🎞️ Netflix

ثقافة الوشم حول العالم: لماذا يُعتبر التاتو اليوم أكثر من مجرد رسوم على الجلد؟

ثقافة الوشم حول العالم
روان سالم
روان سالم

9 د

عندما كنا صغارًا، كنا ننظر إلى الوشم على أنه أداة التعبير عن الشرّ، فيتم تصوير الممثلين الذين يحملون وشومًا على أنهم سيئون وأشرار، وغالبًا ما يحذّرنا آباؤنا من تكوين صداقات مع أصحاب التاتو، ففي نظرهم ونظر غالبية الناس، أنت تحمل وشمًا، إذًا أنت إنسانٌ عنيف، سيئ، شرير وربما سفاح تتعاطى المخدرات وتشكل مع مجموعةٍ من أصدقائك عصابة مافيا.

بعض أنواع الوشوم تعتبر طقسًا من الطقوس المحلية أو الدينية للمنطقة، والأخرى يُنظر إليها وكأنها رمزٌ من رموز النقاء، بينما في بعض الأماكن. قد يضمن لك القبول المجتمعي وكأنه بطاقة عبور إلى تلك البيئة، وفي بعض المناطق، يُقال إنه محرّم بحسب ديانة الشعب. بغض النظر عما يقوله الناس، وعن رأي الأديان بفعل الوشم، سنتكلم هنا عن ثقافة التاتو حول العالم.

جيلُ الألفية اليوم يتباهى بالوشم كشكلٍ من أشكال التعبير عن الذات، خاصّةً وأنّ للتاتو دلالاتٍ مختلفة حسب ثقافة البلد الذي نشأ فيه.


لمحة بسيطة عن التاتو (Tattoo)

التاتو

الوشم هو فن من فنون الرسم، يُطبق على أي منطقة من الجسد، وذلك عن طريق ثقب الجلد بالإبر وحقن الأصباغ والحبر في الطبقة الداخلية العميقة من الجلد، حيث يقوم بذلك إما فنان الوشم، وهو شخصٌ عاديّ يثقب الجلد ويرسم يدويًا، أو عن طريق الآلات حيث يستخدم فنانون محترفون الآلة، تعمل الآلة بشكلٍ أقوى من خلال تشغيل الإبر لأعلى وأسفل في الجلد، فيترسب الحبر بشكل أقوى.

وبالرغم من ظهور الآلات، إلا أنه ما زالت هناك الكثير من البلدان تستخدم الطريقة اليدوية في الوشم. إذا أردت عمل وشمٍ على أي جزءٍ من جسمك، فتأكّد من أنّ قرارك نهائي، لأنّ عملية إزالته أصعب من الحصول عليه، مُكلفةٌ وقد لا يُزال الوشم بشكلٍ نهائي.

طبعًا هناك عدة إجراءات قبل الحصول على التاتو، فيجب أن تتأكّد من حصولك على بعض التطعيمات، ويُفضل أن تتحدّث إلى طبيبك قبل التفكير في الموضوع إذا كنت تعاني من مشاكل صحية، فهناك بعض الأمراض التي لا تسمح لجسمك بتحمّل الحصول على وشم.


ثقافة الوشم حول العالم: كيف يُنظَر إلى التاتو في مختلف أنحاء العالم؟

كيف يُنظَر إلى الوشم في مختلف أنحاء العالم؟ هل يُعاقَب الوشم؟ هل هناك غرامات؟ إليك المعتقدات والقوانين في بعض البلدان:


الوشم في أمريكا: أصبح اليوم شكلًا من أشكال التعبير عن النفس

في الولايات المتحدة الأمريكية، كان الوشم يُعتبر من صفات الأشخاص غير الأسوياء، البحارة وراكبي الدّراجات النّارية، ولكن ساعد فيما بعد البرنامج التلفزيوني الواقعي، ميامي إنك (Miami Ink)، الذي يصف أحداثًا واقعية حصلت في محل الوشم في ميامي بيتش في فلوريدا، وساعد على أن يصبح الوشم شائعًا لدى الشباب الأمريكي.

اليوم، تغري وتزيّن الوشوم بشرة حوالي 40% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 26-40 عامًا، وليس من المستغرب أن ترى المعلّم أو الطبيب أو حتى الرئيس هناك، يحمل وشمًا، حيث اعتُبرت الوشوم اليوم كشكلٍ من أشكال التعبير عن النّفس، حرية شخصية مألوفة، حالها حال الأذن المثقوبة، أو تصفيفة الشعر الغريبة!


