هل مازالت مايكروسوفت شركة احتكارية؟
5 د
بعد أيام من صدور ويندوز 10 شنت شركة موزيلا المنتجة لمتصفح فايرفوكس هجوما على شركة مايكروسوفت بسبب صعوبة تغيير المتصفح الافتراضي لنظام ويندوز الجديد، حيث لم يعد بإمكان فايرفوكس وجوجل كروم تحديد متصفحاتهم كافتراضية كما في النسخ السابقة من ويندوز، حيث أن ويندوز 10 يحدد متصفح Microsoft Edge الجديد كافتراضي، وفي رسالة وجهها المدير التنفيذي لموزيلا كريس بيرد إلى مدير شركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا انتقد ما سماه الصعوبات التقنية التي يواجهها المستخدمون من أجل تغيير المتصفح الافتراضي.
انتقادات موزيلا لمايكروسوفت تعيدنا لمنتصف التسعينات من القرن الماضي، فعندما أطلقت مايكروسوفت متصفحها إنترنت إكسبلورر لم يكن هناك منافس سوى متصفح نتسكيب، لذا كان من الضروري أن تقوم – مايكروسوفت – بمحاولات لتدمير المتصفح الأقوى وقتها حتى تستطيع السيطرة على سوق المتصفحات مثلما سيطرت على سوق أنظمة التشغيل.
معركة مايكروسوفت ونتسكيب
يري الكثيرون مايكروسوفت نموذج للاحتكار بأسوأ أشكاله في العالم الرقمي، فمعظم المستهلكين في العالم يستخدمون نظام ويندوز الذي تنتجه، وهو ما يعطي مايكروسوفت إمكانيات إضافية نتيجة هذا الوضع الاحتكاري، حيث تتزايد الأرباح غير العادية التي تحققها بسبب السيطرة على سوق أنظمة التشغيل وغياب أي تنافس.
الخوف من المنافسة، الشك في قيمة المنتج، عدم التأكد من القدرة على الصمود، هذه هي مشاعر مايكروسوفت عند إطلاق إنترنت إكسبلورر، لذلك كان لابد من اتباع طرق أخرى منها على سبيل المثال إطلاق إنترنت إكسبلورر وتوزيعه مجانًا مع حزمة ويندوز وكذلك إصدار رسائل للمستخدم من وقت لآخر بحيث تثير القلق حول مدى سلامة بيانات وخصوصية المستخدم أثناء استخدام نتسكيب، أما الضربة القاصمة التي وجهتها مايكروسوفت لمتصفح نتسكيب فهي استخدام استراتيجية عدم الافصاح عن شروط التوافق الواجبة للمتصفحات مع الإصدارات الجديدة لويندوز، بحيث تمنع نت سكيب من تصميم إصدارات جديدة من البرنامج والتي تتوافق مع ويندوز.
مايكروسوفت وقضايا الاحتكار
في مقال شهير لنعوم تشومسكي بعنوان “اوقفوا مايكروسوفت” انتقد فيها المُفكر الأميركي بقوة هيمنة مايكروسوفت على العالم الرقمي، والتي تتجلى في السيطرة شبه المطلقة لنظام التشغيل ويندوز على كومبيوترات العالم وشبكاته الإلكترونية، وقد لخص تشومسكي هذه الهيمنة في مقولة واحدة “نظام تشغيل واحد، عالم واحد” فهو يري أن العالم الرقمي يتحول تدريجيًا نحو الاحتكار وبالتالي يعكس طبيعة العالم الحقيقي أحادي القطب والذي تهيمن عليه مجموعة صغيرة من النخبة الرأسمالية والشركات العابرة للقارات.
مايكروسوفت جزء من النظام الرأسمالي العالمي، والاحتكار أحد سمات الرأسمالية، فالاحتكار يفسح الطريق أمام شركة أو كيان بعينه إلى بسط هيمنته وفرض منتجه مهما كانت درجة جودته وبالسعر الذي يريده نظرًا لعدم قدرة المنافسين على مواجهته، وهذا كان حال مايكروسوفت في العشرين عامًا الماضية حيث فرضت منتجاتها على العالم كله وكسبت المليارات من الأموال ولكن أيضًا واجهت الكثير من القضايا والتي أثرت بشكل أو بآخر على وضعية الشركة الآن.
