كيف سقطت شركة ياهو Yahoo وانتقلت من أهم محركات البحث إلى غياهب النسيان؟
6 د
العام هو 1998، أنت تجلس أمام حاسوبك ذي اللون الأبيض المصفر وتتصل بالإنترنت عبر جهاز مودم يطلق صرخات العذاب مع كل اتصال جديد. كيف من الممكن أن تعثر على شيء على الإنترنت؟ قبل أن تتسرع، الجواب هنا لن يكون Google وبالتأكيد لن يكون Bing. بل سيكون هو محرك البحث Yahoo الذي كان يعيش فترة ذهبية في تلك الفترة، وحتى أن لاحقة بريده الإلكتروني: @yahoo.com كانت اللاحقة المتوقعة من الجميع.
اليوم بعد أكثر من عقدين، على الأرجح أنك ستكون محط السخرية والنكات إن قمت باستخدام ياهو للبحث، وفي حال كان عنوان بريدك الإلكتروني ينتهي بلاحقة @yahoo.com فالجميع سينظر إليك وكأنك من العصر الحجري. حيث أن الشركة التي كانت يوماً ما الملك المتوج للإنترنت هي مجرد اسم من الماضي اليوم بعدما سقطت بشكل شبه كامل، لكن بدلاً من السقطات المفاجئة المتوقعة في عالم الاقتصاد، فقد كان سقوط ياهو كما معظم السقوطات التقنية: بطيئاً ومؤلماً.
البداية والانطلاق نحو النجوم
ربما يكون الإنترنت عموماً أمراً من السبعينيات، لكن الويب (هناك فرق بين الإنترنت والويب. أنت الآن متصل عبر الإنترنت بموقع على الويب لتقرأ هذه الكلمات) من التسعينيات في الواقع. وكما العديد من الأشياء التي انطلقت في التسعينيات كان كل شيء فوضوياً، فالطريقة المعتادة للتصفح هي أن تتذكر عناوين المواقع التي ترغب بالدخول إليها وتكتبها في المكان المخصص، أو في بعض الحالات أن تتصفح المواقع ضمن قوائم عادة ما يتم ترتيبها أبجدياً (قبل أن يصبح عدد المواقع بعشرات الملايين).
عام 1994، تأسست شركة ياهو مع هدف أساسي: أرشفة الإنترنت وصنع منصة فعالة لاستكشاف المواقع المختلفة. وفي إنترنت التسعينيات، كانت خدمة كهذه أمراً ثورياً حقاً وسرعان ما بدأ الملايين بالتدفق إلى موقع ياهو الذي أصبح الثاني في العالم بسرعة (خلف AOL التي كانت شبه محتكرة لتزويد خدمة الإنترنت جاعلة من موقعها المكان الافتراضي لبدء التصفح). ومع أن ياهو لم تكن الوحيدة ولم تبقى دون منافسين، فقد كان نجاح الشركة مثيراً للغاية دون شك.
خلال التسعينيات تمكنت ياهو من تأسيس نفسها كموقع متكامل وحل مثالي لكل ما يخطر بالبال على الإنترنت، فإن كنت تريد البحث فهو بالطبع متاح، كنه ليس الوحيد بل كان يمكنك تصفح الأقسام المخصصة والمفهرسة التي تتضمن اهتمامات متنوعة ومخصصة حسب المستخدم بداية من العلوم والأخبار ووصولاً إلى الترفيه وأخبار المشاهير والشائعات عنهم. ومع أن نمط عمل كهذا يبدو غريباً اليوم، ففي عالم التسعينيات كان ذاك هو النمط الرائج والناجح.
في الواقع ومع نهاية التسعينيات وصلت قيمة ياهو السوقية إلى 125 مليار دولار، وهذا ما جعلها حينها من أكبر شركات التقنية في العالم وحالة خاصة ربما في عالم الأعمال. حيث أن ياهو لم تكن كالشركات التقنية الكبر حينها، فهي لم تبع العتاد كما Apple ولم تنتج البرمجيات كما Microsoft، بل أنها كانت شركة إنترنت بالمعنى الكامل للكلمة، وهذا ما جعلها ربما عرضة للأزمة التي عصفت بعدها بعالم التقنية.
