الصدأ .. تعريفه وكيف يتم التغلب عليه
ليس منظرًا غريبًا على أحد تلك القشور الحمراء المائلة للبنيّ المتشكّلة على السطوح المعدنية، والتي تُعرَف بالصدأ. الصدأ هو المصطلح الذي يطلق على عملية تآكل وأكسدة معدن الحديد وسبائكه، وهو الاسم الشائع لمركب أُكسيد الحديديك (الحديد الثلاثي) المميّه (Fe2O3) المعروف بأُكسيد الحديد، والناتج عن تفاعل الحديد مع الماء والأوكسجين.
حول مفهوم الصدأ
قبل البدء بالحديث عن تشكّل الصدأ وطرق منعه لا بدّ من توضيح نقطتين، وهما:
- بالرغم من أنّ اللون البني المحمّر هو الأكثر شيوعًا للصدأ، إلّا أنّه قد يتشكّل بألوانٍ أُخرى بما فيها الأصفر والبرتقالي والأخضر، وذلك يعود لاختلاف التراكيب الكيميائية للمعادن الصدئِة. ومع أنّ العملية الكيمائية التي تحدث وتشكل الصدأ هي الأكسدة، لكن لا يُستخدَم مصطلح الصدأ للدلالة عليها كلّها، وإنما يُستخدم فقط للدلالة على تأكسد الحديد وسبائكه، أما تأكسد الفضة يُسمى Tarnish أو "فقدان اللمعة"، وتأكسد النحاس يُدعى "زنجار".
- ينتج الصدأ عن تفاعلات الأكسدة لكن بالمقابل فليست كل أكاسيد الحديد عبارةً عن صدأ.
تشكّل الصدأ
تشكُّل الصدأ ناتجٌ عن عملية تآكل المعدن (Corrosion)، وهي عمليةٌ ٌكهروكيميائيةٌ ناتجة عن وجود فرق جهد كهربائي بين المناطق المختلفة للسطح المعدني، وتتطلب وجود قطبين هما: المصعد (الآنود) وهو قطعةٌ من المعدن تمنح الإلكترونات في تفاعل الأكسدة الحاصل، والمهبط (الكاثود) وهو قطعة المعدن التي تستقبل الإلكترونات. وبالإضافة إلى هذين القطبين فلا بدّ من توفر وسط يساعد على سريان وانتقال الإلكترونات، وهو الإلكتروليت أي السائل أو المحلول الكهربائي.
فما يحصل بشكلٍ عام عند تآكل قطعة معدنية هو أنّ الآنود يتفاعل مع الأوكسجين ويحرر الإلكترونات، ثم يقوم الإلكتروليت بتحريك هذه الإلكترونات المتحررة من الآنود باتجاه الكاثود، وينتج عن ذلك اختفاء وتحلل معدن الآنود بفعل التدفق الكهربائي، أو قد يتحوّل لكاتيونات موجبة مُشكّلًا في حالتنا هذه الصدأ.
يحتاج تشكل الصدأ لوجود ثلاثة عناصرَ وهي: الحديد والماء والأوكسجين، وغياب أيّ منها كافٍ لإبطال تشكّله. أما ما يحدث عند توافر هذه العناصر معًا هو أنّ الماء والذي يعتبر ناقلًا كهربائيًّا جيدًا يتفاعل مع ثاني أُكسيد الكربون الموجود بشكلٍ طبيعيٍّ في الهواء ليشكل حمض الكربون الضعيف، والذي يعتبر ناقلًا كهربائيًّا أفضل من الماء. ومع تشكل هذا الحمض وبدء تحلل الحديد، سوف تتفكك بعض من جزيئات الماء إلى مكوناتها الأساسية وهي الأوكسجين والهيدروجين، ثم تتفاعل ذرات الأوكسجين الحرة مع ذرات الحديد المنحلة لتشكيل أكسيد الحديد، ويرافق هذا التفاعل تحرر الإلكترونات من الآنود -وهي قطعة الحديد التي ستصدأ- إلى الكاثود والذي قد يكون قطعةً معدنيةً أخرى ذات جهدٍ كهربائيٍّ أقل من الحديد، أو قد يكون نقطةً أُخرى من قطعة الحديد ذاتها.
