الكهرباء الساكنة
هل جربت من قبل أن تمشط شعرك ثم تقربه من أي مادةٍ خفيفةٍ، كالورق مثلًا؟ غالبًا ما قد تكون فعلت ذلك من قبل، في الصبا، إذا كنت ممن قاموا بهذه التجربة، فإنك تعرف ماذا قد حدث وقتها، وإن لم تكن فسأخبرك بالملاحظة الآن. عندما تمشط شعرك وتقربه من ورقةٍ مثلًا، ستلاحظ انجذاب الورق للمشط، لكن ما هذه الظاهرة؟ بالطبع الأمر ليس متعلقًا بالسحر أو ما شابه مثلما قالوا لنا منذ قديم الزمان، ولكن الأمر مُتعلقٌ بما يُسمى الكهرباء الساكنة (Static Electricity).
تعريف الكهرباء الساكنة
يمكننا تعريف الكهرباء الساكنة على أنها الشحنة الكهربية التي تتراكم على جسمٍ ما، وغالبًا ما تتولد هذه الكهرباء عندما يتم فرك جسمين معًا، بشرط أن يكون هذان الجسمان غير موصلين للكهرباء.
سُميت الكهرباء الساكنة بهذا الاسم لأنها تظل متراكمةً على جسمٍ ما، وتبقى على جسمٍ ثابتٍ، ولكنها لا تتدفق باستمرارٍ مثل أنواع الكهرباء الأخرى.
تشكّل الكهرباء الساكنة
في البداية تجب الإشارة إلى أن جميع الكائنات المادية سواء حية أو غير حيةٍ تتكون من ذراتٍ، وهذه الذرات تتكون من عدة جسيماتٍ صغيرةٍ جدًا، مثل البروتونات موجبة الشحنة، والإلكترونات سالبة الشحنة، كذلك النيوترونات المحايدة، وإنه من الطبيعي أن تتجاذب الجسيمات ذات الشحنات المتضادة، فمثلًا؛ إنّ الموجب ينجذب للسالب، وأيضًا تتنافر الجسيمات ذات الشحنات المتشابهة، فمثلًا نجد أنّ السالب لا يتجاذب مع السالب، والموجب لا ينجذب للموجب، وقاعدة التنافر والتجاذب هذه تُسبّب حالةً من التوازن بين الشحنات الموجودة داخل الجسم المادي لأي كائنٍ حيٍّ.
لكن ماذا إن اختل ذلك التوازن بين الشحنات الموجبة والسالبة في جسمٍ ماديٍّ؟ يحدث ذلك غالبًا عندما يتم فرك جسمين مع بعضهما، فتتراكم الشحنات على واحدٍ منهما، حتى يجد طريقةً للتخلص منها. مثالٌ على ذلك، إذا قمت بفرك قدمك في السجادة، فستتراكم على جسمك شحناتٌ إضافيةٌ، وعندما تلامس أي جسمٍ آخر، فستحصل على صدمةٍ، نتيجة إطلاق الإلكترونات المُتراكمة عليك لجسمٍ آخر.
اكتشاف الكهرباء الساكنة
لُوحظت ظاهرة الكهرباء الساكنة منذ قديم الزمان، وأول ما تم تسجيل هذه الملاحظة كان في القرن السادس قبل الميلاد من قِبل فيلسوف يوناني يُسمى طاليس ميليتوس، فقد لاحظ أنه عند احتكاك قطعتين من العنبر والقماش مع بعضهما، فإنّ جزيئات الغبار الصغيرة ستنجذب إليها.
بعد ذلك بحوالي ثلاثمائة عامٍ، جاء فيلسوفٌ آخر هو ثيوفراستوس، واستكمل عمل طاليس، ولكنه جرّب نفس التجربة على أشياء مختلفةٍ مثل أنواع الحجر المختلفة، وحصل على نفس نتيجة طاليس.
لم يجد هؤلاء الفلاسفة مصطلحًا مناسبًا أو معبرًا عن هذه الظاهرة، إلى أن جاء مصطلح كهرباء بعد ذلك بما يقارب 2000 عام، وكلمة كهرباء بالإنجليزية مأخوذةٌ من الكلمة اللاتينية Electricus، والتي تعني "مثل العنبر" إلى أن جاء بنجامين فرانكلين وقام ببعض التجارب الشهيرة كي يفهم هذه الظاهرة.
أهمّ تطبيقاتها
للكهرباء الساكنة العديد من التطبيقات المفيدة في حياتنا اليومية، إليك بعض منها:
- القضاء على التلوث: وذلك من خلال استخدام أجهزةٍ فكرة عملها تقوم على الكهرباء الساكنة بالأساس، حيث يتم إطلاق شحناتٍ على الجزيئات الملوثة في الجو، ثم يتم جذبها على صفيحةٍ أو أداة تجميع الشحنة الكهربائية المضادة.
- المداخن: يندفع الكثير من الدخان من مداخن المصانع، كما يُسبّب تلوثًا للبيئة، لهذا تلجأ المصانع لاستخدام الكهرباء الساكنة، للتخلص من التلوث الناتج عن مدخناتها قبل أن ينتقل للغلاف الجوي، حيث يتم إعطاء جزيئات الدخان شحنةً كهربائيةً، وعندما يمر الدخان خلال أقطاب الشحنة المقابلة، فإنّ تلك الجزيئات تنجذب للأقطاب الكهربائية، فتمنع جزيئات الدخان الضارة من الخروج إلى الهواء الجوي.
- تنقية الهواء: تفيد فكرة الكهرباء الساكنة في هذه الحالة أيضًا، فهناك ما يُسمى الهواء المُؤين لتنقية الهواء، وهو شائع الاستخدام عند بعض الناس في المنازل، وفكرته مثل شحنة المدخنة، حيث يتم شحن الملوثات في المنزل بشحنةٍ ما، ثم تنجذب هذه الجزيئات الملوثة إلى المؤين، وهي فكرةٌ تقوم على الكهرباء الساكنة بالطبع.
- الزيروغرافي: أو التصوير الجاف، وهي آلةٌ تعتمد على الكهرباء الساكنة، وتستخدم في الطباعة، حيث يتم شحن الحبر المستخدم، وينجذب إلى المكان المحدد، المشحون بالشحنة المقابلة.
- طلاء السيارات: يمكن استخدام الكهرباء الساكنة في عملية طلاء السيارات أيضًا، حيث يتم شحن جزيئات الطلاء بشحنةٍ كهربائيةٍ ما، ثم يتم إطلاق الطلاء على السيارة فتنجذب جزيئات الطلاء إلى الشحنة المقابلة على السيارة، وتتم عملية الطلاء بكلٍّ إتقانٍ.