تضييع الفرص والعجز عن رؤية المستقبل
بينما كانت ياهو تتمتع بالنجاح الهائل والقيمة السوقية العظمى التي وصلت إليها، كان هناك لاعب جديد ومخفي في الساحة. وعلى الرغم من أن هذا اللاعب الجديد كان صغيراً للغاية حينها دون أي حصة سوقية أو نموذج عمل فعال، فقد قامت ياهو بأكبر خطأ في تاريخها عندما تجاهلته، وبالطبع فهذا اللاعب حديث العهد هو Google التي باتت معروفة اليوم بكونها العملاق التقني الذي استولى على قطاع ياهو وقطاعات أخرى عدة في إمبراطورية تقنية من الأكبر في العالم.
عام 1998 وقبل أن تصبح Google شركة حتى قام كل من المؤسسين Larry Page و Sergei Brin بعرض بيع خوارزمية البحث الخاصة بهما والمسماة “PageRank” على كل من ياهو ومنافستها حينها AltaVista مقابل مليون دولار أمريكي. ومع أن خوارزمية البحث هذه كانت متفوقة للغاية على ما تمتلكه ياهو، لم تكن ياهو مهتمة بالشراء لأنها لم ترد خوارزمية توفر أفضل النتائج للمستخدم، بل أرادت إبقاء المستخدمين ضمن موقع ياهو نفسه لأطول وقت ممكن.
بالطبع كان تجاهل شراء خوارزمية PageRank خطأً شنيعاً من طرف ياهو، وخلال الأعوام التالية ومع نمو Google المستمر وتشكيلها لخطر حقيقي في السوق أرغمت ياهو على محاولة شراء الشركة مجدداً، لكن بدلاً من مليون دولار أمريكي عام 1998، طلب مؤسسو Google خمسة مليارات عام 2002، وبعد مفاوضات استمرت لعدة أشهر فشل الأمر تماماً ولم تتم الصفقة عل الإطلاق.
بالطبع قد يبدو موقف Yahoo منطقياً من حيث رفض شراء شركة مقابل 5000 ضعف السعر المطلوب سابقاً، لكن عند النظر إلى كون Google قد نمت إلى إمبراطورية بقيمة عدة مئات من مليارات الدولارات اليوم يصبح الأمر بأكمله واضحاً كخطأ كبير للغاية وواحد من أسوأ الأخطاء في تاريخ التقنية.
تأثير انفجار فقاعة الإنترنت
في حال تجاهلنا أثر خسارة حصة ياهو السوقية من البحث مقابل المنافسة الصاعدة Google، فقد كان هناك “كارثة اقتصادية” مدوية مطلع الألفية كادت تطيح بشركة ياهو تماماً كما كادت تطيح بالعديد من عمالقة التقنية الآخرين. هنا نتحدث عما يعرف باسم “فقاعة دوت كوم” أو “فقاعة الإنترنت”. ومع كون الحديث عن الأمر هنا يطول للغاية، فالمهم في الأمر هو أن هذا الحدث أثر بشكل كبير على قطاع الإنترنت والتقنية، حيث انهارت مئات الشركات وتضررت معظم البقية بشكل كبير جداً.
من بين الشركات العديدة المتضررة، كانت ياهو واحدة من الأسوأ حظاً، حيث أن الشركة خسرت أكثر من 90% من قيمتها السوقية خلال أشهر فقط، ومع أنها تجاوزت المحنة دون أن تنهار، فقد كان تعافي الشركة من هذا الحدث بطيئاً جداً وغير مكتمل، فمع أن الشركة عادت للصعود في قيمتها السوقية مطلع الألفية، فقد كان نموها أصغر بوضوح من الشركات التقنية الأخرى التي حققت نمواً أكبر بمراحل.
خلال السنوات التالية لمطلع الألفية بقيت ياهو في حالة ما بين وبين في الواقع، حيث أنها لم تكن تنهار حقاً، لكنها وبنفس الوقت لم تعد شركة تقنية عظمى كما في الماضي، وحتى الخدمات المحورية التي كانت قد حققت شعبية عظمى في الماضي بدأت بالخسارة لصالح المنافسين وعلى رأسهم Google.
