السيارات ذاتية القيادة: مستقبل بلا سائقين.. هل هذا المستقبل قريب؟
مستقبل السيارات و المركبات عمومًا لا يتمحور حول الاستعاضة عن الوقود بالكهرباء, أي أنك ستقطع مسافات شاسعة دون الحاجة للتوقف لأخذ بعض الراحة، وهو ما يبدوا خيالًا علميًا لكنه بين أيدينا الآن -نظرًا للتطور الكبير للسيارات الكهربائية- وموجود بالفعل فقد تخطينا هذا الأمر منذ سنوات وأصبحنا الآن في طريقنا لإلغاء فكرة القيادة اليدوية كليًا.
تخيل أن تستيقظ في يوم ما ممسكًا بقهوتك في يدك مستقلًا سيارتك، لتقضي تلك الدقائق من منزلك إلى العمل في قراءة أخبار اليوم أو حل الكلمات المتقاطعة، أو ربما أخذ قيلولة بعد عناء الليلة السابقة في محاولة النوم، فسيارتك تعرف وجهتها جيدًا وستوقظك فور وصولها.
ربما بعد أن تأخذك سيارتك إلى عملك، تذهب هي لتنضم إلى شبكة السيارات ذاتية القيادة في حيّك لتعمل كسيارة أجرة وتدر لك المال بينما أنت في عملك. قد يكون هذا يومًا عاديًا في المستقبل، فحسب تصريحات بعض الخبراء أصبحت السيارات ذاتية القيادة أقرب مما نتوقع.
لماذا نجعلها ذاتية القيادة؟
عدة تقارير تحليلية كانت تتحدث عن السيارات ذاتية القيادة ومستقبلها، وتنبأت أن تصل قيمة تلك الصناعة إلى أكثر من 196 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 بعد أن وصلت قيمتها خلال العامين الماضيين إلى 4 مليارات دولار فقط. الجدير بالذكر أن هذه الدراسة اختصت بمستقبل صناعة السيارات ذاتية القيادة في السوق الأمريكية.
بجانب كونها تكنولوجيا ساحرة وممتعة، السيارات ذاتية القيادة أكثر أمانًا. نحن نتحدث عن المركز الثامن في قائمة أكثر مسببات الوفاة في العالم, وهي حوادث السيارات فقد كشفت الدراسات أن 94% من تلك الحوادث ترجع لأخطاء بشرية بحتة. لذلك من المنطقي أن تكون التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تفادي الأخطاء البشرية هي الحل.
هذه التكنولوجيا ستقلل من الحوادث بنسبة كبيرة، فبعض البشر تغرهم السرعة ويقودهم طيشهم، كما أن بعض الحوادث سببها سوء التفاهم والتواصل بين السائقين والحركات غير المتوقعة، وهو ما تتفاداه سيارات المستقبل.
لن تعتمد السيارات ذاتية القيادة على الذكاء الاصطناعي الذي يحلل ما حولها فحسب، بل ستكون شبكة تواصل بين جميع السيارات التي بجوارها. هذا يعني أنه عندما ترغب سيارة في المرور ستتواصل مع السيارة التي أمامها لإيجاد الطريقة الأنسب لفتح ممر لها، وقبل أن تقوم أي سيارة بانعطاف مفاجئ، ستعرف جميع السيارات المجاورة بذلك قبل حدوثه لتتخذ احتياطياتها.
كيف تقود السيارة ذاتها؟
فكرة أن تتحرك السيارة بذاتها ليس بالأمر الصعب، فالتحدي الكبير يكمن في أن تحاكي السيارة قيادة البشر لها وتعمل على تحسينها. أساس عمل السيارات ذاتية القيادة يقوم على تحليل البيئة المحيطة واستيعاب الأجسام بكافة أشكالها وتحليلها، وذلك من خلال حساسات الموجات فوق الصوتية، وتعمل هذه الحساسات ببساطة على إرسال واستقبال الموجات التي ترتد عند اصطدامها بجسم، وعن طريق قياس المسافة التي تحركتها الموجة قبل ارتدادها، تستطيع السيارة معرفة الأجسام المحيطة والمسافة بينها وبين تلك الأجسام بدقة.
يُعد هذا جزءًا بسيطًا من التكنولوجيا التي تستند إليها السيارات ذاتية القيادة، فهناك رادارات وليدارات "Lidar" مع استخدام تقنيات بالغة التقدم لضمان عدم حدوث مشاكل بين تواصل السيارات بعضها مع بعض. بالتأكيد لن يترك الذكاء الاصطناعي هذا المجال، فهو ضروري لقراءة البيئة المحيطة والتنبؤ بالحركات غير المتوقعة مثل عبور شخص ما للطريق بشكل مفاجئ أو ما شابه ذلك.
هناك أيضًا جانب ميكانيكي كبير يضمن التحكم بالسيارة بشكل دقيق خصوصًا الفرامل والانتقال بين السرعات المختلفة، بجانب بعض التقنيات الميكانيكية المتقدمة لتحليل انسيابية حركة السيارة. لكن مهما كانت حركة السيارة دقيقة فمهارة البشر أفضل بكثير منها، لذلك هناك عمل كبير يتم حول الجانب الميكانيكي للسيارات ذاتية القيادة.
