هل القوانين العلمية نسبية ام مطلقة؟

هل القوانين العلمية نسبية ام مطلقة؟
مرام سليمان
مرام سليمان

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

على مدار التاريخ، كان وضع النظريات والقوانين العلمية وصمودها أمام عقول البشر أمرًا صعبًا، لكن هل القوانين العلمية نسبية أم مطلقة؟

ما نجده اليوم أمرًا طبيعيًا كان في الماضي أمرًا مستحيلًا أو صعب التخيل، فاليوم وصل البشر إلى القمر وتمكنوا من قطع مسافاتٍ طويلة جدًا خلال زمن قياسي، وغيرها من الاكتشافات والتطورات التي تم التوصل إليها بعد الكثير من الثورات العلمية، وإذا ما راجعنا تطور العلم سنجد أن هذا التطور جاء نتيجةً لتغير قوانين طبيعية كانت في فترةٍ ما من الزمن مقبولةً أو يمكن القول بأنها كانت صحيحة في وقتها.

ولعل مركزية الأرض وتسطحها هو خير مثال على ذلك، والتي ساد اعتقاد قديم بأنها مسطحة وأنها مركز الكون إلا أن الاكتشافات والأبحاث المستمرة أدت إلى تغير هذه الفرضية، وغيرها الكثير من الحقائق العلمية التي كان يُعتقد بصحتها، فمثلًا نظرية نيوتن في الوقت كانت ملائمةً لما كان معلومًا في وقته، حيث قال أن الوقت هو نفسه لا يتغير في جميع بقاع الأرض، إلى أن أتى آلبرت آينشتاين لينسف تلك النظرية، ويثبت أن الوقت يتغير من مكان لآخر من خلال الكشف عن رابط خفي بين الزمان والمكان. وما زال يُعتبر مفهوم الوقت كعاملٍ متغير ونسبي حقيقةً رغم أنه ما زال يشكل لغزًا حتى الآن.


ما هو المطلق والنسبية؟

بما إن المعرفة البشرية نسبية فإن الإنسان عن قصد أو بدون قصد يحاول التخلص من هذه النسبية عن طريق ابتكار المطلق، ولكن قبل الدخول في نسبية ومطلق القوانين العلمية علينا توضيح هذين المصطلحين:

المطلق: هو الشيء الثابت غير المتحول الموجود بحكم الضرورة الشديدة له، وهو موضوعي ودائم و ذو صفة واحدة دائمًا في أي مكان و زمان بكل وضوح ودون أي شبهات أو غموض أو شروط.

وعلى العكس منه تمامًا النسبية فهي شيء متحول غير ثابت ويحمل عدة صفات متغيرة من زمان لزمان ومن مكان لمكان ودائمًا لها شروط وتسودها الشبهات والغموض.

خلال تاريخ العلم الكثير من النظريات التي ظهرت وكانت تعتبر نقاط أساسية في حياتنا فقدت أسسها العلمية مع الزمن وثبت زيفها.


هل القوانين العلمية نسبية ام مطلقة؟

تُقبل النظرية العلمية على ضوء الأدلة التي تثبت صحتها مع اتفاق العديد من العلماء حول صحتها، على عكس الفن الذي لا يحتاج إلى أدلة اأو اتفاق فنانين فهو شيء شخصي لا يحتاج لقبول أو مراجعة.

لعل أهم ما قدمته الثورة العلمية لنا هو ألا نقول عن شيء صحيح بشكل مطلق وأن نترك مجال للتراجع ولتغيير أفكارنا في حال ثبت عكس ما نعتقد فيه أو بصحته لأن احتمالية تغيير قواعد العلم واردة جدًا.

وعلينا التفريق بين النظرية العلمية وبين القوانين العلمية، فالنظرية مفهوم نعتبره صحيح بالنظر للأدلة المرافقة له غير إنها ليست مطلقة، أما القانون فهو بيان علمي ثابت وهو أساس النظريات وهو ثابت ومطلق.

