آلة روب غولدبيرغ … قصة نجاح عبقرية ومجنونة

هل سمعتم عن آلة رول غولدبيرغ من قبل؟ لطالما أضحكتني وأدهشتني بنفس الوقت الرسوم المتحركة التي كان يحاول فيها القط اصطياد الفأر أو محاولة الذئب تأمين عشاءه وامساك الطائر العدّاء السريع باستخدام اختراعات غريبة أو آلات عجيبة تبدأ بحركة بسيطة جداً ليتبعها سلسلة من الخطوات المعقدة للحصول على الغاية البسيطة والمنشودة من هذه المصائد، وكنت أصاب بالحيرة لاستخدام  تلك الشخصيات الكرتونية هذه الطرق المعقدة للوصول لمبتغاهم. ولكنني اكتشفت مؤخراً أن هذه الآلية العجيبة تدعى آلة روب غولدبيرغ .. ماهي هذه الآلة؟ ومن هو مخترعها؟

دعونا نتعرف معاً على مخترع هذه الطريقة وعلى قصة نجاحه المجنونة من خلال هذا الموضوع. ولكن أولاً وقبل أن نبدأ موضوعنا دعونا نشاهد سوية مقطع من مسلسل Tom and Jerry لحلقة تدعى Designs on Jerry.

آلة روب غولدبيرغ أو Rube Goldberg machine كما تدعى بالإنكليزية، هي عبارة عن جهاز أو آلية ميكانيكية معقدة تم تصميمها هندسيا بشكل مبالغ فيه كثيراً لتنفيذ سلسلة من التفاعلات المتسلسلة وذلك للحصول في النهاية على نتيجة صغيرة أو لإنجاز مهمة بسيطة جداً. مع مرور الزمن توسع هذا المصطلح وأصبح يطلق على أي نظام غير مفهوم أو مربك بسبب تعقيده. هذه الميكانيكية الغريبة تنسب لمخترعها رسام الكاريكاتور الحاصل على جائزة بوليتزر، والنحات، والمخترع الأمريكي Rube Goldberg.

وُلِد روب غولدبيرغ في مدينة سان فرانسيسكو عام 1883 واسمه الكامل هو Reuben Garrett Lucius. في فترة مراهقته عمل روب كمساعد لرسام لافتات كبيرة. وعلى الرغم من حبه للرسم إلا أنه عمل بنصيحة أبيه والتحق بإحدى الجامعات للحصول على شهادة جامعية. وبعد تخرجه من جامعة Berkeley بكاليفورنيا باختصاص هندسة التعدين والمناجم، بدأ عمله كمهندس في مديرية الماء والصرف الصحي بسان فرانسيسكو.

ولكن بعد مرور 6 أشهر من العمل في التخطيط لأنابيب الصرف الصحي والحفر 2000 قدم تحت الأرض مع الروائح الكريهة، قرر روب التخلي عن عمله في الصرف الصحي وبدأ عمله في جريدة سان فرانسيسكو كصبي مكتب. خلال تواجده هناك بدأ بإرسال رسوماته لرئيس التحرير بشكل مستمر والإلحاح عليه لنشرها في الجريدة إلى أن وافق المحرر في النهاية على نشر رسوماته.

في عام 1906 وبعد حصول الزلزال المدمر في سان فرانسيسكو انتقل روب إلى نيويورك للبحث عن فرصة عمل جديدة وكان بحوزته وقتها 200 دولار فقط بالإضافة لخاتم ألماس أعطاه إياه والده كضمان له لبيعه وشراء تذكرة عودة إلى دياره في حال فشله وإفلاسه. وبعد مرور فترة من الزمن دون عثوره على أي عمل بدأ الشك يساوره وكان على وشك بيع الخاتم عندما حصل على وظيفة في جريدة Evening Mail كرسام كاريكاتور حينها بدأ صيته بالذيوع بسبب رسوماته ذات الأفكار المميزة والمضحكة.

وكان لدراسته وعمله كمهندس دوراً كبيراً، حيث ساعدت على صقل موهبته الفنية والإبداعية كثيرا وكانت ركن أساسي في تصميماته الميكانيكية العجيبة التي احتوت على أدوات بسيطة يستخدمها الناس بشكل يومي في حياتنا مثل العجلات، الكرات، الأحذية، الأكواب، الكراسي، أقفاص العصافير وغيرها الكثير ليحصل في النهاية على مبتغاه والعثور على الحلول لمشاكل الناس اليومية من خلال تصميماته المعقدة على حد قوله.

