اليوم.
الفروسية في السهوب
خلال القرن الثالث عشر، غزا القائد المنغولي جنكيز خان السهوب الأوراسية تقريبًا بالكامل. غزا خان مستعينًا بجيشٍ من الفرسان الأكفّاء الأراضي الممتدة من منغوليا، عبر الصين وآسيا الوسطى والأراضي المحيطة ببحر قزوين.
إن ثقافة الفروسية (التي كانت مهمة للغاية لجنكيز خان) لا تزال مهمةً لمعظم الثقافات الأصلية في السهوب الأوراسية. من التقاليد المنغولية في الشرق إلى تقاليد القوقاز في غرب روسيا، اعتمدت هذه الثقافات على الخيول للسفر والتجارة والغزو على السهوب الشاسعة. حتى يومنا هذا، تعتبر رياضة ركوب الخيل الحدث الرئيسي في المهرجانات والأنشطة المجتمعية.
وجود السهوب لا يقتصر فقط على المناطق السابقة بل توجد أيضًا في البراري الجافة ذات الأعشاب القصيرة في سهول أمريكا الشمالية الكبرى. مناطق السهوب في تلك المناطق تمتد من ولاية تكساس الأمريكية في الجنوب إلى مقاطعة ساسكاتشوان، كندا، في الشمال. تم تحويل العديد من سهول العالم إلى أراضٍ زراعيةٍ ومراعٍ. توفر الأعشاب القصيرة التي تنمو بشكل طبيعي على السهول مراعٍ مثاليةٍ للأبقار والماعز والخيول والجمال والأغنام.
أهمية الاستبس في إطلاق المركبات الفضائية
تعد المساحة الواسعة والمفتوحة للسهوب الأوراسية مكانًا مثاليًا لبناء محطات إطلاق المركبات الفضائية (حيث تحتاج المركبة الفضائية إلى مساحةٍ كبيرةٍ للإقلاع والهبوط بأمان) بدأت روسيا في تشغيل قاعدة بايكونور الفضائية في سهوب كازاخستان في عام 1955. ولا تزال تطلق بنجاح المركبات الفضائية المأهولة وغير المأهولة اليوم من تلك المنطقة.
المناخ في أقاليم الاستبس
يكون المناخ مميزًا في الأقاليم التي تنتشر فيها نباتات الاستبس، فهو يكون شديد الحرارة في النصف الصيفي من السنة وبالغ البرودة في النصف الشتوي من العام، وبالتالي تتباين الفترات السنوية لنمو وذبول هذه النباتات، فهي تجف وتموت أو قد تبقى في حالة سكون أثناء الموسم الشتوي حيث تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من ست درجات مئوية، بينما تعود دورة حياتها لكي تتجدد خلال فصل الصيف حيث تهطل الأمطار القارية.
تقسم اليابسة بشكل عام إلى كل من البراري و مناطق الاستبس وذلك تبعًا لمعدل هطول الأمطار حيث أنه يؤثر بشكل رئيسي على كثافة الحشائش، تعتبر البراري المناطق ذات الأشجار والحشائش المرتفعة التي تتراوح فيها كمية الأمطار بين 80 و 100 سنتيمتر والتي هي مناطق وسط أمريكا الشمالية بشكل رئيسي، أما مناطق الاستبس فهي المناطق ذات الحشائش الفقيرة، والتي تنتشر في المناطق ذات معدلات هطول الأمطار 20 و 50 سنتيمتر، هي مناطق خالية من الأشجار بشكل تام، تضم أوراسيا ودول شرق أوروبا وغرب آسيا وجنوب روسيا كما دول البحر الأبيض المتوسط كإسبانيا وإيطاليا، تضم كل من إقليم الغابة النفضية في الغرب وإقليم الغابة الصنوبرية في الشمال، أما بالنسبة لكثافتها فهي تنخفض كلما اتجهنا شرقًا نظرًا لانخفاض مستويات الأمطار.
أهمية الاستبس والسهوب في تربية المواشي
كما نعلم أن معدل انتشار المواشي يتناسب طردًا مع غنى الأقاليم بالحشائش والنباتات، لذلك تكون المواشي فقيرة في أقاليم نباتات الاستبس ويقل ذلك كلما اتجهنا نجو الشرق. تعتبر الأبقار والأغنام والخيول من الحيوانات الرئيسية التي تُربى في هذه الأقاليم، تُرعى الأبقار في البراري الغنية، أما بالنسبة للأغنام فهي تستطيع الرعي في المناطق الفقيرة بالحشائش لذلك تعتبر أكثر الحيوانات المنتشرة في أقاليم الاستبس. من أشهر مراعي الأغنام حول العالم مراعي نيوزيلندا وأستراليا والأرجنتين وأمريكا الشمالية، تعود هذه الحيوانات بفائدة اقتصادية كبيرة حيث يتم التجارة بصوفها ولحومها.
إن الظروف القاسية لهذه الأقاليم كقلة الماء والمناخ الشتوي الجاف تجعل من الحياة البرية صعبة، لذلك نجد أن قسمًا من الحيوانات يغادر ويهاجر حيث تكون غير قادرة على التكيف في هذه البيئة بل تحتاج بيئات أكثر غنى، قسم آخر من الحيوانات يكون قادرًا على التكيف مع الظروف القاسية فيستقر فيها كالسناجب البرية والأرانب البرية والجربوع، بينما يدخل القسم الأخير من الحيوانات في حالة من السبات انتظارًا للفصول الأكثر دفئًا.
بقي أن نذكر انه عند زيادة المساحات المخصصة من السهوب للرعي فإن المساحات الخضراء المغطاة بالعشب القصير سوف تتناقص وما يزيد هذه المشكلة هو قلة الأمطار.