ما هو تعريف الحضارة
نسمع الكثير عن الحضارات القديمة، والعديد منها مرَّ معنا خلال مراحل دراستنا في المدراس والجامعات، لكن ما هي الحضارة بالضبط؟ وكيف يتم تعريفها وما هي خصائصها الأساسية؟
ما هي الحضارة
الحضارة هي مجتمعٌ بشريٌّ معقدٌ، يتميز بعدة خصائصٍ كالتطور الثقافي وغيره، كما يضم هذا المجتمع عادةً مدنًا مختلفةً، حيث ترتبط كلمة "الحضارة" بالكلمة اللاتينية "civitas" أو "المدينة"، ولهذا السبب فإن التعريف الأساسي لكلمة "الحضارة" هو "مجتمعٌ مكونٌ من مدن". غالبًا ما يُستخدم مصطلح "الحضارة" بطريقةٍ عرقيةٍ، كما تُقسم الحضارات إلى جيدةٍ من الناحية الأخلاقية والمتطورة ثقافيًا، وأخرى منحطة أخلاقيًا ومتخلفةً، لكن يبقى التعريف الحديث في حالة تغيرٍ مستمرٍ.
تشكلت الحضارات قديمًا عندما بدأ الناس في التجمع ضمن المستوطنات الحَضريَّة. ومع ذلك، فإن تحديد ماهية الحضارة، وما هي المجتمعات التي تندرج تحت هذا التعيين، هو جدالٌ مثيرٌ للاهتمام حتى بين علماء الأنثروبولوجيا اليوم، لكن معظمهم يتفقون على بعض المعايير لتعريف الحضارة. أولاً، الحضارات هي نوعٌ من المستوطنات الحَضريَّة وليست البدوية، ومن خلال الأشخاص الذين يعيشون في المستوطنة، يتم تقسيم العمل إلى وظائفٍ محددةٍ، ومن هذا التخصص يأتي الهيكل الطبقي والحكومة، وكلاهما من جوانب الحضارة. معيارٌ آخر للحضارة هو فائض الطعام، الذي يأتي من وجود أدواتٍ للمساعدة في زراعة المحاصيل. الكتابة والتجارة والأعمال الفنية والآثار، وتطوير العلوم والتكنولوجيا كلها جوانب من الحضارات.
هناك العديد من الحضارات التي لا تضم جميع المعايير المذكورة أعلاه، على سبيل المثال، حضارة الإنكا والتي هي حضارةٌ كبيرةٌ ذات تسلسلٍ هرميٍّ حكوميٍّ واجتماعيٍّ، تركت وراءها ثروةً من الفن، وكان الإعمار فيها متقدمًا للغاية، ولكن لا توجد لها لغةٌ مكتوبةٌ، هذا هو السبب في أن مفهوم "الحضارة" يَصعَب تحديده؛ ومع ذلك، فإنه لا يزال إطارًا مفيدًا يمكن من خلاله رؤية كيفية توحيد البشر وتشكيل مجتمع.
خصائص الحضارة
لكي يكون المجتمع متحضرًا، يجب أن يتمتع بالخصائص التالية:
- نظام الحكم: يتحكم وينظم أفراد المجتمع.
- الأمن الغذائي: إمدادات الغذاء مستقرة ومنتظمة، والتي يجب ألّا تنهار فجأة.
- التخصص في العمل: أفراد المجتمع يؤدون وظائفَ مختلفةً ومتخصصةً.
- المستويات الاجتماعية المختلفة: يتم إعطاء بعض أفراد المجتمع مكانة أعلى من غيرهم.
- الفن والعمارة: ثقافة متطورة للغاية تشمل الفن والعمارة والموسيقى والأدب والعلوم والكتابة.
- نظام ديني: والذي قد يشمل الكهنة والمعابد.
نستطيع اختصار الخصائص بعبارة GRAPES، طبعًا نفس الفكرة، مجرد اختصار:
مراحل الحضارة
- الاندماج
نشأت الحضارات بتشارك المجتمعات، فعندما تُقبل القواعد والأعراف العامة، فإن هذا المجتمع سيميل إلى منع التغيير والحفاظ على نشأة الحضارة، وعندما يكون هناك أي اختلافٍ بالعادات والأعراف كالزواج وغيره، حينها قد يتم وضع عاداتٍ جديدة دون الإساءة إلى الأسر القديمة، فمن مزيج الثقافات تتكون ثقافة جديدة، والتي يكون لها الفرصة لتصبح حضارةً.
- النضج
هي المرحلة التي يمكن من خلاله تطوير الأدوات المختلفة حتى تنال الحضارة قبولًا واسعًا، قد تكون هذه فترة قصيرة نسبيًا، أو قد تستمر لمئات السنين.
تلزم هذه المرحلة وجود شرطيَن أولًا: يجب أن يستوعب المجتمع المجاور المجتمع الجديد، حيث أن الجار القوي والتوسعي يريد منع تشكيل أيّ حضارةٍ جديدةٍ. ثانيًا: يجب على الحضارة الأولية تطوير أداةٍ للتوسع، وبدون هذه الأداة، لا يمكن للمجتمع أن يكسب المرحلة الحرجة المطلوبة، للبدء بهويةٍ فريدةٍ كحضارة.
- التوسع
غالبًا ما تكون فترة النمو هذه حساسة، لأن كل من هذه الأنواع الأربعة للتوسع تعتمد على الأنواع الأخرى، حيث ستبدأ الحضارة الآخذة في التوسع في التمتع بمستوى معيشي متزايدٍ مع ارتفاع مستوى معرفتها وإنتاجها، وبمجرد أن تمتلك الحضارة أداةً للتوسع، ستبدأ في النمو.