أولى تصميماته الغريبة يعود تاريخها لعام 1914 وكانت تظهر على صفحات الجرائد والمجلات حوالي مرتين في الشهر وجذبت انتباه واعجاب القراء البسطاء والمهتمين بالعلم على السواء. وخلال أقل من عام بدأت رسوماته الكرتونية تحقق له دخلاً يعادل 100 ألف دولار سنوياً (أي ما يساوي 2.3 مليون دولار بسعر اليوم). وبدأت المطبوعات بنشر تصاميمه وإعادة نشرها بشكل دوري وتم عرض بعض منها في متحف الفن الحديث في مدينة نيو يورك.

في عام 1930 استقر في هوليوود وتعاقد مع شركة انتاج أفلام ناشئة تدعى Twentieth Century Fox من خلال كتابة نص لفيلم يدعى  Soup to Nuts تم من خلاله تقديم الثلاثي الهزلي الذين عُرِفوا لاحقاً بإسم The Three Stooges حيث كان أحد الشخصيات في الفيلم هو انعكاس لشخصية روب نفسه المخترع غريب الأطوار ذي الاختراعات المجنونة.

على الرغم من أن التصاميم قديمة جداً ويعود معظمها لأوائل القرن الماضي إلا أنها لاتزال وثيقة الصلة بعالمنا الحالي وبكل تعقيداته التكنولوجية. وعلى الرغم من أن روب هو مؤسس هذا النوع من التصاميم إلا أنه لم يقم ببناء أي من هذه الآليات، بل اكتفى برسمها فقط وأصبحت رسوماته الهزلية مصدر إلهام للعديد من المهندسين والعلماء الطموحين.

أصبح اسم روب غولبريغ مرادفاً للتعقيد، وفي عام 1931 قام قاموس Merriam-Webster بإضافة مصطلح Rube Goldberg لمفرداته كصفة تدل على إنجاز عمل ما، كان يمكن إنجازه ببساطة، بطريقة معقدة جدا.

توفي روب في عام 1970 وقد تم تكريمه من خلال  افتتاح قسم خاص به ولاختراعاته في المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي حيث يحوي مئات التصاميم والرسومات وتسجيلات الأغاني وتماثيل وبالطبع مخطوطات لآلات روب غولدبيرغ.

في عام 1995 قامت الحكومة الأمريكية بتكريم اختراعات روب من خلال انتاج طابع بريدي يحوي واحد من أشهر شخصياته الذي يدعى Professor Butts مع تصميمه المسمى “المنديل الذي يعمل بشكل تلقائي”.

عام 2003 و في خطوة من شركة هوندا في حملتها للتسويق للجيل السابع من سيارات Accord في بريطانيا طرحت فيديو إعلاني مميز يدعى The Cog مدته دقيقتين على طريقة آلة روب غولبيرغ. الإعلان كان ناجحاً جداً وحاز على العديد من الجوائز في حينها. كانت تكلفته حوالي 1 مليون جنيه استرليني وعلى الرغم من محدودية العرض للفيديو إلا إنه يعتبر واحد من الإعلانات الأكثر تأثيراً بسبب انتشاره الفيروسي.

في عام 2010 قامت الفرقة الأمريكية OK Go بإصدار فيديو موسيقي لأغنيتهم This Too Shall Pass يحوي حوالي 4 دقائق من آلة روب غولبيرغ. حقق هذا الفيديو أكثر من 40 مليون مشاهدة على يوتيوب.

ويوجد الآن مسابقة سنوية تدعى Rube Goldberg Machine Contest حيث يتبارى فيها طلاب الجامعة فيما بينهم لعمل أكثر آلة روب غولدبيرغ إبداعاً للحصول على الجائزة.

وحسب وصف روب غولدبيرغ بنفسه فإن رسوماته ماهي إلا عبارة عن رمز لقدرة الإنسان على بذل أقصى طاقته لتحقيق أقل النتائج.

في إحدى الخواطر التي كتبها وأبدى فيها روب رأيه عن الجلبة المثارة حوله: “يأتي الناس إلى الاستوديو الخاص بي متوقعين أن يروني متدلياً من الثريا المعلقة في السقف، ودائما يصابون بخيبة الأمل وأنا أيضاً أشعر بخيبة الأمل لأنني شخص طبيعي تماماً”.

هذا هو بالضبط مغزى القصة كلها، كن طبيعياً دائماً ولكن أبداً لا تتخلى عن تحقيق أحلامك المجنونة مهما كانت أو تيأس من نجاحها، ومهما حاول الأشخاص من حولك تثبيط عزيمتك لا تفقد الأمل لأنك في النهاية سوف تنجح، ولكن فقط، إذا آمنت بفكرتك.

أرجو أن تكون القصة قد أعجبتكم!

يوجد المئات من الفيديوهات عن آلة روب غولدبيرغ ، إذا قمتم بالبحث عن Rube Goldberg Machine فستجدون المئات منها على مواقع الفيديو، سأترككم الآن مع بعض من هذه الفيديوهات الرائعة عن آلة روب غولبيرغ … أرجو أن تستمتعوا بها.