التضليل المتعمد: كيف يمكنك استخدام الخطوط والرسوم البيانية لتضليل المستخدمين؟
9 د
منذ بضعة أسابيع وبينما كنت أتصفح فيس بوك مع التململ مما ينشر عليه صادفني منشور لأحد الأشخاص مرفقاً مع صورة لخط بياني، وكون هذا النوع من المنشورات قليل نسبياً فقد أثار فضولي لقرائته وبالأخص كونه يتناول شركة جوجل وإعلاناتها، وبعد بضعة أسطر فقط انتهيت إلى استنتاج كاتب المنشور كون قطاع الإعلانات لدى جوجل يعني بشدة وعائداتها تتناقص، وبالطبع فقد كان الخط البياني ينحدر بشدة إلى الأسفل.
للوهلة الأولى يبدو المنشور الذي قابلني مقنعاً للغاية، فهو مكتوب بلغة رزينة ويأتي مرفقاً مع رسم بياني يقود لنفس الاستنتاج، ومع أن الرسم البياني الذي اعتمد عليه المنشور صحيح من حيث المبدأ، فهو مضلل للغاية وقد قاد صاحب المنشور إلى ارتكاب خطأ كبير جداً عندما خلط بين “تناقص العائدات” و”انخفاض نسبة النمو”، فالأمران غير مرغوبين بالطبع، لكن هناك فرق شاسع في مدى سلبية كل من الأمرين.
عموماً وبغض النظر عن الرسم البياني الذي ظهر لي مؤخراً، هناك في الواقع آلاف الرسوم البيانية التي يتم تداولها كل يوم وطوال الوقت، وعلى الرغم من أن بعضها يقوم بتقديم المعلومات كما هو مطلوب تماماً، فالكثير من هذه الرسوم البيانية تصمم بشكل مقصود أو غير مقصود لتكون مضللة للغاية.
هنا سنحاول ذكر أهم وأشهر طرق التضليل التي يتم اتباعها بغرض جعل الرسوم البيانية تقود لاستنتاجات كاذبة، وبالطبع فغايتنا هنا هي التوعية حيال الأمر وليس تشجيعه، حيث أن أفضل طريقة لتحمي نفسك من خداع الرسوم البيانية هو أن تعرف كيف يتم هذا الخداع أصلاً.
تغيير مكان خط البداية
ربما يعد هذا الأسلوب هو الأكثر استخداماً للتضليل وواحداً من الأكثر فاعلية دون شك. ولفهم طريقة عمل هذه الخدعة انظر فقط إلى الصورة أعلاه، فهي تمثل قيماً معينة موضوعة بجانب بعضها البعض، وبنظرة سريعة للعين غير الخبيرة يبدو أن هناك انخفاضاً شديداً للغاية بالقيمة بالسير من اليسار إلى اليمين. لكن بالتفكير بالأمر قليلاً، فالواقع هو أن الانخفاض وعلى الرغم من وجوده فهو ليس بهذه الشدة.
ببساطة عندما قمنا بتغيير نقطة البداية لتكون عند 60% تظهر الاختلافات الصغيرة للغاة وكأنها تغييرات كبرى، حيث أن القيمة الثالثة (63%) تبدو أصغر من نصف القيمة الثانية (67%) مع أن الفرق بينهما هو 4% فقط، وبالنظر إلى الشكل المناسب لرسم بياني من هذا النوع (كما الصورة أدناه) يظهر مقدار التضليل في الصورة.
عادةً ما يستخدم التضليل بتغيير نقطة البداية بهدف خلق تفوق يبدو أكبر بكثير من التفوق الحقيقي، ففي حال كنا نتحدث عن نسبة الزبائن الراضين عن الخدمة لعدة شركات مثلاً، وكانت شركتك هي ذات نسبة الرضا 67%، يمكنك استخدام الشكل الأول للرسم البياني لتظهر وكأن هناك فرقاً شاسعاً في رضى المستخدمين عن خدماتك وخدمات منافسيك، وبذلك تقوم بتضليل من يشاهد الرسم ليعتقد أن زبائنك راضون وزبائن الآخرين لا، أو ليغيب عنه كون نسبة رضى 67% فقط تعد سيئة للغاية.
انتقاء أجزاء من المعلومات فقط لتقديمها ضمن الرسم البياني
انظر إلى الرسم البياني أعلاه، في حال كنت قد قرأت الفقرة السابقة بانتباه ستلاحظ حالاً وجود تلاعب بخط البداية ليبدو النمو أكبر بكثير من الواقع، لكن حتى بأخذ الأمر بعين الاعتبار يبدو الرسم وكأنه يمثل نمواً جيداً لسعر سهم شركة ما مما يعني أن الشركة تنتعش وتقوم بالأمور بالشكل الصحيح كما هو مطلوب. بالطبع في حال كانت البيانات المتاحة هي ما هو موجود في الصورة السابقة فاعتقادك صحيح، لكن النظر إلى رسم بياني أشمل (الصورة أدناه) يعطي انطباعاً مختلفاً تماماً.