في الثقافة اليابانية: لافتات “ممنوع الوشم”!

يتعرّض اليابانيون الذين يمتلكون الوشوم للتمييز ضدهم داخل مجتمعهم وثقافتهم، وتُعتبر مكافحة الوشم قضية أساسية في مجتمعهم. على الرغم من ذلك، ترى أن هناك يابانيون موشومون، وهناك فنانو رسم وشمٍ في اليابان، ولكن يُعاني كِلا الطرفين من الرفض والاتهامات الشديدة، على أنّه محتال، أو مجرم.

“بمجرد رؤيتهم لجزء مرسوم بالوشم من جسدك، يخافون، يحاولون ألا يوجهوا أنظارهم نحوك، ولكن يمكنك أن تشعر بهم وبنظراتهم”، هذا كان ردّ أحد فناني الوشم اليابانيين في مقابلة عند سؤاله عن الموضوع. يتعدّى الأمر كونه حرية شخصية في اليابان، أنت لستَ حرًّا بوشم جسدك، لذا ترى أنّه في بعض الأماكن مثل الحمّامات العامة أو في فنادق معينة، يُحظر على أصحاب الوشم دخولها، إذ تُعرض لافتة مكتوب عليها “ممنوع الوشم (No Tattoo!)”.

لا وشم في اليابان

بدأ الأمر في القرن السابع عشر، عندما سنّت الحكومة قانونًا يقضي بوجوب وشم جميع المجرمين، وهذا الفعل يُسمى في اليابان “بوكي (bokkei)، حيث يصعب عليهم بعد ذلك الحصول على القبول المجتمعي، فالوشم إشارةٌ إلى أن هذا الشخص مجرم.

يعود سبب هذا النفور من الوشوم إلى الياكوزا (yakuza)؛ أو المافيا اليابانية، حيث جاءت وشوم الياكوزا احتجاجًا على ثقافة البوكي، وتقتضي الياكوزا بوشم كامل الجسم، ولا تزال شائعةً حتى يومنا هذا. في المقابل، يرى الرأي العام أن وشوم هؤلاء رائعةٌ حقًا! فهي غنيّة بالرمزية والتقاليد اليابانية وتشمل الصور النمطية عن اليابان: التنين والثعبان وغيرها.

في مفارقة غير مفهومة، يعتبر اليابانيون امتلاك الأجانب (كالأمريكيين البيض مثلًا) الوشم هو شيء يخصّهم، بل يجدونه مميّزًا وجميلًا! بمعنى إذا لاحظ ياباني أنّ زميله الياباني قد حصل على وشم، فإنه يفترض افتراضاتٍ لا أخلاقية بشأنه على الفور، بينما إذا رأى ياباني وشمًا على آخر، أمريكي مثلًا، فيعتبره شيئًا عاديًا، ولا يتم الحكم عليه كشخصٍ سيئ ولا السخرية منه، فالوشم يُعتبر ثقافة مألوفة في بلاد الغرب، إنما ليس هذا الحال بالنسبة لليابان.


في الثقافة الهندية: نقص الفهم حول حقيقة صناعة الوشم

بين حقيقة شيوع الوشم في الهند، وتعدد تفسيرات استخدامه، تواجه الثقافة الهندية مفاهيم خاطئة حول أن يكون لدى الشخص الهندي وشم، وذلك بسبب نقص الفهم والتعليم حول صناعة التاتو بالعموم، على الرغم من أنه وفي الثقافة الهندية بشكل خاص، هناك تاريخ كامل وغنيّ بالوشوم، لديها تقاليد تبلغ من العمر قرنًا من الزمان، ولكلٍّ منها تفسير حول كون الوشم جزءًا مهمًا من فن الجسد.

من أهم استخدامات الهنود للوشم كفنّ جسدي هو اعتباره كبوّابة للتنوير الروحي، حيث استخدمت الأشكال المختلفة للوشوم كوسيلة لتحديد هوية الأحبة في الحياة الآخرة! تطرّقت أيضًا أنواع معينة من الوشوم إلى الإيديولوجيات الجنسية، حيث عبّر بعضها عن هوية النساء المتزوجات، ولا ننسى وشم الحنّاء الذي تُوشم به العروس كرمزٍ لحسن الحظ قبل الزفاف.

