المغالطات المنطقية وقنص الهفوات: لعبة سيحترفها ذهنك بقراءة الكتب المناسبة

عند الحديث عن المغالطات المنطقية فهناك فكرة شائعة مرتبطة بالمنطق أنه شغل الفلاسفة! ربما تعود هذه الفكرة لمناهجنا الدراسية المملة التي جعلت من آلة المنطق التي ينبغي للكائن البشري العاقل التمرس عليها، مهمة تضطلع بها نخبة من المجتمع ترتقي أبراجًا عاجية وتتفوه بكلام لا يفقهه العامة.

لكن، هل فكرت من قبل أن التفكير المنطقي مهارة ممتعة تُكتسب بالممارسة؟ مهارة بقدر المتعة التي قد يجدها البعض في تعلم لغة ما، أو رقصة جديدة، أو إتقان الغناء مع كاريوكي مرافق. كيف ذلك؟ سأحاول توضيح الأمر بسيناريوهين، قبل وبعد اطلاعك على المغالطات، تخيل معي:

الطريف أن ترامب، رئيس أمريكا العظمى، ارتكب عشرات المغالطات المنطقية في خطاباته السياسية، وهذا ليس غريبًا عن طباع السياسيين! بل هو من استراتيجياتهم المعتمدة والمتعمدة للتأثير على الحشود.

والآن بدل أن تنفعل عاطفيًا مع منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، كإحساسك بالقلق والشك في السيناريو الأول حول شكل الأرض في السناريو فوق. سينشغل ذهنك عوضًا عن ذلك بمعاينة منطق الكلام بغض النظر عن قائله وأي تأثيرات خارجية. ويصبح الأمر بمثابة لعبة عقلية، كلما تصيدت هفوة منطقية من فعلك أو فعل غيرك، شعرت بالمكافأة.

إذًا المغالطات المنطقية هي عبارة عن هفوات في الربط بين الأفكار والتنقل بينها يقع فيها الجميع، قصدًا أو دون قصد. من شأن معرفتك بها، حتى لو كانت متواضعة، أن تنقلك من وضع المتلقي الفاتر/السالب للكلام بأنواعه، إلى مستمع نشط يربط ويفكك ويحلل ما يتلقاه.

تدريجيًا ودون وعي منك، ستكتسب خاصية الغربلة لكل ما تسمعه أو تقرأه، وتحاول قنص المغالطات والانحيازات التي من الممكن أنها تؤثر على الخطاب الذي تتلقاه، سواء تعلق الأمر بالأخبار، تعليق على يوتيوب، كتاب بين يديك أو حتى محادثة يومية مع عائلتك أو أصدقائك.

سيجعلك ذلك أيضًا أقل عرضة للانقياد والتأثر اللاعقلاني بكل ما يتشربه ذهننا البشري المجبول على الانحياز لما يحميه. فكر في الأمر بهذا الشكل، ذهنك أرض تملأها خنادق ومسارات محفورة غائرة في العمق، من السهل الوقوع فيها، من الصعب تبينها، ومن الأصعب استبدالها بمسارات جديدة.

أتذكر أني كنت أنزعج كثيرًا حين أصادف سؤالًا من نوع: “حلل” في الامتحانات، وددت لو أسأل أساتذتي وقتها كيف أفعل ذلك! كيف أحلل! لكني اعتقدت حينها أن العملية تلقائية وطبيعية، يكفي أن تمتلك دماغًا لتقوم بوظائف التفكير. أدركت أن معاناتي مع هذا النوع من أسئلة الاختبارات كانت طبيعية، ولم يكن خطأي أن المنظومة التربوية فشلت في تزويدي بآليات التفكير المناسبة لهذا النوع من الواجبات.

اقرأ أيضًا:

بعيدًا عن الروايات، أفضل الكتب غير الخيالية في عام 2020

ولأجل ذلك، أقترح عليك العناوين التالية التي اكتشفتها في مراحل مختلفة من حياتي، وصرت أعاود تصفحها لإجراء فحوصات دورية لماكينة المنطق لدي، وأصلح الأعطال التي لا يبدو أنها تنتهي أبدًا. طبيعي، نحن نتحدث عن جهاز معقد يقوم بما لا يحصى من المهام، دماغنا الجميل.

عايشت رحلة ولادة هذا الكتاب رجل القش لمؤلفه يوسف الصامت بوحايك التي بدأت بمجموعة منشورات على فيسبوك، إلى نسخة إلكترونية أولية ومجانية، انتهاء بكتاب أنار رفوف المكتبة العربية. إن كنت مبتدئًا في التعرف على هذا الموضوع، فهذه وجبتك الأولى حتمًا! ستفتح شهيتك وتدغدغ حاسة العقلانية لديك. أتذكر أني وجدتني أبتسم في أكثر من موضع وأنا أقع على وضعيات شبيهة بالتي أعايشها في حياتي اليومية.

يعد كتاب المغالطات المنطقية للكاتب عادل مصطفى دليل موسوعي يحتوي على صنوف المغالطات، من أكثرها انتشارًا وأسهلها تعرفًا، إلى الأدق والأميل للتخفي، ما يتطلب قدرًا أكبر من التمرس. هذا الكتاب حتمًا ليس للمطالعة مرة واحدة، بل للعودة إليه من حين لآخر لصيانة تفكيرك دوريًا.

البطة التي ربحت اليانصيب أو حجج فاسدة تجعلنا نبدو أغبياء، لا يخدعنك هذا العنوان المرح الذي يرواغ ليخفي كما من التحدي المستفز موزعًا بين الصفحات. الحجج والمقولات المئة التي يعرضها الكاتب ليست جديدة عليك! لكنك ستنظر لها بعين مختلفة وتكتشف أوتارًا خفية يلعب عليها الساسة ووسائل الإعلام ورجال الدين وجميع من في مصلحته التأثير علينا لهدف أو لآخر.

هذا العمل العظيم الحائز صاحبه على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2011، من شأنه أن يغير تفكيرك جذريًا. ذلك لأنه يستفيض في تشريح نظامي التفكير في الذهن البشري: التلقائي العاطفي البديهي السريع، والمتعمد العقلاني المنطقي البطيء. بعد قراءتي لكتاب التفكير السريع والبطيء لمؤلفه دانيال كانمان، وجدتني أقف أحيانًا كثيرة على تصرفاتي وقراراتي البسيطة جدًا وأتساءل: أي النظامين في ذهني تولى عجلة القيادة؟ لاحظت جليًا كيف تحسنت قدرتي على اتخاذ القرارات، هذا ببساطة لأنه صار لدي فهم واضح حول كيفية عمل مركز اتخاذ القرارات لدي، الدماغ.

ختامًا، أتمنى لك رحلة ممتعة بصحبة عقلك الذي ستتفاجأ في قدراته على قنص الهفوات، ذهنك صياد محترف، أعطه فرصة فقط.

لك أيضًا:

أهم كتب تلخص لك تاريخ البشرية أو جزءًا منه بإيجاز