أين وصلت تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة الآن؟
ذكرنا سابقًا أن السيارات ذاتية القيادة ليست خيالًا علميًا، فهناك بالفعل سيارات نصف ذاتية القيادة، أي أنها سيارات عادية تملك إمكانية القيادة الذاتية في حالات محددة. لكنها لن تأخذك في مشوارك اليومي دون تدخل منك. تُعد هذه مرحلة من المراحل الانتقالية بين القيادة اليدوية والقيادة الأوتوماتيكية بشكل كامل.
اختلف المهندسون والشركات حول الوقت الذي سنرى فيه السيارات ذاتية القيادة في شوارعنا بشكل يومي وتصبح تقنية اعتيادية لدينا. على الرغم من إصرار البعض على أن السيارات ذاتية القيادة وشيكة الظهور، إلا أن مهندسي الشركات الكبري يصرحون أن هذه التكنولوجيا لن ترى النور قبل عقد من الآن على الأقل وربما أكثر. فنحن بحاجة لاكتشاف تقني ثوري لم نصل إليه بعد يمكننا من العيش بأمان بجانب كتلة كبيرة من المعدن تتحرك بذاتها بسرعة كبيرة.
حسب تصريحات منظمة الصحة العالمية، هناك الملايين ممن يلقون حتفهم سنويًا بسبب حوادث السيارات، مما دفع الاتحاد الأوروبي للتخطيط للموافقة على وجود سيارات ذكية المستوى الرابع، وهي سيارات ذاتية القيادة بشكل كامل دون نطاق جغرافي محدد أي دون مسارات محددة، وذلك ضمن محاولاتهم للوصول إلى صفر حالات وفاة بسبب حوادث السيارات بحلول عام 2050.
ليست هناك سيارات ذاتية القيادة بشكل كامل في الأسواق، فسيارات المستوى الرابع غير متاحة للمستهلكين وتتم إداراتها من قبل شركة General Motors المعروفة. أما عن سيارات المستوى الثالث، فإنها سيارات ذاتية القيادة تستوجب قيام السائق ببعض المهام ويمكنه تولى القيادة بشكل كامل في حالات محددة، وهذه السيارات لا توفرها سوى شركة Mercedes-Benz في ألمانيا وشركة Honda في اليابان. هناك أيضًا سيارات المستوى الثاني أو السيارات ذات المساعدة المتقدمة ذات الإمكانيات المبهرة والتكنولوجيا بالغة التطور، والتي تشتهر بها شركة Tesla، علمًا بأنها لاتزال بحاجة لسائق بشري.
بالنسبة لسيارات المستوى الخامس ذاتية القيادة بشكل كامل، فلا أثر لها بعد، ولكن هناك عدة تنبؤات حول إطلاقها في الشوارع خلال الأعوام القادمة، فقد راهن Jeff Atwood مؤسس شركة Stack Overflow على توفر السيارات ذاتية القيادة للمستهلكين بحلول عام 2030 فيما راهن John Carmack مستشار شركة Oculus VR بنفس المبلغ على العكس وذلك بمبلغ 10 آلاف دولار للجمعيات الخيرية، فصرح الملياردير Elon Musk أن Tesla قريبة جدًا من سيارات المستوى الخامس دون تحديد لمدى قربها.
إذًا ما نوع التحديات التي تواجهها سيارات المستوى الخامس؟
العديد من الشركات العملاقة تهتم بالجانب البرمجي "Software" أولًا كونه المسؤول عن إعطاء الأوامر والتحكم في كل ما يحدث على الطريق، مشيرين إلى أن جانب العتاد "Hardware" الخاص بالسيارة لايزال أمامه مساحة كبيرة للتطوير، حيث كانت تملك السيارات قديمًا عدة لوحات إلكترونية لكل منها دور في التحكم بجزء من السيارة لم يعد من الممكن استخدامها الآن، ويجب تطوير لوحة أم متقدمة تستطيع التحكم بكافة مكونات السيارة بشكل متناسق.
فكما ذكرنا، هناك كم كبير من النواقص تحتاج لاكتشافات ثورية لسدها، لذلك ستجد العديد من المقالات التي تتحدث عن كونها فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق. لكن عنصر الذكاء الاصطناعي أضاف بعض الأمل لإحياء تلك التكنولوجيا، ولكنه ليس كافيًا، فالعمليات التي يستطيع الذكاء الاصطناعي تنفيذها خلال ثانية واحدة أقل بعشرات المرات من العمليات التي تقوم بها السيارات ذاتية القيادة!
الخلاصة إن الجدول الزمني لظهور السيارات ذاتية القيادة في الشوارع و الأسواق لا يزال مجهولًا. فحتى بعد تخطي كل تحدٍّ على حدا، يزداد الأمر صعوبةً فور البدء في جمع كل تلك الأجزاء في سيارة واحدة، وهنا تظهر مرحلة جديدة مليئة بالتحديات. لهذا نحن ما زلنا في انتظار الاكتشاف التقني الثوري والعبقري الذي سيجعل السيارات ذاتية القيادة حقيقة بينة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.