ما هو الضغط البخاري

نادر حوري
نادر حوري

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

تُعتبر عمليّة التحوّل من الحالة السائلة إلى الغازيّة، وما يُرافقها من تبدّلاتٍ في الخصائص والصفات الفيزيائيّة، من الظواهر الشائعة المحيطة بنا والتي تؤثّر في الكثير من النشاطات والأعمال الحياتيّة والمظاهر الطبيعيّة من حولنا دون أن نشعر. ويُعدُّ الضغط البخاري أحد مظاهر ونتائج ذلك التحوّل الفيزيائي والذي يلعب دورًا مهمًّا في الكثير من المجالات الصناعيّة. ولكن ما هو الضغط البخاري بالضبط؟ وكيف يتشكّل؟ وما هي العوامل التي تؤثّر به؟ سنجيب عن جميع هذه الأسئلة في مقالنا هذا ونضيف شرحًا وافيًّا لآلية تشكّل وعمل الضغط البخاري.


ما هو الضغط البخاري

الضغط البخاري (بالإنجليزية Vapor pressure) هو الضغط الذي يطبّقه البخار في جملة ترموديناميكيّة متوازنة تحتوي أحد أشكال البخار المُكثّفة (السائلة أو الصلبة أو كلتا الحالتين) وفي نظامٍ مُغلقٍ.

 كما في وعاءٍ مُغلقٍ يحتوي سائلًا ومُعرّض لمنبعٍ حراريٍّ مستمرٍ، في هذا النظام المغلق يتحوّل جزءٌ من السائل إلى بخارٍ في حين يبقى الجزء الآخر بطبيعته السائلة، الضغط الذي يطبّقه البخار في هذا النظام يُدعى بالضغط البخاري.

يُعتبر الضغط البخاري مؤشّرًا على قدرة السائل على التبخّر والتحوّل للحالة الغازيّة، وهو معيارٌ لميل جُزيئات السائل (أو المادّة الصلبة) إلى التحرّر والانتقال إلى الشكل الغازي لها. والمواد التي تمتلك ضغطًا بخاريًّا كبيرًا نسبيًّا، أي ميلًا أكبر للتحوّل للحالة الغازيّة، في درجات الحرارة العاديّة تُدعى بالمواد الطيّارة (Volatile).


خصائص الضّغط البخاري

تُحيط بآليّة تشكّل البخار وتطبيقه للضغط البخاري جُملةٌ من الخصائص والصفات نذكر منها:

  • تتمتّع السوائل النقيّة (غير المشوبة) بقدرةٍ أكبر على التحوّل للحالة الغازيّة، بالتالي ضغط بخاري أكبر، مُقارنةً بمحاليل هذه السوائل (مع وجود الشوائب أو الأملاح).
  • يتناسب الضغط البخاري عكسًا مع شدّة قوى الترابط بين جُزيئات السائل.
  • يزداد الضغط البخاري بارتفاع درجة الحرارة، وهذه النتيجة منطقيّةٌ لأن ارتفاع الحرارة يعني امتلاك جُزيئات السائل لطاقةٍ أكبر وتحرّرها بسهولةٍ من الحالة السائلة للغازيّة.

أما بالنسبة للمحاليل (السوائل المشوبة) فإنّها تُقسم إلى نوعين اثنين؛ الأوّل هو المحاليل التي تتضمّن شوائبَ صلبةً غير متطايرةٍ، وفي هذه الحالة فإن المُحِلّ (السائل) يتبخّر في حين يبقى المُنحلّ (المادة الصلبة) على حالته. والثاني هي المحاليل المؤلّفة من شوائبَ سائلةٍ، وهنا يتبخّر كلٌّ من المُحِّل والمُنحلّ ويتحوّل إلى بخارٍ ويولّد ضغطًا بخاريًّا بنسبٍ متفاوتة.

الضغط البخاري

العوامل المؤثّرة في الضغط البخاري

هنالك عاملان أساسيّان اثنان يؤثّران في عمليّة التبخّر وبالتالي مقدار الضغط البخاري الموجود في جُملةٍ معيّنةٍ، هما:

  • طبيعة السائل: تختلف قوة الترابط بين جُزيئات السوائل تِبعًا لطبيعتها فمثلًا يمتلك كلٌّ من الأسيتون والبنزن قوى ترابط أضعف بكثيرٍ من الماء، لذا فإن معدّل التبخّر سيكون أكبر بالتالي الضغط البخاري لديهما أعلى من الماء في درجة الحرارة نفسها.
  • تأثير درجة الحرارة: إن معدّل التبخّر والضغط البخاري يتناسب طردًا مع درجة الحرارة، وعكسًا مع قوى الترابط بين جُزيئات السائل، لأن إضعاف قوى الترابط بين الجُزيئات السائلة عند ارتفاع الحرارة يعني تحوّلها بشكلٍ أكبر إلى جُزيئاتٍ غازيّةٍ وبالتالي تطبيقها لمقدارٍ أكبر من الضغط البخاري.