التاتو في الهند

أما الجانب المظلم للوشوم في الهند، فيتمثل في وسم بعض الجماعات العرقية والإثنية بشكل معيّن من الوشوم، لتمييزها عن غيرها، حيث تُوشم العديد من النساء الشابات في الثقافة الهندية، باعتبارهنّ أطفالًا ودون موافقتهنّ. استُخدم هذا النوع من الوشوم الجماعية لعقود، وكان الغرض منه تجريد الجماعات المختلفة العرقية من إنسانيتها، وهنا تحوّل الوشم من أداة تعبيرية إبداعية، إلى سلاح لامتلاك الأفراد.

اليوم، يميل الهنود إلى نبذ فن الجسد وإدانته باعتباره فعلًا قذرًا، وذلك بسبب ما نُسب إليه من أمراض متناقلة بسبب الإبر المستخدمة، مثل فيروس نقص المناعة البشرية، لذا يعمل أغلب الشباب الهنود اليوم على إزالة وصمة الوشم من الثقافة الهندية، واستبدالها بالماندالا، والأعمال النقطية المستوحاة من الحنّاء.


في نيوزينلندا: الوشم الماوري

شعب الماوري (Māori) هم السكان الأصليون لنيوزيلندا، ويتمتع هؤلاء بتاريخٍ غنيّ جدًا بالوشوم، فالوشم جزء لا يتجزأ من ثقافتهم، وما يميّز هذا الوشم الماوري هو التركيز بشدة على وشم الوجه، ذلك لأنّ هذا الشعب بالذات يعتبر الرأس هو الجزء الأكثر قداسة في الجسم، وخاصةً إذا كان الشخص ذا مرتبةٍ عالية في المنطقة، فستراه بالتأكيد موشومًا.

لاحظ المفارقة هنا، ففي حين أنه يُنظر إلى الوشم كفعل تمرّدي في بعض الثقافات، يُعتبر رفض الوشم الماوري تمرّدًا. تبدأ ممارسة الوشم منذ البلوغ باعتباره طقسًا مقدسًا وجزءًا من عادةٍ دينية، وله دلالات أيضًا، فوشوم المحاربين أكثر جاذبية للنساء وأكثر رعبًا للخصوم، والسلبية الوحيدة بالنسبة لهم في هذا الموضوع هي الألم الذي يجعل الموشوم طريح الفراش بينما تلتئم جراحه.


الوشوم في أفريقيا: تختلف المعاني باختلاف المنطقة الأفريقية

أفريقيا من أقدم الأماكن في العالم التي شاع فيها الحصول على وشوم، بدءًا من مومياء مصرية عُثر عليها تحمل وشمًا ويعود تاريخها إلى ألفي عام قبل الميلاد، حيث يُعتقَد حسب التقاليد المصرية أنّ الوشم يرمز إلى الخصوبة، وعبادة الآلهة، ولكن هذا ما يعنيه الوشم في مصر من شمال أفريقيا، بينما تختلف معاني الوشم في المناطق الأخرى.

على الرغم من اعتبار الوشم من المحرّمات في شمال أفريقيا، وذلك بسبب التأثيرات الإسلامية على مر التاريخ، إنما لا يزال هناك تاريخٌ معروف للوشوم في المنطقة، ربما كثقافة متفرّعة، وربما تمرّد. أما في أفريقيا جنوب الصحراء مثلًا، تُعرف ممارسة الوشم بخدش الجلد، حيث استُخدمت الشفرة لقطع الجلد بنمط معين، بحيث يتشكل نسيج ندبي ويبقى شكله واضحًا.

في العديد من القبائل، يعكس مدى تعقيد الوشم الوضع الاجتماعي للشخص، واليوم، أصبح الأمر يتم بما يُسمى “cicatrization”، حيث يُفرك الجلد بعد قطعه بمادة الرماد، تتسبب هذه المادة بروز الجلد فوق البشرة، وهو ما يُعطي شكلًا ثلاثي الأبعاد للوشم.


الوشم في الصين: عارٌ محبّب لدى الشباب!

يُعرف “الوشم” بلغة الماندرين الصينية باسم “ci shen”، ويعود وجوده إلى آلاف السنين، ذو تاريخ معقد، وعلى غرار الثقافة اليابانية، تميّز الصين مجرميها بالوشوم، حتى يكونوا عبرةً في المجتمع. يُعد انتشار التاتو في اليابان عمومًا وصمة عار مرتبطة بالجريمة المنظمة، ومع ذلك، في بلد يزيد عدد سكانه عن 1.3 مليار نسمة، يُعتبر الوشم اليوم جزءًا من ثقافة الشباب، حاله حال الأزياء.