أول قضايا الاحتكار التي واجهتها مايكروسوفت كانت في عام 1991 حيث أجرت الحكومة الأمريكية ممثلة من قبل لجنة التجارة الاتحادية تحقيقًا حول ما إذا كانت مايكروسوفت قد حاولت احتكار سوق أنظمة التشغيل للحواسيب، ولكن وصلت التحقيقات لطريق مسدود، وفي أغسطس من نفس العام فتحت وزارة العدل تحقيقا أخر انتهى في عام 1994 بموافقة مايكروسوفت على عدم دمج منتجاتها الأخرى داخل نظام التشغيل الخاص بها.
لكن مع إطلاق متصفح إنترنت إكسبلورر قامت مايكروسوفت بدمج المتصفح مع نظام التشغيل لذلك قامت وزارة العدل عام 1998 برفع دعوى أخرى تتهم فيها مايكروسوفت بانتهاك اتفاق 1994 بشأن احتكار سوق البرمجيات وأنظمة التشغيل.
في عام 1998 تقدمت شركة صن ميكروسيستمز بشكوى إلى المفوضية الأوروبية ضد مايكروسوفت التي رفضت طلبها بمعرفة الأكواد التي تسمح لخوادم صن ميكروسيستمز بالعمل بشكل فعال على أنظمة تشغيل ويندوز، الأمر الذي أبعدها عن سوق أنظمة الخوادم، واعتبرت مايكروسوفت أن الإفصاح عن مثل هذه الأكواد سوف يسمح للشركات المنافسة بتقليد منتجاتها، والاستفادة من أبحاثها وابتكاراتها وانتهاك حقوق الملكية الخاصة بها، بينما يرد معارضون لمايكروسوفت بأن الرفض يقيد حرية المنافسة.
انتهت القضية عام 2007 بدفع مايكروسوفت غرامة قدرها نصف مليار يورو، وتعتبر هذه القضية أكبر وأكثر قضايا الاحتكار تعقيدًا وتكلفة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، إذ كلفت مايكروسوفت حوالي 780 مليون يورو (مليار دولار) على شكل غرامات.
في عام 2004 دفعت مايكروسوفت ما يعادل ثلاث مليارات دولار لتسوية نزاعات قانونية بينها وبين عدة شركات منافسة منها أي بي إم والتي حصلت على مبلغ 850 مليون دولار وأمريكا أون لاين 750 مليون دولار وصن ميكروسيستمز 1.6 مليار دولار.
يضاف لما سبق المئات من قضايا الاحتكار التي أقيمت ضد مايكروسوفت في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وقد خسرت مايكروسوفت معظمها واضطرت لدفع الملايين من الغرامات.
لكن هل تغيرت مايكروسوفت؟
حاولت مايكروسوفت التغيير من صورتها كشركة احتكارية في السنوات الأخيرة بتبني البرمجيات المفتوحة المصدر، فقامت بفتح الكود المصدري لعدد من برمجياتها مثل مترجم لغة سي شارب، ولغة asp.net، كما قامت بتأسيس فرع من شركتها متخصصا في مجال المصدر المفتوح وأطلقت عليه Microsoft Open Technologies، كما سرت شائعات عن قيام الشركة بجعل ويندوز الجديد مفتوح المصدر وهو ما ثبت خطأه في النهاية.
حسب الكثير من المراقبين فإن النسخة الأخيرة من نظام ويندوز أثبتت بما لم يدع مجالا للشك أن مايكروسوفت ما زالت شركة احتكارية، فبعد وعود بفتح الكود المصدري لنظامها، وبعد دعاية ضخمة عن مجانية النظام، لم تأتي مايكروسوفت بشيء جديد يغير من نظرة العالم لها، فقامت بتضمين معظم خدماتها داخل النظام كالمتصفح وخدمتها السحابية ومتجر البرامج… إلخ، وقامت بالتضييق على منافسيها بصعوبة تغيير المتصفح، والتضييق علي المستخدمين برسائل متكررة عن ضرورة تنشيط النظام وإلا سيتم حرمانهم من معظم الميزات وهو ما لم يحدث في النسخ السابقة من ويندوز.
طوال عشرون عامًا دفعت مايكروسوفت المليارات من الدولارات في قضايا الاحتكارات، ولكن فيما يبدو فإن ذلك لم يردعها عن مثل هذه الممارسات، فمايكروسوفت تحاول الحفاظ على وضعها الاحتكاري، كما أن هذه الممارسات تثبت لنا مع الوقت صعوبة كسر هذه الحالة الاحتكارية مع توفر كل الإمكانيات للمحتكر من رأس مال ضخم ومنتجات كثيرة وضعف المنافسة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.