فيمكن القول أن العلم ليس ثابتًا، فيمكن لأي اكتشاف جديد أن يقلب كل ما تم التوصل إليه حتى اللحظة رأسًا على عقب، فالكون مليءٌ بالأسرار والألغاز ودائمًا ما يفاجئنا باكتشافات جديدة تقدم إجاباتٍ لأمورٍ كانت غامضة في مرحلة ما، ولهذا فإن أي معلومة نمتلكها اليوم لا يمكن اعتبارها كاملة وثابتة؛ فالعلم والقوانين العلمية أمر نسبي يتغير بتغير المعطيات التي تتوصل إليها أحث الاكتشافات.


المعيار الأساسي للعلم

إنّ العلم هو إداء لإنتاج المعرفة. وهذه العملية تعتمد على رصد الظواهر وتسجيل الملاحظات الدقيقة حول هذه الظواهر، ثمّ وضع النظريات والقوانين لتفسير تلك الملاحظات. والتغيير في المعرفة أمرٌ لا مفرّ منه، لأنّ الملاحظات الجديدة قد تتحدّى النظريات السائدة. لذلك وبغض النظر عن مدى كفاءة أو جودة نظرية ما في قدرتها على تفسير مجموعة من الملاحظات، فقد تُثبِت نظرية أُخرى نفس القدرة على التفسير أو قد تكون أفضل، أو قد تناسب نطاقًا أوسع من الملاحظات.

إذًا في العلم، يتم على الدوام وبصورة مستمرة، اختبار النظريات أو تحسينها أو التخلص منها من حينٍ إلى آخر، سواءً كانت هذه النظريات قديمة أو جديدة. ويفترض العلماء أنه حتى لو لم يكن هناك مجال للوصول إلى الحقائق الكاملة والمطلقة، لكن يمكن القيام بتقديرات تقريبية متزايدة الدقة لتفسير ما يحصل حولنا وكيف يحصل.

نستنتج من ذلك أنّ القوانين العلمية ليست مطلقة بل نسبية، ومع ذلك فإنّ معظم المعرفة العلمية تكون دائمة. فتعديل الأفكار بدلًا من  رفضها هو المعيار الأساسي للعلم، حيث تميل البُنى القوية إلى البقاء والتطور بشكل أكثر دقة وأكثر قبولًا. على سبيل المثال، عندما قام آينشتاين بصياغة قوانين النظرية النسبية لم يتجاهل قوانين الحركة النيوترونية، بل أظهرها على أنها مجرد تقريب للتطبيق المحدود ضمن مفهوم أكثر شمولية.


العلم وتطور العقل البشري

على الرغم من أن القوانين العلمية تستند على أسس، ونظريات، واكتشافات، ومعادلات رياضية مثبتة وصحيحة بالمطلق، إلا أنّ القانون بحد ذاته ليس مطلقًا أبدًا وإنّما نسبيّ؛ ذلك أنّ استمرار تطوّر التفكير البشريّ الناقد وزيادة معرفتنا كبشر بمقدار ما لا نعرفه عن العالم من حولنا جعل أيّة معلومة نعرفها كحقيقة معرّضة في أيّ وقت لأن تنقض ويثبت خطأها، أو يواجه أحد القوانين المُجمَع على صحّتها حالةً شاذّة تعيده إلى دائرة النّقد والتشكيك وإعادة التقييم.

فكما قلنا، المعلومات التي نملكها عن عالمنا رغم كثرتها لا تزال بدائيّة وضئيلة جدًا، والعلم الذي بين أيدينا لا يزال يحتاج للكثير من البحث والجهد ليكتمل. فما نجهله أكثر بكثير مما نعرفه، والحقائق والمعلومات التي توصّلنا إليها  لا تزال مليئة بالنواقص والثغرات؛ وبالتالي لا يمكن أن نقول عنها مطلقة أبدًا.

ناهيك عن التقدّم الهائل والمتسارع في عجلة العلم على مختلف الجبهات، فإنّ معلومات جديدة يتم إثباتها -أو نفيها- يوميًّا تقريبًا؛ فالهاتف المحمول الذي كان أداةً للإتصال فقط منذ عشرة سنوات أصبح اليوم هاتف، كاميرا، وحاسوب متكامل، كما أنّ الكثير من الإجراءات والعلاجات الطبيّة والدوائيّة أصبحت قيد التطبيق بعد أن كانت منذ سنوات محض خيال وجنون والقائمة تطول.

هل أعجبك المقال؟