التفاعلات الكيمائية
سنقوم بتوضيح الفقرة السابقة بكتابة المعادلات المُعبِّرة عن التفاعلات الحاصلة، وسنبدأ بالتفاعل الحاصل عند التماس بين الماء الحاوي على الأوكسجين المُذاب مع الحديد الصلب (Fe(s والذي يؤدي لتأكسد الحديد كالتالي:
Fe(s) → Fe2+(aq) + 2e
ترتبط الإلكترونات الناتجة عن التفاعل السابق من جهةٍ مع الأوكسجين المنحل في الماء (O2(aq، ومن جهةٍ أخرى مع أيونات الهيدروجين الناتجة عن تفكك جزيء الماء، لتشكل جزيئات الماء مرّةً أُخرى كما في المعادلة التالية:
4e- + 4H+(aq) + O2(aq) → 2H2O(l)
ويصح القول أنه كلما زاد تركيز حمض الكربون في الماء كلما زادت عمليات الأكسدة، لكن الانخفاض الكبير في درجة pH (زيادة الحموضة) يجعل أيونات الهيدروحين تستهلك الإلكترونات مُشكّلةً غاز الهيدروجين بدلًا من الماء، وفق التفاعل التالي:
2H+(aq) + 2e- → H2(g)
هذه التفاعلات الحاصلة أعلاه تستنفذ أيونات الهيدروجين، بالتالي وبسبب ظهور أيونات الهيدروكسيد في الماء، وتأكسد الحديد ترتفع درجة pH. ثم تتفاعل أيونات الهيدروكسيد مع أيون الحديد الثنائي (الحديدوز) لتشكل هيدوكسيد الحديدوز أو ما يعرف الصدأ الأخضر، كما في التفاعل التالي:
Fe2+(aq) + 2OH-(aq) → Fe(OH)2(s)
كما تتفاعل أيونات الحديدوز مع الأوكسجين وأيونات الهيدروجين لتشكيل أيونات الحديد الثلاثي (الحديديك)، كالتالي:
4Fe2+(aq) + 4H+(aq) + O2(aq) → 4Fe3+(aq) + 2H2O(l)
والآن، تتفاعل أيونات الحديد الثلاثي مع أيونات الهيدروكسيد لتشكيل هيدروكسيد الحديد الثلاثي المُّميه، أو ما يدعى بـ هيدروكسيد الحديديك.
Fe3+(aq) + 3OH-(aq) → Fe(OH)3(s)
إنّ هيدروكسيد الحديديك Fe(OH)3 عبارةٌ عن صدأ متفكك ذو بنيةٍ مساميةٍ، ويمكن أن يتحول إلى أكسيد الحديديك Fe2(O)3 وهو الصدأ المألوف ذو اللون البني المحمر.
ملاحظة: توضيح معنى الرموز الواردة في المعادلات السابقة:
منع تشكُّل الصدأ
يسبب الصدأ الكثير من الأضرار والخسائر الاقتصادية، لكن لحسن الحظ يمكن منع تشكله باستخدام العديد من الطرق، ومنها:
- إضافة الطبقات العازلة: كما ذُكر أعلاه، فإنّ تشكّل الصدأ مرهونٌ بتوفر الرطوبة والأوكسجين مع معدن الحديد، بالتالي فإنّ عدم حصول التلامس بين هذه العناصر يمنع بشكلٍ أساسيٍّ تشكل الصدأ. لذلك يُنصَح بحماية الأسطح المعدنية باستخدام الطبقات العازلة، ومن الأمثلة على ذلك استخدام الطلاء، ويُفضَّل استخدام طلاء المينا ذو الأساس الزيتي. حيث غالبًا ما يتمّ استخدام الطلاء الزيتي كبطانة دهان أولي (دهان بادئ) على الأسطح المعدنية، تليها طبقتان من الدهان، ثمّ طبقة خارجية حسب الحاجة لمنع تشكل الصدأ بمرور الوقت. تعتبر هذه الطريقة هي الطريقة الشائعة التي يمنع بها الناس حدوث الصدأ على السيارات والقوارب والمعدات المعدنية الموجودة بالخارج.
- الجلفنة: يقصد بالجلفنة وضع طبقة واقية من الزنك على الحديد، فالزنك لا يتآكل بسهولةٍ مثل سبائك الحديد، وفي حال بدأ الصدأ بالتشكل على الحديد، فإنّ طبقة الزنك ستمتصه وتمنعه من الانتشار على باقي سطح المعدن. وتعتبر الجلفنة طريقةً فعالّةً ومعقولةَ التكلفة لكنها تحتاج إلى تقنياتٍ خاصةٍ ولا يمكن تنفيذها بالمنازل.