الزن – Zen وثقافة الهدوء: أن تكون حكيماً كالثعابين ولطيفاً كالحمائم!
4 د
ومع عدم وجود مرجعية واضحة لتعلّم زن، سيكون أساس فهمه عن طريق جلسات التأمّل والتبصّر والحوارات والنقاشات الفلسفيّة ما بين المتعلّم والأستاذ الروحي والدنيوي الخاص به، مما سيحقق تجاوزًا لمستويات الوعي المحدودة وفهم الطريق الصحيح الذي يُعنى به زن. ورغم الارتباط المتأصل ما بين ثقافة زن الفلسفية وديانة المهايانا البوذية؛ إلا أنّه لا يمكن إطلاق صفة المفهوم الديني عليه بشكله الكامل، لما تحمله هذه الفلسفة من خصوصية وجمال.
تاريخ الزن وأعلامه
آتى الزن من بلاد الهند في الزمان الغابر، ونقله إلى الصين الراهب الهندي بودهيدهارما – Bodhidharma في فترةٍ ما في القرن السادس قبل الميلاد، وسمي حينها في الصين باسم شا-آن Ch’an، ولكن هذه الفلسفة الروحية والدينية لم تصل لأوجها حتى أواسط القرن التاسع للميلاد، الذي يرجع إليها معظم أساتذة الزن العظماء والذين نُقلت عنهم الحكم والأقوال والكتب التي صاغت الزن البوذيّة شكلها العالمي والمألوف في زمننا هذا. واستمرت بعدها الزن البوذية بالانتشار في عالم الشرق الأقصى، مُنتقلًا عن طريق النسّاك والمبشرين إلى كوريا واليابان التي تأصل فيها كتأصل المسيحيّة في تاريخ أوربا أو الإسلام في تاريخ الشرق الأوسط، حتّى لاقت تلك الأفكار رواجها في العالم الغربي ومن ثم الكرة الأرضية أجمع بعد محاولات البروفيسور د.ت سوزوكي (Daisetz Teitaro Suzuki 1870-1966)، بنشر مؤلفاته وكتبه عن الزن والبوذيّة في اللغة الإنكليزية في العواصم الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
جوهر زن
يعتمد قلب زن وأساسه على فهم معنى الحياة واستيعابه والعيش فيه بشكلٍ مباشر، دون تضليلٍ من الأفكار والمنطق المعروف أو حتى اللغة بكلماتها ومصطلحاتها ومعانيها. لهذا قد نجد أنّ الزن عبارة عن مزيجٍ متناغمٍ ما بين الماهايانا البوذية والطاويّة، وسنرى هذا اللب الجوهري بممارسات زن التي قد تبدو بسيطة وسهلة وعديمة النفع لدى البعض، لكن علينا فهم إيمان الزن بالتنوير الحقيقي الذي يأتي من التجربة. لأن زن يعرف تمامًا أن العقل يعتمد على مزيجين اثنين مختلفين تمامًا، أحدهما عقلاني والآخر بديهي. فالجزء العقلاني من العقل يعتمد على اللغة والكلمات والتحليل والتفسير، وهذه الأمور قد تكون مُضلّلة في كثير من الأحيان باختلاف المعطيات الخاصة بكل شخص، وترتبط بمستوى إدراك وتعلّم كل شخص لها.
أما العقل البديهي فهو موجود في وعينا الأساسي، خلف حاجز الكلمات ووراء المنطق، دون الحاجة إلى أن نتعلّمه أو أن نشغله. لكن الصعوبة تكمن في الوصول والاعتماد عليه، وهذا ما يسعى إليه الزن في جلسات التأمل والحوار، مع الإيمان بأنه لا يمكننا الوصول إلى عقلنا هذا بوساطة عقلنا الواعي لأنه سيضلّنا ولن يوصلنا إلى حدسنا الكامن أو وعينا المكبوت بسببه.
ممارسة زن (زازن)
تكون ممارسة الزن عن طريق جلسات التأمل التي تُسمّى زازن – Zazen، والتي تسعى إلى إحقاق الهدوء والسكينة في درب استكشاف الروح والعقل الباطن، عن طريق ضبط الانتباه والتحكم بالوعي وتصفية الذهن أكثر ما يمكن، وذلك بتوجيه الوعي والتفكير نحو الفضاء الداخلي الرحب الخالي من ملوثات الحياة ووساوس النفس ومنطق الوجود. أو بكلماتٍ أخرى؛ التفكير بلا شيء حتى عدم التفكير بالتفكير حد ذاته، ممّا يتطلب إيجاد مكانٍ هادئ مع الجلوس بطريقة زهرة اللوتس في أغلب الأحيان.
وعلى ممارس جلسات زازن أن يكون واعيًا ومدركًا لما قد يختبره من أحاسيس ومشاعر وأفكار قد تتراود لذهنه أثناء التأمل، فلا يجب عليه كبحها أو محاربتها أو تغييرها، إنّما ملاحظتها وتركها في سبيلها، كنوعٍ من التخلّي عن التوتر والإرهاق، والخروج من النفس بكل ما تحويه. فهو يراقب روحه ووعيه من الخارج تماماً دونما علاقة مباشرة تربط بها، وبهذا سيطوّر المتأمِل وعيه باتجاه الوعي الكلّي الذي سيجلب له تنوير الحياة، بالإضافة إلى الفوائد الجسميّة المتعددة بما فيها الاسترخاء وإبطاء حركات القلب والتنفّس، وزيادة نشاط العقل في طريق وصوله إلى اللاوعي كما أظهرت بعض الدراسات.
كوان – Koan
تصفق اليدين وتصدر صوتًا، لكن ما هو صوت اليد الواحدة؟
هذا واحد من أشهر الأمثلة عن الكوان، والتي هي مجموعة من الأسئلة والعبارات والقصص المحكية التي تحمل التناقض في طياتها والاختلاف في أجوبتها والتي لا يمكن الجزم فيها نهائيًا. والتي تُطرح على تلاميذ الزن والرهبان لتوسيع مداركهم وآفاق التفكير لديهم، ممّا يتطلب الكثير من التأمّل والتفكير العميق في معطيات الحياة، فلا وجود لجوابٍ واحد أو لصحٍ مطلق أو لخطأ مطلق.
إن فلسفة الزن سواء كانت في شقّها الديني أو في جانبها الروحاني أو في معتقداتها الفلسفيّة، تهدف إلى التعاطي مع الحياة بسهولٍة وسلاسٍة دون تعقيدها أو البحث عن أجوبٍة لتساؤلاتٍ عديدٍة لا معنى من إضاعة الجهد والوقت فيها، فكلٌّ منا سيتعاطى مع الوجود بطريقته الخاصة، فكما يقول شعر زن: إن أردت أن تسأل من أين أتت الأزهار، فحتى إله الربيع لا يعرف.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.