بالنظر إلى المعلومات كاملة ضمن سياق زمني أشمل يظهر الحقيقة حول نمو سعر سهم الشركة التي افترضناها، فالنمو الذي يبدو مهماً ودليلاً على مسار إيجابي للشركة يخفي حقيقة سعر السهم الذي انهار قبلها من قيمة مرتفعة إلى أخرى منخفضة للغاية، والنمو الذي اعتقدنا أنه علامة إيجابية ليس سوى تقليل للخسائر فقط في الواقع.
عادة ما يتم استخدام هذا النوع من الخداع والتضليل لإظهار نقاط وتغيرات مؤقتة بمنحى معين على أنها جزء من مسار طويل الأمد، فالنظر إلى الجزء المرتفع فقط يوحي بلنمو بينما الحقيقة هي التقلص، وبشكل مشابه من الممكن للخط البياني أن يظهر تقلصاً بينما الواقع هو أن النظرة الأشمل تدل على نمو واضح.
تجاهل العوامل الأخرى المؤثرة مثل التغييرات الموسمية
انظر إلى الرسم البياني أعلاه، وعلى اعتبار أن الرسم يعبر عن عدد زبائن شركة رحلات سياحية ما ماذا ستلاحظ؟ الواضح هنا أن هذه الشركة التخيلية تخسر زبائنها وبسرعة قياسية حتى، حيث أنها فقدت أكثر من نصف زبائنها خلال 9 أشهر فقط، ومع فقدان كبير كهذا لا يوجد خط تصاعدي سابق يبرر هذا الهبوط الحاد للغاية، لكن هناك أمر آخر تماماً من الممكن أن يبرر هذا الهبوط بسهولة: العمل الموسمي.
في حال نظرنا إلى نفس الخط البياني السابق لكن ضمن فترة زمنية أطول (كما في الصورة أدناه) يظهر بوضوح أن هناك طبيعة موسمية لعمل شركة السياحة التي افترضناها، وفي حال كانت شركة سياحية تركز على السياحة الشتوية مثلاً بالدرجة الأولى فهذا يبرر انخفاض زبائنها في الصيف وارتفاعهم مجدداً في الشتاء. ببساطة يمكن أن تكون الشركة مستمرة بالنمو ولو أن خطها البياني ينحدر، لذا يجب أخذ العوامل الإضافية المؤثرة مثل الموسمية بعين الاعتبار.
كما أساليب التضليل الأخرى، عادة ما تستخدم هذه الطريقة لعرض تحسن أو تراجع لقيمة ما ولو لم يكن الواقع يعكس ذلك، حيث أن تجاهل تفاصيل مهمة وعوامل خارجية غير قابلة للتغيير مثل الموسمية سهل التنفيذ ومن الممكن أن يقود إلى خداع من يشاهد الرسم البياني بسهولة.
جعل المحور الرأسي أكبر بكثير مما يحتاج إليه في الواقع
المخطط الظاهر أعلاه يصور تغير متوسط درجات الحرارة لمكان تخيلي طوال فترة ممتدة من الزمن، ومن حيث المبدأ يبدو هذا المخطط سليماً تماماً، فهو يقيس درجات الحرارة طوال 5 عقود من الزمن، كما أنه يستخدم خط بداية هو -20 مما يلغي احتمال كونه يرفع خط البداية للتلاعب بالنتائج. في الواقع المشكلة بهذا المخطط هو أنه يفعل العكس تماماً، فهو يقوم بتكبير المحور الرأسي بشكل مبالغ به دون سبب حقيقي سوى التلاعب بتفكير من يشاهد المخطط.
بالنظر إلى المخطط أعلاه يبدو معدل درجات الحرارة المسجلة للمنطقة التخيلية التي اخترناها وكأنه مستقر دون تغييرات حقيقية، لكن المشكلة هنا هي الاختلافات الكبيرة التي تتركها درجات تغيرات درجات الحرارة في الواقع، فانخفاض أو ارتفاع بضعة درجات يؤثر بشكل كبير جداً على البيئة والكائنات الحية، لذا فالخيار الصحيح هنا هو تصغير مجال المحور الرأسي لتظهر التغييرات بشكل أوضح إن وجدت.
بالنظر إلى نفس المخطط لكن ضمن مجال منطقي (بالنسبة للحرارة المتوسطة المعتادة للمنطقة التي افترضناها) سرعان ما يظهر التغير في درجات الحرارة بشكل أوضح بكثير، فهنا بات من السهل تمييز وجود ارتفاع ملحوظ وكبير على مدار فترة زمنية ممتدة، ومع أن بعض النقاط تكون أخفض مما سبقها، فالاتجاه العام للمخطط هو للأعلى دون شك.
عادة ما يستخدم هذا النوع من التضليل المتعمد لإخفاء التغييرات عند الحاجة لذلك، حيث أن تضخيم المحور الرأسي من الممكن أن يخفي التراجع الطفيف والمستمر للمبيعات مثلاً، كما من الممكن أن يخفي الارتفاع المستمر لدرجات حرارة الأرض كما في حالة الكثير من منكري ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.