التراجع والنهاية المحتومة
بالوصول إلى عام 2008 كانت ياهو قد عادت للتراجع مجدداً، وهنا تلقت الشركة واحداً من أهم عروض الشراء في تاريخها: 44 مليار دولار من قبل مايكروسوفت، لكن وعلى الرغم من كون العرض سخياً للغاية مقابل قيمة الشركة حينها، فقد قوبل بالرفض واستمرت الشركة في محاولات إنعاش عملها من خلال تغييرات متتالية في الإدارة وشراء حصة كبيرة من متجر Alibaba الصيني.
بحلول عام 2012 تولت Marissa Mayer رئاسة الشركة المحتضرة، وأشرفت على مجموعة من الصفقات التي تضمنت شراء منصة Tumblr مقابل 1.1 مليار دولار بالإضافة إلى الاستحواذ على أكثر من 50 شركة جديدة وناشئة في مسعى لعكس المسار السلبي لعائدات الشركة. وعلى الرغم من أن هذه السياسة رفعت قيمة الشركة السوقية وسعر أسهمها مؤقتاً، فقد كانت العائدات المنهارة دليلاً واضحاً على أن أيام الشركة باتت معدودة بالأخص مع كون الجزء المحوري المتمثل بالمنصة ومحرك البحث كانا خاسرين ولا يجلبان أي أرباح.
في عام 2015 وبعد عدة سنوات متعثرة تضمنت الاعتماد على أرباح حصة ياهو من موقع Alibaba كمصدر أساسي للتمويل، تقرر فصل حصة الشركة كجهة مستقلة عن ياهو نفسها، وبذلك بقيت الشركة مكونة من الجزء المحوري فقط وهو محرك البحث والمنصة الأساسية، حيث كان الأمل هو أن إدارة الشركة بحجمها الصغير يحمل معه آمالاً أكبر بالنمو، لكن ما حصل هو العكس في الواقع وتدهورت الشركة من سيئ إلى أسوأ.
بالوصول إلى عام 2016 كانت ياهو أشبه بظل للعملاق التقني الذي كانت تمثله في الماضي، وبعد فضيحة كبرى تضمنت الكشف عن تسريب معلومات 500 مليون مستخدم في واحدة من أكبر التسريبات في التاريخ، تم بيع الشركة لصالح شركة الاتصالات الأمريكية الكبرى Verizon مقابل قرابة 4.5 مليار دولار، ومع أن هذا المبلغ كبير جداً لشركة عادية، فهو صغير للغاية لشركة كانت من الأكبر في العالم التقني طوال الشطر الأول من وجودها.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
كلامك ممتع للغاية
لا اعرف كيف سارد اليكم الجميل, عقلي حائر لم اعرف ما ساكتبه اليكم وجدتها ساوريكم مامدى شطارتي في التفلسف
هل فكرت يوما في الافكار التي جعلتك تفكر دوما وفي اي وقت ان تمت سبب يجعلك تفكر دون ان تعرف انك حقا تفكر
لست بمجنون ولا احمق بل اعي كل ما اقوله
اما الآن ساستدل بدليل قطعي يتبث اني فعلا لا امازحكم:
عندما تتذكر شيء هل تحس انك فعلا تفكر?
على سبيل عندما يتصل بك شخص في هاتفك وانت منهمر بقضاء امورك التي تحب ان تزاولها ( شغل- نقاش هام) تشعر باهتزاز وتدرك حتما انه يوجد من يتصل بك تزيدتقتك عندما تسمع الرنة التي اخترتها بالضب
على العكس عندما تفكر في شيء فكيف يمكنك ان تتبث لي انك تفكر?
لا لست بعالم شهير ولا بفيلسوف انا فقظ ابحث عن العلم لانه ساكن ولا يبحث عن احد
نعم تحققت المقولة: ابحث عن العلم فالعلم لا يبحث عن احد لم اتذكر من قالها ولكنها راسختا في عقلي مند وقت سماعها