ما هو الفحم الحجري وكيف يتم استخراجه

نادر حوري
نادر حوري

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

من منّا لا يعرف عصر المحرّكات البخاريّة، ذلك العصر الذي ساد لا بل قاد البشريّة في القرنين الماضيين وساهم في دفع عجلة التطوّر بشكلٍ كبيرٍ وساعدنا لكي نقطع ذلك الشوط الطويل في التقدّم والتحضّر الذي نحن عليه اليوم. وذلك الكمُّ الهائل من الطاقة الكهربائيّة، عصب الحياة الحديثة، الذي يتمُّ توليده كل يوم. كل تلك الانجازات لم تكن لتغدو ممكنةً لولا وَقود الماضي والحاضر، لولا الفحم الحجري.

فما هو الفحم الحجري بالضبط؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يتشكّل في الطبيعة؟ وكيف يتم توظيفه واستخدامه؟ كل تلك الأسئلة سنجيب عنها في مقالنا هذا ونضيف شرحًا وافيًّا لكيفيّة تشكّل الفَحم الحجري وأهم التفاصيل المتعلّقة باستخداماته في وقتنا الحاضر والأضرار الناجمة عن ذلك.


الفحم الحجري

الفحم الحجري

الفحم الحجري (بالانكليزية coal) هو في الواقع نوع من الصخور الرسوبية القابلة للاحتراق والموجودة في باطن الأرض، عادةً تكون سوداء أو بنيّة مسودّة. يتألف الفَحم الحجري بشكلٍ أساسي من الكربون، بالإضافة مكوّنات وعناصر أخرى لاسيّما الهيدروجين والكبريت والأوكسجين والنتروجين.

ويُعتبر الفحم الحجري من أنواع الوقود الأحفوري الذي يُستخدم لتوليد الحرارة. ويزوّد الفحم الحجري ما يعادل رُبع الطاقة الأوليّة الخام في العالم، بالإضافة إلى خُمسَي الطاقة الكهربائيّة العالميّة. كما أن المهن التي تتضمّن الحديد والفولاذ وبعض الصناعات الأخرى تعتمد على الفَحم الحجري كوقودٍ لها.

تُعتبر الصين أولى الدول انتاجًا للفحم، وكنتيجة لذلك غدت أكثر الدول تسبّبًا للتلوث البيئي، تليها الهند ثم استراليا وأخيرًا أندونيسيا وروسيا. وقد توقّفت العديد من الدول عن استخدام الفَحم الحجري كجُزءٍ من خِطَّة الانتقال الطاقي العالميّة.وقد دعا الأمين العام لمنظّمة الأمم المتّحدة دول العالم إلى التوقّف عن استخدام الفحم بشكلٍ كاملٍ بحلول العام 2020.


استخدام الفحم الحجري عبر التاريخ

في الواقع يعود استخدام الفحم الحجري إلى مئات السنين، إلا أن استخدامه لم يكن بذلك الحجم الذي هو عليه اليوم. ويُعتبر الصينيون أوّلى الشعوب التي قامت بتسخير الفَحم الحجري في جوانب الحياة المختلفة، وذلك قبل النهضة الأوروبيّة بفترةٍ طويلةٍ. ويظنُّ المؤرّخون أن الفَحم الحجري استُخدم في الصين منذ عهد العائلة الحاكمة هان (206 ق.م – 220 ب.م).

بالإضافة إلى ذلك فإن الأحجار الفحمية المُكتشفة في بعض الآثار الرومانيّة في إنكلترا تشير إلى أن الرومان وظفّوا كذلك الفَحم الحجري في أعمالهم وصناعاتهم وذلك منذ 400 سنة قبل الميلاد. ومع ذلك فإن الفحم لم يُستخدم على نطاقٍ واسعٍ حتى القرن الثامن عشر حين نجح العالم آبراهام داربي في تطوير طريقة لمعالجة الفَحم الحجري وتحويله إلى فحم الكوك (Coke).

لتحدث بعدها النقلة النوعيّة في مجال توظيف الفَحم الحجري على يد العالم جيمس واط، الذي ابتكر المحرّكات البخاريّة والتي اعتمدت على البخار الناتج عن عملية احتراق الفَحم الحجري.


تشكّل الفحم الحجري

تقوم النباتات بتخزين الطاقة الشمسية من
خلال عمليّة التركيب الضوئي. وعندما تموت هذه النباتات فإنها تقوم بإطلاق هذه
الطاقّة تدريجيًّا أثناء تفسّخ بقاياها. ولكن وفي حال توافر الشروط المناسبة فإن البقايات
النباتيّة تتوقّف عن التحلّل وتُحافظ بالتالي على الطاقة التي خزّنتها أثناء دورة
حياتها.

وكنتيجة لحركات القشرة الأرضيّة والصفائح التكتونيّة التي تتألف منها، فإن كميّاتٍ كبيرةً من الأجزاء النباتيّة المتموّتة في المستنقعات والبحيرات يتم غمرها ودفنها في أعماق الأرض. وعند تلك النقطة تبدأ تلك الأجزاء بالتعرّض لكميّاتٍ هائلةٍ من الحرارة والضغط، وهذا يحرّض بعض التبدّلات الفيزيائيّة والكيميائيّة في البُنى النباتيّة محوّلةً إيّاها إلى ما يُعرف بالخُث (peat) ومن ثمّ مع مرور ملايين السنين تتحوّل هذه الأخرى إلى ما نعرفه اليوم بالفحم الحجري.


