من يتحكم فعلاً في أفكارك؟ أنت أم سياسات السوشيال ميديا الخفية.. الحقيقة المزعجة عن ضعفنا أمام ميتا وتيك توك!
6 د
واجهت ميتا انتقادات حادة في أمريكا ودول العالم بعد إلغاء سياسات التحقق من الحقائق من قبل جهات خارجية، وظهرت دعوات متنوعة لمقاطعتها بمعاونة أشخاص نافذين وقانونيين ومشاهير لمنع تسلل الثقافات المُعادية.
إلا أن هذه الدعوات فشلت تماماً خصوصاً مع دخول حظر تيك توك حيز التنفيذ ثم توقفه لمدة 3 أيام، هذا الحظر في حدّ ذاته والذي لم يتمّ الالتزام به أيضا، قد أثار الكثير من التساؤلات بشأن قدرة المجتمع والحكومة على منع تطبيق ترى أنه ضارّ لمصلحتها القومية ومخالف صريح للقوانين.
فهل يكشف هذين الموقفين عن استحالة التخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى السيطرة قليلاً عليها مهما كانت مخاطرها على المواطنين أو الدولة أو الأمن القومي؟ أم أن الأمر لا يزال قابلاً للإصلاح؟؟
فكّ حظر تيك توك وضرب القانون الأمريكي بعرض الحائط
بدأت أزمة تيك توك في أمريكا عام 2020، مع نهاية فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، والذي أثار المخاوف بشأن استخدام الشركة الصينية ByteDance لبيانات المستخدمين الأمريكيين وتسريبها إلى الحكومة الصينية، والتي لا يخفى على أحد العداء الواضح بينها وبين الحكومة الأمريكية.
وفي الواقع فإن استخدام بيانات المستخدمين للتطبيقات المختلفة على الإنترنت شائع للغاية على مستوى دول العالم، ولكن تتحكم أمريكا بالفعل في معظم إن لم يكن كل هذه التطبيقات، وهي تستخدم بيانات المستخدمين لتوجيه سلوكهم والتحكم في قرارات الشراء وإنشاء محتوى يخدم أيديولوجيتها.
وهذا بالضبط ما لم ولن تسمح به أمريكا لدولة أجنبية ومعادية لها..
فهي من حقها استخدام البيانات كما ترغب بدعوى حرية الاستخدام والتسوق والتعبير، ولكنها في المقابل تحمي مواطنيها بقوّة من أي تأثير مماثل، لذا برزت محاولات مستميتة لكي تتخلى ByteDance عن استثماراتها في أمريكا لصالح شركات أخرى مثل مايكروسوفت وأوراكل.
ولكن هدأ الأمر قليلاً بعد انتهاء سُلطة ترامب المفاجئة، وتعهد ByteDance بنقل بيانات المستخدمين إلى خوادم تديرها شركات أمريكية، إلا أن ضغط المشرعين في الكونجرس استمر منذ عام 2022 ليصدر قانون RESTRICT والذي يمنح الحكومة الأمريكية صلاحيات واسعة للتحكم في تطبيقات تخضع إلى خصوم أجانب، كما أصدرت المحكمة الأمريكية قراراً بحظر تيك توك إذا لم يتخلى عن الشركة الصينية مع منحه مهلة تنتهي في 19 يناير 2025.
لماذا فشل حظر تيك توك في أمريكا؟
دخل تطبيق تيك توك نطاق الحظر بالفعل في أمريكا يوم 19 يناير بقرار بالإجماع من المحكمة الأمريكية، إلا أن ردود الفعل على هذا الحظر جاءت مفاجئة تماما.
فقد ارتفع إقبال الأمريكيين على منصة RedNote الصينية إلى 3.4 مليون مستخدم في يوم واحد بعد أن كان أقل من 700000 لتصبح في المركز الأول على متجر تطبيقات آبل في أمريكا.
كما أنهى الرئيس دونالد ترامب والذي لم يكن تولى مسؤولياته رسميا بالفعل إعادة التطبيق مؤقتاً ومنحه مهلة أخرى لمدة 75 يوما للنظر في أفضل طريقة لكي يعمل بكفاءة دون تهديد الأمن القومي، مع إلغاء أي عقوبات على الخوادم أو التطبيقات التي تسمح بعمل تيك توك، وسواء كان هذا القرار جاء كرد فعل على رغبة الأمريكيين أنفسهم في استمرار التطبيق، أو نتيجة رغبة ترامب في تحقيق مكاسب اقتصادية خاصة، فإن فكّ الحظر يعني ببساطة ضرب الحائط بقانون أمريكي صدر بالإجماع دون أي عقوبات، وكأن مواقع التواصل والمصالح الاقتصادية التي خلفها أهم من أي مخاطر!!