يمكن تحديد هذا النمو في أربعة مجالاتٍ معينةٍ:
- إنتاج البضائع.
- زيادة في عدد السكان: يزيد النمو السكاني من الإنتاج.
- زيادة في النطاق الجغرافي: إن توسيع الحدود، لا يضيف فقط إلى حجم الحضارة بل إلى معرفتها، ويفتح الاستكشاف أيضًا إمكانية الوصول إلى مواردٍ طبيعيةٍ إضافية وجديدة والتي بدورها تساهم في زيادة إنتاج السلع.
- زيادة في المعرفة: المعرفة العامة وفي التقنيات الطبية وغيرها، يؤدي ذلك لزيادة متوسط العمر المتوقع.
- عصر الصراع
تتميز هذه الفترة بأربعة اتجاهاتٍ:
- انخفاض في معدل التوسع.
- زيادة في الصراعات الطبقية، وخاصةً في الداخل.
- زيادة في الحروب الاستعمارية.
- زيادة في اللاعقلانية والتشاؤم العام.
نظرًا لأن أداة التوسع تصبح من أجل الحفاظ على امتيازات النخبة، فإنها تصبح أكثر بيروقراطيةً، هذا يؤدي إلى معاقبة المبدعين في المجتمع بدلًا من مكافأتهم، والتقدم في زيادة الفائض يتباطأ نتيجةً لتراجع الإبداع.
انخفاض معدل التوسع يحفز النخبة ضد الكتلة الكبيرة من الناس، وعندما يُنظر إلى الموارد على أنها محدودةٌ، فإن التنافس بين الطبقات يزداد، حيث يتمسك "الأغنياء" بثرواتهم وصلاحياتهم ويدركون أنهم يمثلون أقلية، ويحاولون لفت انتباه الجماهير المستاءة بشكلٍ متزايدٍ من خلال الترفيه وتهدئتهم بإيماءاتٍ رمزيةٍ لإعادة توزيع الثروة.
وفي الوقت نفسه، يؤدي الاستياء من عدم التمتع في مستوى المعيشة الجيد إلى شعور الجماهير بعدم الأمان، ويتجلى هذا الشعور كاضطرابٍ اجتماعيٍّ وسلوكٍ غير عقلانيٍّ آخر، أي تصبح عمومًا فترة لعب القمار، أو استخدام المخدرات أو المسكرات، أو الهوس بالجنس، وتزايد الجريمة.
أما الأبرز فهي الحروب الاستعمارية، وهذه محاولاتٌ لفرض هيكلٍ سياسيٍّ واحدٍ على الحضارة بأكملها لتحقيق التوسع الاقتصادي بالوسائل السياسية، عادةً ما تحدث هذه النزاعات من الخارج، بمعنى أن حروب الاستعمارية تخوضها عمومًا الكيانات السياسية.
- امبراطورية عالمية
كما ذُكر سابقًا، بمجرد أن تصبح أداة التوسع تابعة للدولة، سيحدث واحد من ثلاثة أشياء: إمّا سيتم إعادة إصلاحها مرةً أخرى إلى أداةٍ فعالةٍ، أو سيتم التحايل وإنشاء أداة جديدة (تسمح بالتوسع مع ترك آثار السلطة لأولئك الذين يسيطرون على المؤسسة السابقة)؛ أو أولئك الذين لديهم مصالح راسخة في الحفاظ على مؤسسة التوسع سوف يسودون، وسوف يصبح راسخًا بشكلٍ دائمٍ.
في الحالتين السابقتين، حيث توجد أداةٌ جديدةٌ للتوسع، تعود الحضارة إلى المرحلة 3، أي عصر التوسع وتنتقل مباشرةً إلى المرحلة 5 مرحلة الامبراطورية العالمية.
- الانْحِطاط
بمجرد أن يصبح الجزء الأكبر من ثروة الحضارة قد استُهلك، فإن التراجع عادةً ما يكون سريعًا، لأن هذه هي فترة محنةٍ كبيرةٍ.
خلال هذا الوقت، ينخفض مستوى المعيشة بسرعةٍ، القانون والنظام ينهاران، تبدأ الاحتجاجات المدنية وبعضها يتحول إلى عنفٍ، حيث يصبح من غير الممكن جمع الضرائب، وتتم مقاومة أشكالٍ أخرى من الخدمة العامة مثل الخدمة العسكرية، كما لا يمكن حماية الممتلكات إلا بالقوة، ويصبح العنف الشخصي واقعًا يوميًا، ويصبح من غير الممكن معاقبة الاحتيال وتفشل حياة المدينة، وتختفي "الطبقة الوسطى". الإحياء الديني يجتاح الأرض، وتصبح التقنيات الطبية التي تحافظ على الحياة صعبةً أو يستحيل الحصول عليها، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات وفيات الرضع وينخفض العمر الافتراضي، وأخيرًا، فشل محو الأمية في حد ذاته.
- الغزو
قد تقع فريسةً لدولةٍ خارجيةٍ واحدةٍ أو أكثر، سواءً عن طريق الاحتلال العسكري أو الضم السياسي، أو ببساطةٍ عن طريق الاندماج من خلال التسوية، والغزو في مرحلةٍ ما يدمر ما كان في الماضي من حضارة، أو قد ينتج حضارة جديدة مزيج من الحضارتين القديمة والجديدة.