الوشم علاج لصدمة استئصال الثدي

بينما تستخدم اليوم الكثير من النساء تقنية الوشم لاستعادة كثافة حواجبهنّ باستخدام تقنيات مختلفة، منها المايكرو بلايدينج (microblading)، والتي تعيد ثقة النساء بأنفسهنّ، سواء الأصحاء منهن، أو اللواتي فقدنَ حواجبهنّ بسبب السرطان.

على ذات السياق، لاقت هذه القضية -كقضيّة نفسية- رواجًا واستحسانًا، وهذا ما دفع الخبراء والمختصين لدعم النساء المصابات بسرطان الثدي، واللواتي اضطررن لاستئصال الثدي جزئيًا أو كاملًا، حيث اقتُرح عَمل وشم للحلمتين والهالة المحيطة بهما، وذلك للتعويض النفسي للمريضات.

وشم الحلمة

عادةً ما يتم وشم الحلمة بعد حوالي 12 شهرًا من الجراحة، بعد أن يتعافى الجهاز المناعي وتلتئم جروح الاستئصال. يستخدم الخبراء تقنيات تسطيح الندوب قبل الوشم، ثم الرسم ثلاثي الأبعاد بالأحبار ذات الألوان المختلفة، بحيث تشابه الحلمة وهالتها في الجهة المُستأصلة، الأخرى في الثدي غير المستأصل. طبعًا يغيّر هذا الأمر من حياة المرضى تمامًا، يعيد الثقة بالنفس، ويخفّف من صدمة نقص جزء من الجسم.


الوشم والفرص الوظيفية: هل يقلل الوشم من شأنك وفرصة حصولك على عمل؟

ما يُخيّل لنا، هو أن الحصول على وشم سيسمنا بالهيئة السلبية، والنظرة السلبية، وسيؤثر على قضية حصولنا على وظيفة، هذه الصورة النمطية لما كان شائعًا منذ زمن عن ممتلكي الوشوم، طبعًا بغض النظر عما شرحناه سابقًا بالتفصيل عن تفسيرات الوشم في الثقافات المختلفة، ولكن كما قلنا النظرة العامة هي: “أنت تملك وشم، فأنت شخصٌ سيئ”.

ولكن لأخبرك التالي: كون الوشم أصبح قضيةً شائعة -سواء مقبولة أو غير مقبولة- فلم يعد التركيز في التوظيف يتوقف على هيئة الشخص، أبدًا، إنما هناك سمات أخرى مثل الالتزام والإنتاجية والخبرة، وهي ما يهمّ المدير! لم يعد يُنظَر إلى الوشوم كقضية أخلاقية سيئة، هذا استنتاج توصلت إليه دراسةٌ جديدة نُشرت في مجلة العلاقات الإنسانية (Human Relations) حول العلاقة بين الوشوم والأرباح والتوظيف في سوق العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو تغييرٌ جذري عما كان يُعتقد في الماضي.

وجدت الدراسة أن الوشم لا يزال شائعًا، والنساء أكثر وشمًا من الرجال، حيث قال 23% من الرجال إنه لدى كل شخص منهم وشمًا على الأقل، بينما يقابل هؤلاء حوالي 37% من النساء، وتوصّل الباحثون إلى عدم ارتباط الحصول على وشم بالتمييز الوظيفي أو انخفاض الأجور، وهذا ما يدل على أن الوشم أصبح أكثر قبولًا في بيئات العمل.

اسمح لي أن أقدم لك رأيي الشخصي في النهاية:

أعتقد أن الحصول على الوشم حرّية شخصية تمامًا، لا يجب النظر إليه من جانبٍ ثقافي محدد، ولا من صورةٍ نمطيّة محددة، حاله حال الإكسسوارات التي تتزين بها المرأة، أو قصّة الشعر التي تختارها أو يختارها الرجل، فهناك الكثير من النساء اللواتي يحصلنَ على قصة شعر قصيرة. في المقابل، نرى اليوم قصات الشعر الطويلة تجتاح الجنس الذكوري، ومع ذلك، لا يمكنني الحُكم على أحد من قصّة شعره! أنا مثلًا، أحبّ أن أحصل على وشمٍ صغير في معصم يدي، كنوع من أنواع التجمّل فقط، ولكني أخاف الإبر حقيقةً!

ذو صلة

لا تحكموا على الناس إلّا من طريقة تعاملهم معكم، ليلبسوا ما يلبسون ويأكلوا ما يأكلون، ومهما كانت قناعاتهم، فهي تخصّهم.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة