🎞️ Netflix

الكتاب الأصلي والمنسوخ، حرب شعواء تُبنى على أهواء شخصية

الكتاب الأصلي
أحمد سامي
أحمد سامي

4 د

الثقافة هي عِماد الحضارة الإنسانية والشعلة التي تضيء طريق الإنسان نحو المعرفة المُطلقة. للمعرفة والثقافة تاريخ طويل منذ بداية معرفة الإنسان للكتابة والتدوين، بدايةً كانت المعارف حِكرًا على الكهنة ورجال الدين عمومًا، وكان العامة يسعدون إذا تعلموا القراءة والكتابة فقط دون الحصول على المعارف في صورة مكتوبة ورصينة ومُرتبة، ومع الوقت صارت الكتب المعرفية هي التي بنت الحضارة المعاصرة كما نعرفها.

لكن تبقى هناك مشكلة واحدة، مع تطور أساليب الطباعة وحقوق الملكية الفكرية، بات الكتاب سلعةً مرتفعة السعر، فبالتالي تم تزويرها وبيعها للناس بأسعار زهيدة. الآن الحرب بين الكتاب الأصلي والكتاب المنسوح حرب حامية الوطيس لن نشهد لها نهاية، لكن هل حقًا يستحق الأمر كل ذلك التعب؟ هذا ما سنتحدث عنه قليلًا اليوم.


ما الفرق بينهما؟!

الكتاب الأصلي هو الذي يخرج من المطبعة ودار النشر الأصلية التي يتعاقد معها الكاتب لجعل كتابه في صورة ورقية ويصل لعدد أكبر من القُرّاء. تلك، المطابع تعمد في صنع كتبها إلى أساليب جيدة وقوية في الطباعة، التغليف، التقسيم، وكافة شيء يجعل الكتاب يستقر بين يديك في أبهى حلة وأفضل رونق. الكتاب الأصلي يوفر لك راحةً مهولةً في القراءة، فيكون الورق في الغالب أبيضًا أو أصفرًا مريحًا للعين، وعليه يكون النص مطبوعًا بجودة حبر عالية، بينما يكون غلاف الكتاب ذاته ذا رونق حسن إذا كان ورقيًّا، وإذا كان كارتونيًّا فيكون صلبًا ومصقولًا بدرجة كبيرة تحافظ على الكتاب ومحتوياته لأطول فترة زمنية ممكنة، ونظير كل ذلك التعب من كتاب، طباعة، ورونق، يكون سعر الكتاب الأصلي مرتفعًا.

لكن على الصعيد الآخر عندما نتحدث عن الكتاب المنسوخ، فنقول أنّه حرفيًّا منسوخ. فالقائمون على نسخ الكتب يقومون بشراء نسخة واحدة من الكتاب الأصلي، ويضعونها على آلة تصوير ورقية لتُنتج آلاف النسخ التي في النهاية ستذهب لتُغلف بصمغ رديء وغلاف باهت. بالطبع لا يجب أن نغفل نوعية الورق الخشنة التي تتم الطباعة عليها، وجودة الحبر المتدنية والمُدمرة للعين التي تتم الطباعة بها، وفي النهاية يكون سعره زهيدًا عند مقارنته مع سعر نفس الكتاب لكن بالنسخة الأصلية.


المسألة الأخلاقية

ركيزة الحرب الدائرة بين الكتاب الأصلي والمنسوخ هي ركيزة أخلاقية تعمد إلى الأهواء الشخصية  للقارئ، فعندما تنسخ كتابًا وتبيعه للجمهور بشكل غير قانوني وزهيد. هذا لا يضع دار النشر في موقف حرج فحسب، بل أيضًا كاتب العمل نفسه، فعندما يقوم مجموعة من الناس بتزوير كتاب ما وبيعه لحسابهم تكون كل المكاسب ذاهبةً تمامًا لهم، وليس للناشر أو الكاتب أدنى منفعة مالية من ذلك، وعندما لا يتم شراء النسخ الأصلية من الدار تقل المبيعات الخاصة بها، فبالتالي إذا كان موضوعًا في الحسبان عمل طبعة جديدة من الكتاب قريبًا سيتم إلغاء تلك الفكرة من الأساس؛ لأنّ في النهاية لن يشتري الكتاب الأصلي أحد، وسيذهبون جميعهم إلى الكتاب المنسوخ والمزور، وفي النهاية عندما تقف طباعة الكتاب بصورة أصلية، سيخبو ذكر الكاتب الذي كانت الدار تروج له بمبالغ كبيرة ضمن حملاتها الإعلانية؛ لأنّها تعرف أنّ الكتاب سيغطي تكاليف الإعلانات، وهذا يترتب عليه التدهور الحاد في شهرة الكتاب بالسوق، وعليه تتوقف عملية “نسخ” الكتاب ويذهب مجهود الكاتب وطموحه وحلمه أدراج الرياح. حتى يظهر كاتب جديد ويتم حبك شبكة العنكبوت مرةً أخرى حوله حتى يقعد في النهاية ملومًا محسورًا كسابقيه.

