تريند 🔥

📱هواتف

ما هي الوضعية

نادر حوري
نادر حوري

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

4 د

ظهرت في القرون القليلة الماضية العديد من التوجّهات والفلسفات النظرية التي تطرّقت إلى مختلف جوانب العلوم التطبيقية والنظرية، وتُعتبر النظرية الوضعية أبرز تلك النظريات التي تركت بصمةً مميّزةً وأصداءً قويّةً في المجتمع الفلسفي على الرغم من السلبيات والانتقادات الدامغة الموجّهة إلى المنهج الوضعي.

ولكن ما هي الفلسفة الوضعية بالضبط؟ ومتى وكيف ظهرت؟ وما هي خصائص المدرسة الوضعية؟ ومن هم أبرز روّادها والمنادون بها؟ في مقالنا هذا سنجيب عن هذه التساؤلات ونضيف شرحًا وافيًّا لأهم معالم وتفاصيل الوضعية المنطقية.


الفلسفة الوضعية

النظرية الوضعية (بالإنكليزية Positivism) هي توجّهٌ فلسفيٌّ معاصرٌ يدرس العلوم الاجتماعية ومعالم المجتمع ضمن أطر الأدلة والبراهين العلمية المنطقية، والتي تتضمّن نتائج التجارب والاحصائيّات والتوصيفات، بهدف توضيح جوانب قضايا المجتمعات المختلفة. وتعتمد تلك الفلسفة بشكلٍ رئيسيٍّ على افتراض أنّه من الممكن الإحاطة بمقتضيات المجتمع كلّها ووضع أسس ومبادئ اجتماعيّة ثابتة لها.

كما وتتطرّق الوضعية المنطقية إلى ضرورة حصر جميع المفاهيم والتوجّهات للعلوم الاجتماعيّة في إطار المحسوسات (أي ما يمكن إدراكه بالحواس والتجربة) وأن النظريات الاجتماعية يجب أن تُبنى على أسسٍ متينةٍ وقويمةٍ ومُمنهجة ذات خلفيّةٍ منطقيّةٍ ومدروسةٍ عبر الحقائق والتجارب الحسيّة.


خصائص المدرسة
الوضعية

يتميز المنهج الوضعي بالعديد من الخصائص التي صبغته بصفاتٍ فريدةٍ عن باقي التوجّهات الفلسفيّة المشابهة، نذكر منها:

  • العلم والمنطق هما المرجعان الوحيدان للمعرفة الحقيقية.
  • الحقائق هي أساس العلوم كلّها.
  • لا تختلف الفلسفة عن العلوم التطبيقية من حيث مصداقيّة الوسائل والأدوات التي تستخدمها للوصول إلى الحقيقية.
  • الهدف الأساسي والجوهر الذي تسعى إليها الفلسفة بكافة مجالاتها هو إيجاد مبادئ ومفاهيم منطقية مشتركة بين جميع العلوم التي تساهم في إرشاد تقدّم البشرية، وكقاعدةٍ متينةٍ لأساسات المجتمع البشري.
  • ترفض النظرية الوضعية العلم المبني على الحدس والتكهّنات اللاهوتية والمعرفة المتيافيزيقية.

تاريخ النظرية الوضعية

يعود الأصل الحديث للفلسفة الوضعيّة إلى ظهور العلوم المعاصرة، أي إلى القرن السابع عشر، حيث طوّر المفكّرون الأوروبييون نظامًا للتقييم والتحقق من صحة أفكارهم، ومثل هذا المنهجيّة لم تكن جديدةً، فقد تطرّق إليها المسلمون في وقتٍ سابقٍ، ولكنّهم مع ذلك أضافوا عناصرَ جديدةً في معادلتهم الفلسفية. على سبيل المثال اتفقوا على أن الاعتماد على الحقائق فوق الطبيعيّة (الظواهر التفسيرات الخارقة للطبيعة) في تفسير المشكلات والظواهر العلمية غير مجدٍ، وهذا النهج في الواقع هو أساس الوضعية المنطقية الحديثة.


أشهر رواد المدرسة
الوضعية

كان أوّل ظهورٍ جليٍّ لمصطلح الوضعيّة ومصطلح الفلسفة الوضعية في عصر الفيلسوف كلود هنري (1760-1825)، والتي وضّحها على أنّها التوجّه العلمي لفهم حقائق الكون. ثمَّ تطوّر مفهوم النظرية بعدها في عصر الفيلسوف الفرنسي أوغست كومتن (1789-1857) الذي كان تلميذًا لكلود، وساهم في وضع الأسس المنهجيّة لمصطلح الوضعيّة والفلسفة الوضعية.

في حين جاء كلٌّ من الفيلسوف هيبوليت تاين (1828-1893) ولونغيست ايميل (1801-1881) ليناديا ويدعما توجّه كومتن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لكن، كانت المسامة الكُبرى لمفهوم الوضعية المنطقيّة على يد الفيلسوف فيين سيركل، الذي جمع شتات المبادئ التي وضعها من سبقه من الفلاسفة في منهجٍ وصيغةٍ واحدةٍ، حتى أصبحت الوضعية في الحاضر معروفةً باسم الفلسفة الوضعية لفيين سيركل.


الانتقادات

على الرغم من أن منطق النظرية الوضعيّة قد يبدو واضحًا للوهلة الأولى، إلا أنه عاجز تمامًا عن تفسير جميع المظاهر الكونيّة من حولنا بشكلٍ كاملٍ اعتمادًا على المنطق، وهذا في الواقع ما جعل روّاده يضمحلون شيئًا فشيئًا حتى أصبح هذا التوجّه الفلسفي مهمّشًا في وقتنا الحاضر، ولم تعد له تلك القاعدة الجماهيريّة الواسعة التي كان يحظى بها.

من الأمثلة البسيطة جدًا على المفارقات التي لايمكن لمنطق الفلسفة الوضعية وضع حلٍّ راسخٍ لها، هي معضلة الشخص الكاذب. هذه المعضلة في الواقع على بساطتها كانت رقمًا صعبًا لمنهج المنطقيّة التي نادت به المدرسة الوضعية.

تقوم معضلة الشخص الكاذب على أنه في حال قال لنا شخصٌ جملةً بسيطةً جدًا وهي أنا كاذب، فهل هو كاذبٌ أم صادق؟ سؤالٌ منطقيٌّ بسيطٌ ولكن ما هو الجواب؟ إن كان صادقًا، فجملته صحيحة وهو بالتالي كاذب، وإن كان كاذبًا فجملة غير صحيحةٍ بالتالي هو صادقٌ.! هذه المعضلة البسيطة تبيّن أن منطق المنهج الوضعي لا يمكنه تفسير كل شيءٍ، حتى الأمور البسيطة كالمثال السابق.

مما استقرأناه في مقالنا نجد أن النظرية الوضعية كانت توجّهًا حافلًا بالأسس والتوجّهات الفريدة، ولكنّها تعجز عن تفسير كل الظواهر من حولنا لذلك فإن الفلسلفة الوضعية لم تنجح في أن تغدو ذلك التوجّه الفلسفي المطلق الذي يجمع العلوم ويوحّد مفاهيم المجتمع.

هل أعجبك المقال؟