ما هي الجيوكيمياء

نادر حوري
نادر حوري

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

على الرغم من أن الكثيرين قد لا يجدون صلةً بين علم الجيولوجيا أو ما يُعرف بعلم الأرض والكيمياء، إلّا أن هناك صلةً ورابطًا قويَّين بين هذين المجالين. وقد لاحظ العلماء هذه الصلة وتوصّلوا إلى اشتقاق علم الجيوكيمياء الذي فرض نفسه كعلمٍ مستقلٍ حاز على اهتمام الكثيرين من العلماء واستقطب العديد من الباحثين لإجراء دراساتهم وتوسيع آفاق هذا المجال الفريد.

ولكن ما هي الجيوكيمياء بالضبط؟ ومتى تأصّل هذا العلم؟ وما هي مجالاته المختلفة؟ سنخوض في مقالنا هذا رحلةً قصيرة نجيب فيها عن هذه التساؤلات ونستعرض تفاصيل علم الجيوكيمياء وتفرّعاته ومجالات استخدامه.


تعريف الجيوكيمياء

الجيوكيمياء

الجيوكيمياء (بالانجليزية Geochemistry) هي في الواقع أحد فروع الكيمياء التي تختصّ بدراسة التفاعلات الكيميائيّة التي ساهمت وتُساهم في تشكيل بنية وشكل الأرض. كما أنّها تتعرّض لدراسة الدورة الطبيعية للموارد الطبيعية وكذلك دورة الطاقة البيئيّة وتداخل وتفاعل هاتين الدورتين مع كل من الغلاف المائي (hydrosphere) والغلاف الجوي (atmosphere) للأرض.

كما تهتم الجيوكيمياء بمجال الكشف والتنقيب عن الموارد الأرضية كالمعادن والنفط، دون أن نذكر أنّ مبادئ وقوانين الجيو كيمياء ساهمت في فهم وتفسير الكثير من المشكلات التي تواجه عصرنا الحالي كظاهرة الاحتباس الحراري واستنزاف غاز الأوزون، بالإضافة إلى مشاكل تلوّث التربة والماء.


تاريخ ظهور علم الجيوكيمياء

كما ذكرنا سابقًا فإن الجيو كيمياء تُعنى بدراسة بُنية ومكوّنات التراكيب الأرضيّة المختلفة، وكان التأسيس الأوّل لعلم الجيو كيمياء، كأحد الاختصاصات العلميّة المستقلّة، على يد العالم والمنقّب السويسري فيكتور غولدشمت (Victor Goldschmidt)، والذي وضع أُسس هذا العلم في مطلع القرن العشرين.

وتُعتبر النقلة النوعيّة في الأبحاث التي تخصّصت بها الجيوكيمياء عام 1960 ذات أهميّة كبيرة وحملت معها تفسير أحد أهم الظواهر الجيولوجيّة، وهي نظريّة حركة القارّات، وقد وضع أسس هذه النظرية العالم الألماني ألفريد ويغنر (Alfred Wegener) عام 1912. ثم جاءت الجيو كيمياء لدعم وبرهنة هذه النظرية بالحركة البطيئة للصفائح التكتونيّة في القشرة الأرضيّة مُحرَّضةً بالقوى والضغوط الهائلة في باطن الأرض.


موضوعات وتفرّعات
الجيو كيمياء

الجيوكيمياء

على الرغم من أنّ مبادئ علم الجيو كيمياء حديثة العهد وليست بذلك العلم القديم المتأّصل، إلّا أنّها حملت من الأهميّة والتفرّع والتنوّع ما تطلّب تسخير فروع وتخصّصات مستقلّة منها، وفيما يلي أهم المجالات العلميّة الفرعيّة التي تتعلق بعلم الجيوكيمياء وتُشتقّ منها:

  1. الجيو كيمياء النظائريّة وهي أحد أهم الفروع المتعلّقة بالجيو كيمياء، وسنتطرّق إليها لاحقًا في المقال، وهي معنيّةٌ بدراسة وتحديد تراكيز العناصر الكيميائيّة ونظائرها على سطح الأرض وفي باطنها.
  2. علم دراسة حركة ونماذج انتشار العناصر الكيمائيّة في الأرض (في القشرة الأرضيّة، وشاح الأرض والغلاف المائي) بهدف تحديد النظام الدقيق الذي يحكم توزّع وانتشار هذه العناصر على سطح الأرض.
  3. الكيمياء الكونيّة والتي تختصّ بدراسة توزّع وانتشار العناصر ونظائرها في الفضاء.
  4. الكيمياء الجغرافية البيولوجيّة والتي تركّز على أهميّة وتأثير نظام الحياة للمخلوقات، لاسيّما نحن البشر، على كيميائيّة الأرض ذاتها.
  5. الجيوكيمياء العضويّة والتي تهتمّ بدراسة دور العمليات والمركّبات الحيوية الصادرة عن الكائنات الحيّة أو تلك التي كانت حيّةً سابقًا.
  6. الجيو كيمياء المائيّة والتي تُعنى بدراسة دور العناصر المختلفة الموجود في المستجمعات المائيّة (وهي المناطق من اليابسة التي تفصل مجرى مياه، كنهرين مثلًا) كالنحاس والكبريت والزئبق.
  7. الجيو كيمياء الاستكشافية أو البيئيّة والتي تتضمّن التطبيقات العمليّة للدراسات في مجال البيئة واستكشاف الفلزّات المعدنيّة.

الجيوكيميا النظائريّة

في الواقع تلعب الجيوكيمياء النظائريّة أحد أهم الأدوار الرئيسية في علم الجيوكيمياء، وأحد أهم الوظائف التي يُناط بها هذا الفرع من الجيو كيمياء هو تحسين وتطوير وحتى دراسة تركيز وخصائص بعض أنواع النظائر الكيميائيّة التي تلعب دورًا هامًا في العلوم الأخرى.

ويُعتبر علم التأريخ أحد العلوم التي تلعب فيها الجيوكيمياء النظائريّة دورًا بارزًا؛ فعلى سبيل المثال بإمكاننا وبمساعدة مبادئ الجيو كيمياء التي تفرِض وجود علاقةٌ طرديّةٌ بين نسبة عنصر الأوكسجين-16 ونظيره الأوكسجين-18، في مركب كربونات الكالسيوم التي تطرحها جميع الكائنات البحريّة في الماء (حتى تلك التي تحوّلت إلى مستحاثّاتٍ مُنذ زمنٍ طويل)، بين تلك النسبة ودرجة حرارة المحيطات التي تعيش بها، بمساعدة هذه الفرضيّة بإمكاننا، بعد التحديد الدقيق للنسبة بين عنصر الأوكسجين ونظيره، أن نحدد درجة حرارة المحيط بدقّة قبل آلاف السنين.

على الرغم من أن
علم الجيو كيمياء لا يزال علمًا حديث العهد، إلّا أنّه يحمل من الأهميّة للبشريّة
ما سيجعل منه علمًا أساسيًّا وجوهريًّا في المستقبل، قد يغيّر الكثيرَ من المفاهيم
في وقتنا الحاضر ويكشِف لنا المزيد من الأسرار والخبايا التي لا زلنا نجهلها عن
جيولوجيّة أرضنا العزيزة.

هل أعجبك المقال؟