الآن هل أنت على استعداد لشراء الكتاب المنسوخ عوضًا عن الأصلي؟!

هذا بالتأكيد يرجع إلى منظورك ورؤيتك لأبعاد الأمر نفسه، فيمكن أن تكون مقتنعًا أنّ الثقافة ليست سلعةً والكاتب يجب أن يفتخر أنّ كتابه يُزوّر بهذا الشكل دِلالةً عن النجاح الباهر الذي يحققه، فبالتالي تدعم شراء الكتاب المنسوخ عن شراء الكتاب الأصلي، ويمكن من الناحية الأخرى أن تكون مقدرًا للجانب الأخلاقي من الفكرة، وتحترم أنّ المجهود المبذول في صنع هذا الكتاب من الصفر يستحق التشجيع، وشراء الكتاب بسعره الأصلي لحثّ الكاتب على تكرار تجربة النشر مرةً أخرى؛ لأنّه يستحق فعلًا.


الزائر الغامض: لن ينتفع أحد طالما أنا هنا!

وفي خضم تلك الحرب المبنية على أهواء شخصية وتباين في وجهات النظر، يوجد ضيف غريب يقول بصوت مرتفع: “لن ينتفع أحد طالما أنا هنا!”، ذلك الضيف هو الكتاب الإلكتروني، أو الـPDF. فالكتاب الإلكتروني هو نسخة محمولة من الكتاب تستطيع فتحها على هاتفك، حاسوبك، أو أي جهاز ذكي آخر في الحياة. من وجهة نظري الـPDF هو الوحيد الذي يطبق المفهوم الصارخ لـ”الثقافة ليست سلعةً”، فأنت في النهاية تُحمّل الكتاب على حاسوبك وتشرع في القراءة دون أن تدفع بنسًا واحدًا في أي كتاب ورقي، أصليًّا كان أو منسوخًا لن يهم الأمر. لكن من الناحية الأخلاقية مرةً أخرى نجد أنّه يساهم في دحر مجهودات الكاتب ودار النشر في كل مرة يتم فيها تحميل الكتاب على جهاز شخص ما.

ذو صلة

وفي الختام

الكتاب الأصلي هو الثقافة كما يجب أن تكون، والكتاب المنسوخ ما هو إلّا تعدي سافر عليها! هل هذه الجملة حقًا صحيحة؟ وهل تلك الحرب الشعواء بينهما من الأساس تستحق أن تُقام؟ هذا ما تحدثنا عنه اليوم بقدر الإمكان، وأرجو بذلك أن أكون أوضحت الالتباس الأخلاقي بينهما بشكلٍ يضع الأمور في نصابها الصحيح.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

بيكون نفسى أشترى الكتاب الأصلى لكن السعر غالى جداً ، فى مرة قررت أشترى كتاب “المستثمر الذكى” من دار نشر رسمية فى معرض الكتاب بسأله بكام قال بـ 700 جنيه وشوية كسور ، طيب بالله عليكم أشترى أنا كتاب بالسعر ده ليه فى حين إن نفس الكتاب بـ 25 و 30 جنيه مصرى فى سور الأزبكية.

فى النهاية أنا مش ضد شراء الكتاب الأصلى ، لكن على دور النشر إنها تكون عندها نظرة لطبيعة الأوضاع المادية للقُراء فى كل بلد ، سعر ال 700 جنيه كأنى من سكان الولايات المتحدة يعنى حوالى 40 دولار لكن أنا مواطن مصرى.

ولو دور النشر قللت من تكلفة الطباعة وإخراج الكتاب النهائى أظن الكل هيكون سعيد جداً وكسبان ، من أول الكاتب مروراً بدار النشر وأخير القارئ الكريم.

شكرا على الإيضاح كان مقال مفيدة

ذو صلة