انتهاكات ميتا الصريحة وتحكمها في وصول المحتوى
وبالمثل واجهت ميتا في الفترة الأخيرة الكثير من الانتقادات التي تؤكد تحكمها في وصول المحتوى بدءاً من ضرورة الاعتماد على الإعلانات المدفوعة لوصول أكثر إلى الجمهور المستهدف، ووصولاً إلى حظر محتوى معيّن لا يتلاءم مع سياساتها مثل ما عانينا معه كعرب خلال العام السابق من منع أي محتوى لا يتوافق مع طفل أمريكا المدلل في منطقتنا العربية!!
إلا أن ميتا لم تكتف بما تفعله في المنطقة العربية لتتحكم أيضا في وصول محتوى خاص بالديموقراطيين والتي كان في بعضها مناهض لسياسات ترامب الجديدة ضدّ الحريّات.
إن تحكُّم ميتا لمنع محتوى الديموقراطيين وتقييد وصوله بالإضافة إلى سياستها الجديدة لإلغاء التحقق من المحتوى من جهات خارجية وبالتالي السماح للأفكار المُعادية وغير المناسبة بالانتشار أكثر على المنصة، أثار حولها موجة هائلة من الانتقادات ودعوات متفاوتة لمقاطعتها لمدة أسبوع فقط من 19-26 يناير.
فشل دعوات مقاطعة ميتا
فشلت تماما دعوات مقاطعة ميتا رغم وجود أشخاص نافذين وراءها مثل أساتذة قانون ومؤثرين نتيجة تهديد ميتا لحريّة التعبير وانحدارها إلى الذكورة السامّة والجنون النازي الجديد، فقد ارتفعت عمليات الشراء داخل التطبيق على منصات ميتا إلى 1.9 مليون دولار لفيسبوك بزيادة بنسبة 5% و3 ملايين دولار لانستاغرام بزيادة بنسبة 3%.
صحيح أن تحميل التطبيقات تراجع لفترة قليلة للغاية بنسبة 8% على فيسبوك و5% على انستاغرام، إلا أن إيرادات ميتا ارتفعت بالفعل، وكان فشل مقاطعة ميتا لعدة أسباب:
- إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، فتؤكد دراسة في جامعة ولاية كاليفورنيا أن 10% من الأمريكيين مدمنين على مواقع التواصل، مع تمتع ميتا بالفعل بقاعدة مستخدمين ضخمة تصل إلى ثلثي الأمريكيين.
- موافقة 53% من الجيل Z على سياسة ميتا الجديدة لإلغاء التحقق من الحقائق لصالح ملاحظات المجتمع للمحتوى Community Notes، كما يؤيد 32% من الأمريكيين عموماً هذا الاتجاه.
- كان لحظر تيك توك والمخاوف المتعلقة بشأنه دوراً في فشل مقاطعة ميتا بالفعل.
هل من المستحيل بالفعل التخلص من إدمان مواقع التواصل؟
تُهيمن مواقع التواصل الاجتماعي على عقول الملايين حول العالم بالفعل، فقد غيّرت تماماً الطريقة التي نتعامل بها مع الأخبار والمعلومات، ورغم المخاطر المؤكدة لها من انتهاك الخصوصية والمعلومات المضللة والاحتيال وتوجيه الجماهير والتجسس وغيرها، إلا أن الاعتماد الكبير عليها من قبل الشركات والأفراد وأيضا الحكومات للوصول إلى قاعدة جماهيرية ضخمة جعل من الصعب تماماً التخلص منها.
كما أن هذه المنصات تسمح لكل صوت أن يكون مسموعاً، وتمنح الجميع على قول رأيه بطرق مختلفة مهما كانت مكانته أو طريقة تفكيره أو أسلوبه، وهذا يعني مساواة في التعبير إلا إذا لم تتدخل الكيانات المهيمنة على تلك المنصات لمنعها وفقاً لمصالحها.
ورغم هذا كله فإن التخلص من تأثير منصات التواصل الاجتماعي ليس مستحيلاً على الإطلاق، وقد أثبت حظر تيك توك إمكانية التخلص من التطبيقات الضارة بالفعل بالقليل من المجهودات، فبمجرّد حظر التطبيق لمدة 3 أيام ظهرت منصات أخرى استقطبت الجمهور فأعلنت انستاجرام عن Edits لتحرير مقاطع الفيديو، وأطلق Bluesky ميزة الفيديو العمودي على غرار تيك توك تحت اسم Trending Videos وأطلقت منصة إكس ميزة مماثلة، والتي نجحت جزئياً في جذب المستخدمين.
كما توقفت مقاطعة ميتا رغم الانتقادات بشأنها باعتبارها البديل الوطني الملائم بعد حظر تيك توك في أمريكا.إن مخاطر وأضرار مواقع التواصل الاجتماعي حقيقية، ولكن القمع العنيف أثبت دائماً فشله على مستوى العالم في كل العصور، ولكن لا يجب أن يكون البديل على الإطلاق هو الاستسلام التامّ لها وعدم التنبيه المستمر لمخاطرها مع طرح التنظيمات المختلفة والحرص على تطبيقها مجتمعياً وتوفير البدائل الملائمة أيضاً، فهذا فقط ما يضمن الاستخدام الجيّد لها مع الحدّ من مخاطرها.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.