استخدام النوع الخاطئ من الرسوم البيانية
في الصورة أعلاه تحاول شركة Papa John’s Pizza عرض التسلسل الزمني للمدراء التنفيذيين الذين تولوا قيادتها، لكن وبغض النظر عن أن الشركة لا تهدف للتضليل حقاً من تقديم المخطط بهذا الشكل، فالنتيجة هي الكثير من اللخبطة في الواقع، حيث أن استخدام مخطط دائري كهذا عند تناول أمر مثل التسلسل الزمني للمدراء هو فكرة سيئة للغاية وغير منطقية أبداً، باختصار هنا سيحتار المشاهد فقط لأن المخطط قد صمم بالطريقة الخاطئة مما جعله عديم الفائدة للمعلومات.
ببساطة يمكن التخلي عن الرسم البياني الدائري واستخدام شكل آخر أنسب لهذه المهمة (خط زمني في هذه الحالة)، حيث أن الأشكال المختلفة للخطوط البيانية موجودة لغايات مختلفة، وبينما تكون هذه الأشكال مناسبة لبعض المهام فهي سيئة جداً لمهام أخرى ببساطة.
تقديم شكل خاطئ لا يعبر عن المعلومات حقاً
في الصورة أعلاه، من المفترض أن يعبر المخطط عن عدد الانتصارات المتوقعة لبعض الفرق في أحد دوريات كرة القدم الأمريكية، ومع أن المخطط يعطي انطباعاً بأنه من نوع “bar graph” حيث كل قيمة ترتبط بمستطيل يطول أو يقصر تبعاً للقيمة، فالتعمق قليلاً بالنظر يظهر عدم وجود أي ارتباط حقيقي بين طول المستطيلات والقيم المرتبطة بها، حيث أن المستطيل الخاص بقيمة 3.9 أكبر من ذاك الخاص بقيمة 6.3، والمستطيل الخاص بقيمة 8.4 أكبر بوضوح من ذاك الخاص بقيمة 10.9.
عادة ما يكون هذا النوع من المخططات غير مقصود في الواقع، فهو ينتج عن الإهمال وعدم الكفاءة عادة ونادراً ما يتضمن نوايا خبيثة، لكن سواء كانت النوايا جيدة أم سيئة تبقى النتيجة واحدة هنا: مخطط سيء ومضلل يعطي انطباعاً مختلفاً عن الحقيقة.
إعطاء استنتاجات خاطئة بناء على خطوط بيانية مختلفة
في هذا النوع من التضليل عادة ما يتم استخدام أشكال بيانية دقيقة نسبياً (مع بعض التضليل أحياناً) لكن التضليل الأساسي يأتي من المعلومات التي يتم بناؤها على هذه الخطوط البيانية سواء كان ذلك نتيجة جهل وعدم دراية أو نتيجة نوايا معينة لإظهار الأمور بشكل مخالف لحقيقتها.
في الصورة أعلاه يظهر المخطط البياني مقدار نمو عائدات Google من قطاع الإعلانات الخاص بها، وبسرعة من الممكن ملاحظة وجود مشكلة كبرى في هذا المخطط: نقطة البداية مرفوعة للغاية عن مكانها المنطقي مما يقود الشخص غير الخبير أو الذي ينظر بسرعة إلى الاعتقاد بأن الأمور تنهار وبسرعة لدى Google وبالأخص كون معظم الأشخاص سيربطون بين المخطط وبين العائدات ويعتقدون مخطئين أن الشركة باتت في طور تراجع العائدات مما يعني أنها بدأت بالانحدار.
على عكس المخطط البياني الأول، يظهر المخطط الأخير (الظاهر أعلاه) الأرقام بشكل أوضح بكثير وبعيداً عن التضليل، حيث أن الأرقام تبدأ من الصفر مما يجعلها أسهل للمقارنة بشكل واقعي، كما أن المخطط يمتد لمدة زمنية أطول والأهم ربما هو أنه يظهر التغييرات على قيمة أخرى، فبينما الخط الأخضر هو نسبة نمو العائدات مقارنة بالسنة السابقة، فالشكل الأزرق هو قيمة العائدات الإجمالية، وكما هو واضح فالعائدات لا تزال تتزايد وبشكل كبير لأن ما تناقص هو نسبة النمو، وعلى الرغم من أن تباطؤ النمو يبدو كأمر سلبي فهو محتوم، كما أن أي نسبة نمو موجبة ولو كانت 0.1% تعني أن العائدات تتزايد لا تتناقص.
للاسف يعد التلاعب بالأشكال البيانية بهذا الشكل شائعاً للغاية وبالأخص اليوم في عصر الإنترنت، حيث أن معظم الأشخاص لن يكترثوا لخبر عن أن شركة قد تباطئ نموها (لكنها لا تزال تنمو بسرعة كبيرة)، لكن عند صياغة الخبر بشكل مبالغ به مع خط بياني يظهر الشركة وكأنها تسير نحو الهاوية تتغير الحالة ويصبح الخبر مهماً للقراء، وللأسف ستجد بين هؤلاء القراء الكثير ممن يسيئون فهم المعلومات التي تم المبالغة بها ومن ثم ينقلونها مع تحوير بسيط ليتحول تناقص النمو إلى انهيار للعائدات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.