ما هي اسباب ظاهرة الشفق القطبي
الشفق القطبي، أو الأضواء القطبية الشمالية والجنوبية، باللاتينية (Aurora) هي عبارة عن عرضٍ ضوئيٍّ مدهشٍ للأضواء الملونة المتلألئة في سماء الليل، وقد كانت مصدرًا للغموض وأثارت فضول البشرية على مرِّ العصور، ونتيجة عدم فهمهم لسبب حدوث هذه الظاهرة، فقد ابتكر البشر قصصًا وأساطيرَ ومفاهيمَ خاطئةً حول اسباب ظاهرة الشفق القطبي تلك.
لذلك فإن ظاهرة الشفق القطبي ليست مرتبطةً بالبحث والعلوم فحسب، بل ترتبط أيضًا بالخرافات والثقافة والمعتقدات الدينية، إذ اعتقدت شعوب الإنويت أنه يمكن رؤية أرواح أجدادهم وهم يرقصون تحت أضواء الشفق الراقصة، وفي الأساطير الإسكندنافية، كان الشفق بمثابة جسر النار إلى السماء التي بناها الآلهة، واعتقد الرومان بأن الأورورا هو آلهة الفجر أو أخت القمر، وأنه بظهوره يعلن قدوم آلهةٍ أخرى( أبولو) آلهة الموسيقى والنور.
لذا في هذا المقال سنتعرف على التفسير العلمي الحقيقي لهذه الظاهرة بعيدًا عن الأساطير والتهيؤات الكاذبة.
أهمّ اسباب ظاهرة الشفق القطبي
في الواقع، إن عملية حدوث الشفق القطبي تشبه ما يحدث في أضواء النيون، إذ يتم استخدام الكهرباء لإثارة الذرات في غاز النيون داخل الأنابيب الزجاجية، ويحدث الشفق القطبي على نفس المبدأ ولكن على نطاقٍ أوسع بكثيرٍ.
حيث تنتج ظاهرة الشفق القطبي بسبب حدوث اصطدامٍ بين جزيئاتٍ مشحونةٍ كهربائيًّا من الشمس وغازات الغلاف الجوي مثل الأكسجين والنيتروجين، وتُرى الأضواء حول الأعمدة المغناطيسية لنصفي الكرة الشمالي والجنوبي، يسمى الشفق القطبي الذي يحدث في نصف الكرة الشمالي أورورا بورياليس أو الأضواء الشمالية، ويسمى الشفق القطبي الذي يحدث في نصف الكرة الجنوبي أورورا أستراليس أو الأضواء الجنوبية.
لكن كيف تصل الجسيمات المشحونة من الشمس إلى الغلاف الجوي في المناطق القطبية!؟
تعتبر الرياح الشمسية هي الآلية الدافعة وراء تلك الأضواء الشمالية المذهلة ونظيراتها الجنوبية الرائعة بنفس القدر، إذ يحدث داخل الشمس عددٌ هائلٌ من الانفجارات والتفاعلات، وتكون درجة حرارة الهالة الخارجية المحيطة بالشمس والتي تدعى الإكليل (Corona) عاليةً جدًا، مسببةً حدوث اهتزازاتٍ في ذرات الهيدروجين والهيليوم، وهما يشكلان حوالي 98% من التركيبة الكيميائية للشمس.
تسبب هذه الاهتزازات انطلاق عددٍ هائلٍ من الإلكترونات والبروتونات، إذ تستطيع الهروب من جاذبية الشمس بسبب طاقتها العالية الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الإكليل، وتشكل كما ذكرنا سابقًا "الرياح الشمسية "، تنطلق هذه الرياح بسرعاتٍ عاليةٍ في الفضاء وباتجاهاتٍ عشوائيةٍ.
يشكل المجال المغناطيسي الذي يتولد من باطن الأرض الدرع الواقي لكوكب الأرض من الرياح الشمسية، فعندما تهب الرياح الشمسية باتجاه الأرض، فإنها تنحرف إلى حدٍّ كبيرٍ عن طريق المجال المغناطيسي للأرض، لكن خلال العواصف الشمسية القوية، وبما أن المجال المغناطيسي للقطبين هو أضعف من أي منطقةٍ أخرى لأنه نقطة التقاء المجالات المغناطيسية لنصفي الكرة الأرضية، وبالتالي تتغلب الرياح الشمسية على الحقل المغناطيسي في المناطق القطبية.
هنا توجد وسيلة دفاعٍ أخرى لكوكب الأرض وهي الغلاف الجوي، حيث تصطدم الجسيمات المشحونة (الرياح الشمسية) بالغازات الموجودة في الغلاف الجوي في منطقة القطبين، مسببة انطلاق حزمةٍ من الفوتونات ينتج عنها أضواء بأشكال وألوان متعددة (الشفق القطبي).
الألوان العدّة للشفق القطبي
غالبًا ما يظهر الشفق على شكل ستائرَ من الأضواء، و قد يكون أيضًا بشكل أقواسٍ أو لوالب، وإنّ اسباب ظاهرة الشفق القطبي متعدّد الألون تُعزى إلى عدة عواملَ هي:
- نوع الغاز المصطدم بالجسيمات المشحونة: عندما تصطدم الجسيمات بالأكسجين، يتم إنتاج اللون الأصفر والأخضر، وتُنتج التفاعل مع النيتروجين ألوانًا حمراءَ وبنفسجيةً وأحيانًا زرقاء.
- نوع التصادم أيضًا يُسبب اختلافًا في الألوان التي تظهر في السماء: النيتروجين الذري يؤدي إلى ظهور اللون الأزرق، بينما يؤدي النيتروجين الجزيئي إلى ظهور اللون الأرجواني.
- تتأثر الألوان أيضًا بالارتفاع: يظهر الضوء الأخضر في المناطق التي يصل ارتفاعها إلى 150 ميلًا، والأحمر أعلى من 150 ميلًا؛ ويظهر اللون الأزرق عادةً على بعد 60 ميلًا (96.5 كم)، والأرجواني والبنفسجي فوق 60 ميلًا.
- طاقة وسرعة الجسيمات الشمسية المشحونة: فكلما زادت الطاقة والسرعة، يكون الشفق الناتج أكثر إشراقًا، وبالتالي كلما كان التوهج أكثر إشراقًا، أصبح أكثر قابلية للاكتشاف من قبل أعيننا.
اليوم، لم يعد لغز اسباب ظاهرة الشفق القطبي غامضًا كما كان عليه الحال سابقًا، ومع ذلك، لا يزال الناس يسافرون آلاف الأميال لمشاهدة عروض الضوء الطبيعي الرائعة في سماء كوكب الأرض، وعلى الرغم من أننا نعرف السبب العلمي وراء الشفق القطبي، إلا أن عرض الضوء الطبيعي المبهر لا يزال بإمكانه إطلاق تصوراتنا لتخيل جسور النار، والآلهة، أو الأشباح الراقصة.