التفحّم

الجدير بالذكر أن عمليّة تحوّل هذه البقايا إلى الفحم الحجري تُعرف بالتفحّم. وتختلف درجة التفحّم للبقايا النباتيّة تبعًا لعمُرها وتركيبها والعوامل الفيزيائيّة المحُيطة بها، وتحدّد درجة التفحّم صِنف الفَحم الحجري النهائي الناتج.يعتمد الصنف الذي يُنسب إليه الفَحم الحجري على درجة تحوّل البقايا النباتيّة إلى مركّب الكربون، وبالتالي تختلف بهذا أصناف الفَحم الحجري عن بعضها بمقدار الكربون الموجود في تركيبها.


أنواع الفحم الحجري

الفحم الحجري

يمكن تصنيف الفَحم الحجري إلى أربع أنواعٍ أو أصنافٍ تِبعًا محتواها من الكربون. وكقاعدة عامّة كلما زاد تصنيف الفحم كلما كان احتراقه أنظف وكلما تعدّدت أوجه استخدتاه وتوظيفه. تصنيف الفحم الحجري هو كالتالي:

  • الليجنيت (Lignite)، نسبة الكربون: 25-35%. ويُطلق عليه أيضًا الفحم البُني، وهو أقل أنواع الفَحم الحجري صفاءً، ويُستخدم بشكلٍ رئيسيٍّ في توليد الطاقة الكهربائيّة.
  • الفحم تحت البتيوميني أو تحت القاري (Sub-bituminous coal)، نسبة الكربون: 35-45%. يُستخدم في توليد الكهرباء، وما يميّزه عن باقي أنواع الفحم هو احتوائه على كميّةٍ قليلةٍ من الكبريت، الأمر الذي يجعل احتراقه نظيفًا.
  • الفحم البتيوميني أو القاري (bituminous coal)، نسبة الكربون: 45-86%. يُستخدم في توليد الكهرباء بالإضافة إلى توليد الحرارة في بعض الصناعات، كما ويُستخدم لصنع فحم الكوك من أجل صناعة الفولاذ وتطبيقاته.
  • فحم الانتراسيت (Anthracite coal)، نسبة الكربون: 86-97%. ويُستخدم في التدفئة المنزليّة والصناعات الفولاذيّة.

إيجابيّات وسلبيّات استخدام الفحم الحجري

على الرغم من أن الفَحم الحجري يلعب دورًا هامًا في توليد الطاقة إلّا أن لذلك التوظيف بعض العوائق والسلبيّات، وفيما يلي سنذكر الفوائد والأضرار المُرافقة لاستخدام الفَحم الحجري.


الإيجابيّات

  • يتوفّر الفَحم الحجري بكميّاتٍ كبيرةٍ، وهو مصدرٌ هام للدول الصناعيّة كالصين والولايات المتّحدة. وتُشير بعض الاحصائيات أن ما تمّ الكشف والتنقيب عنه في الولايات المتّحدة حتى الآن يكفي لتزويدها بالطاقة لـ400 سنة قادمة.
  • القدرة الكبيرة على توليد الطاقة، فالبنى التحتيّة وأُسس الكثير من الصناعات تعتمد على الفحم الحجري بسبب الطاقة الكبيرة التي يقدّمها.
  • تكاليف التنقيب والاستخراج المنخفضة.
  • إمكانيّة تحويل الفَحم الحجري إلى خاماتٍ أخرى كالغاز والسوائل القابل للاشتعال مع المحافظة على خواصّه الأساسيّة.

السلبيّات

  • الفحم الحجري لا يتجدّد، بمعنى أن المخزون العالمي سينفد عاجلًا أم آجلًا، ويقدّر العلماء أن المخزون الأرضي من الفحم يكفي لـ 200 سنة في حال بقاء وتيرة استخدام الفحم على ما هي عليه في الوقت الحاضر.
  • البقايا الناتجة عن احتراق الفَحم الحجري تولّد كميّات كبيرة من الإشعاعات والذي يشكّل خطرًا على الكائنات والعناصر البيئية المحيطة.
  • النواتج الثانوية المُنبعثة من احتراق الفحم تشكّل واحدةً من أخطر التهديدات على البيئة.
  • عمليّات التنقيب عن الفحم تتسبب في هدم وتخريب الكثير من النظم البيئيّة المجاورة.

على الرغم من السلبيات الكثيرة التي تتخلّل عمليّة استخراج واستخدام الفحم الحجري، إلّا أنّه لا يزال أحد أكثر مصادر الطاقة المُستخدمة حول العالم في وقتنا الراهن. وقد تنجح البشريّة في المستقبل في ابتكار حلولٍ بديلةٍ لتوليد الطاقة النظيفة بشكلٍ كافٍ للاستغناء عن الفحم الحجري بالكامل.

هل أعجبك المقال؟