كيفيّة ظهور الضغط
البخاري


عمليّة التبخّر

نعلم أن الجُزيئات في السوائل تكون بحركةٍ مستمرّةٍ أي أنّها بذلك تمتلك طاقةً حركيّةً بمقدارٍ معيّنٍ (E)، سنفترض أن الطاقة الحركيّة اللازمة لكي تتغلّب الجُزيئات السائلة على الروابط فيما بينها والتحوّل لجُزيئاتٍ غازيّةٍ هي (E0)، بغض النظر عن درجة الحرارة فإن هنالك بعض الجُزيئات السائلة التي تمتلك طاقةً وسطيّةً أكبر من طاقة التحوّل (E0) وأن عدد هذه الجُزيئات يزداد بازدياد درجة الحرارة.

وعند امتلاك أي جُزيءٍ لطاقةٍ حركيّةٍ أكبر من (E0) فإنّه يتحوّل مباشرةً إلى الحالة الغازيّة، ولكن بشرط وجوده على سطح السائل، حيث بإمكانه فيزيائيًّا الخروج من الوسط السائل إلى الوسط المحيط بحالةٍ غازيّةٍ وعندها يطبّق ضغطًا يُدعى بالضغط البخاري.


التكاثف ودرجة الإشباع والضغط البخاري المتعادل

عندما يتشكّل البخار في جُملةٍ مغلقةٍ، لا تلبث أن تتحوّل بعض الجُزيئات الغازيّة، والتي تكون على تماسٍ مع سطح السائل، إلى جُزيئاتٍ سائلةٍ مُجدّدًا وهذا ما يُعرف بعمليّة التكاثف، وسبب تحوّل الجُزيئات الغازيّة إلى سائلةٍ هي اصطدامها بالجُزيئات السائلة المجاورة لها وفقدانها طاقتها الحركيّة الكبيرة وعودة تشكّل الروابط مع الجُزيئات السائلة.

وكلما ازدادت عدد الجُزيئات الغازيّة (مع ارتفاع درجة حرارة السائل وتبخّره) تزداد بدورها عمليّة التكاثف، حتى تصل الجّملة إلى حالةٍ متوازنةٍ من التبخّر والتكاثف، تُدعى بدرجة الإشباع (تكون فيها عدد الجُزيئات المُتبخّرة مساويًّا لعدد الجُزيئات المكتثّفة)، وعندها يصل الضغط البخاري للغاز فوق السائل إلى مقدارٍ ثابتٍ تتعلّق قيمته بطبيعة السائل (كما ذكرنا سابقًا)، ويُدعى هذا الضغط عندها بالضغط البخاري المشبع أو المُتعادل (Equilibrium Vapor Pressure).


قياس مقدار الضغط
البخاري المُشبع

تُعدُّ عمليّة قياس الضغط البخاري عمليّةً يسيرةً نسبيًّا ويمكن إجرائها في المخابر البسيطة، كل ما تحتاجه هو بارومتر زئبقي، عند ضغط الجوي الطبيعي (1 ضغط جوي) سيكون ارتفاع عمود الزئبق 760 ملم تمامًا، ولهذا يُعبّر أحيانًا عن الـ1 ضغط جوي بـ760 ملم زئبقي (كما هو موضّح في الصورة).

الضغط البخاري

والآن لنضف كميّة قليلة من السائل الذي نريد قياس ضغطه البخاري المُشبع إلى أعلى الأنبوب (كما في الصورة)، سنلاحظ بعد فترةٍ هبوط ارتفاع عمود الزئبق، ما سبب ذلك؟ حسنًا تعليل ذلك هو تبخّر قِسم من السائل واستحواذه على الحيّز الفارغ في الأنبوب، وتطبيقه ضغط على عمود السائل والزئبق أسفله، أدى هذا الضغط إلى انخفاض ارتفاع عمود الزئبق (في مثالنا انخفض إلى 630 ملم)، هذا يعني أن مقدار الضغط البخاري للسائل سيكون حاصل فرق ضغط الزئبق (760 ملم زئبقي) وضغط العمود بعد إضافة السائل وتبخّر قسم منه (630 ملم زئبقي)، وبالتالي فإن مقدار الضغط البخاري المتعادل=760-630=130 ملم زئبقي.

الضغط البخاري

على الرغم من بساطة آليّة عمليّة التبخّر إلّا أنّ الخاصيّة الفيزيائية الناتجة عنها والمعروفة بالضغط البخاري تُعدُّ جوهريّةً في العديد من الصناعات وجوانب حياتنا اليوميّة.

هل أعجبك المقال؟