ما هي نظرية الحقل الكمومي
تنبع نظرية الحقل الكمومي بشكلٍ جوهريٍّ من نظرية الكم، التي تمثّل الأساس النظري للفيزياء الحديثة بحيث تشرح طبيعة وسلوك المادة والطاقة على المستوى الذري ودون الذري، يشار إليها أيضًا باسم فيزياء الكم أو ميكانيكا الكم، ففي عام 1900 قدم العالم الفيزيائي ماكس بلانك نظريته الكمومية للجمعية الفيزيائية الألمانية التي سعى من خلالها لاكتشاف سبب تغير لون الإشعاع في الأجسام المتوهجة عند ارتفاع درجة حرارتها من اللون الأحمر إلى البرتقالي ومن ثم إلى الأزرق.
وجد بلانك أنه يمكن أن يجد الإجابة على سؤاله بافتراضه أن الطاقة توجد في وحداتٍ فرديةٍ (أطلق عليها اسم الكوانتا) بدلًا من وجودها في موجةٍ كهرومغناطيسيةٍ ثابتةٍ (كما كان يفترض سابقًا) ليمثل وجود هذه الوحدات الافتراض الأول لنظرية الكم.
تطور نظرية الكم
فازت نظرية بلانك بجائزة نوبل للفيزياء في عام 1918، لكن الكثير من التطورات التي قدمها العلماء على مدى ثلاثين عامًا ساهمت جميعها في فهم نظرية الكم، ومن هذه التطورات:
- في عام 1900 قدم بلانك افترضه بأن الطاقة مصنوعةً من وحدات فردية وليست موجاتٍ كهرومغناطيسيةٍ.
- في عام 1905 قدم ألبرت أينشتاين نظريته التي تنص على أن كلًّا من الطاقة والإشعاع يمكن تقديرهما بنفس الطريقة.
- في عام 1924 قدم لويس دي برولي اقتراحه بأنه لا يوجد اختلافٌ جوهريٌّ في تركيب وسلوك الطاقة والمادة على المستوى الذري ودون الذري، وإنما يتصرف كلٍّ منهما كأنه مصنوع من جزيئات أو موجات.
- في عام 1927 قدم فيرنر هايزنبرغ اقتراحه بأن القياس الدقيق والمتزامن (في الوقت عينه) لقيمتين مكملتين لبعضهما مثل موضع وزخم الجسيم دون الذري هو أمرٌ مستحيلٌ، وعلى النقيض من مبادئ الفيزياء الكلاسيكية ستشهد تلك القياسات عيوبًا وتشوّهاتٍ لا مفرّ منها؛ ذلك أنّه كلّما ما زادت دقّة القياس لواحدةٍ من القيمتين، ازداد الخطأ في قياس الأخرى، وهكذا أصبحت تلك النظرية تعرف باسم مبدأ عدم اليقين.
نظرية الحقل الكمومي
هي المبادئ الفيزيائية التي تقوم بجمع كلٍّ من مفاهيم ميكانيك الكم ومفاهيم النسبية لشرح سلوك وتفاعلات الجسيمات دون الذرية من خلال مجموعةٍ متنوعةٍ من حقول القوة، وتوجد نظريتان أساسيتان في الحقل الكمومي ضمن نموذج فيزياء الجسيمات القياسي الذي تم العمل عليه لعدة عقودٍ من السنين وتم تأكيده بالتجارب بدقةٍ، وهما:
نظرية الديناميكا الكهربائية الكمومية (QED)
تمثل هذه النظرية نظرية "الضعيف الكهربائي" التي تعمل على توحيد القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة وتصف العمليات النووية مثل تحلل بيتا المشع عندما تحرق الشمس وقودها. توفر هذه النظرية وصفًا رياضيًا شاملًا لفهم طريقة تأثير القوى الكهرومغناطيسية على المادة المشحونة كهربائيًا في كل مستويات الطاقة؛ حيث تعتبر كلٌّ من القوى الكهربائية والمغناطيسية ناتجةً عن إصدار وامتصاص جسيمات تبادلية خاصة تسمى الفوتونات، وعند توفر الظروف المناسبة تتخلى الفوتونات من الجزيئات المشحونة الأمر الذي يؤدي إلى إمكانية ملاحظتها على شكل ضوءٍ أو أي شكلٍ آخر من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي.
يسود بين علماء الفيزياء اعتقاد واسع النطاق بأن القوى الأخرى المتواجدة في الطبيعة يمكنها أن تمثل أيضًا القوة الضعيفة المسؤولة عن بعض التحللات النووية مثل تحلل بيتا المشع، ويمكن وصفها بعدة نظرياتٍ شبيهةٍ بنظرية الديناميك الكهربية الكمومية QED والتي يطلق عليها اسم نظريات القياس.
نظرية الكروموديناميكا الكمومية (QCD)
تمثل هذه النظرية نظرية "القوي كهربائيًا" أي القوة النووية القوية التي تنتقل في مجال قصير المدى بواسطة جسيماتٍ أوليةٍ تسمى البوزونات (يطلق عليها اسم الغلونات والتي لا كتلة لها) إلى جسيماتٍ أوليةٍ أخرى تدعى الكواركات لإنتاج جزيئاتٍ مثل البروتونات والنيوترونات.
صعوبة نظرية الحقل الكمومي
إن الحقل الكمومي كائن معقدٌ جدًا لاحتوائه على جميع أجزاء الفيزياء بحيث يمكنه وصف أعداد كبيرة من الجزيئات وتفاعلاتها بعدد لا يحصى من الطرق المختلفة، لكن يوجد سببٌ آخر لصعوبة نظرية الحقل الكمومي غير تعقيد الحقل الكمومي وهو علاقة عدم اليقين لهايزنبرغ التي تنص على أن الحقل الكمومي لا يمكن أن يبقى في حالة سكون؛ وإنما يتم تكوين الحقل وتدميره بشكلٍ مستمرٍ، هذا التعقيد هو ما يجعل نظرية الحقل الكمومي صعبة فحتى العدم يصعب فهمه في نظرية الحقل الكمومي.
في نهاية كلامنا يمكننا ان نقول إن فهم التفاعلات الأساسية للمادة يعتمد على فهم نظريات الحقل الكمومي لهذه القوى، لكن العلماء في حالة بحثٍ مستمرةٍ عن نظريةٍ حقليةٍ واحدةٍ تضم جميع القوى بحيث يكون لجميع القوى أصل مشترك وخواص متماثلة.