جاسبر ماسكلين: الساحر الذي ساعد بريطانيا في محاربة الألمان وجعل الحرب خدعة
جاسبر ماسكلين.. رجل عُرف عنه أنه استخدم السحر في الحرب، حتى أنه لُقب بساحر الحرب. قد تتساءل الآن قائلًا: ما علاقة السحر بالحرب؟ هل جلب هذا الرجل بعض الأرانب وأخرجها من قبعته في ساحات المعركة أم ماذا!
في الواقع ما قام به الساحر جاسبر أعقد من ذلك بكثير، إذ رُوي عنه أنه كان له دور كبير مع بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تمكن من إخفاء الدبابات، وحمى مدينة الإسكندرية من القصف والتدمير، وخدع الجيش الألماني في مدينة العلمين.
كيف فعل ذلك وكيف استفاد جاسبر من حيله السحرية وجعلها صالحة للاستخدام الحربي؟ وهل كل ما نُسب إليه حقيقي فعلًا؟ هذا ما سنعرفه فيما يلي، لكن دعونا نعرف أولًا من هو جاسبر ماسكلين؟
جاسبر ماسكلين.. السحر هو إرثه ومهنة عائلته
وُلد جاسبر ماسكلين في لندن في 29 سبتمبر 1902م، لعائلة مشهورة باحتراف السحر في بريطانيا، فقد ابتكر جده جون نيفيل ماسكلين خدعة التحليق، بينما واصل ابنه خطاه كساحر، أما الحفيد جاسبر ماسكلين، فقد اتبع مسيرة عائلته كساحر منذ سن التاسعة من عمره لكنه حقق نجاحًا باهرًا كساحر مسرحي منذ ذلك الوقت.
كان جاسبر يعرض سحره على مسرح العائلة في لندن، وكانت واحدة من أشهر حيله هي ابتلاع حفنة من شفرات الحلاقة دون أن تؤثر عليه، وكان أيضًا ماهرًا في مجموعة من حيل اليد، وحيل الورق والحبال، بالإضافة إلى التخاطر وقراءة الأفكار، حتى إن عائلته كانت تُطلق عليه لقب العراف، وبسبب كل تلك المهارات كانت الحشود تتدفق لمشاهدة جاسبر.
ظروف الحرب تدفع جاسبر للانضمام للجيش البريطاني
لم يستمر نجاح جاسبر في مسرحه بل قاطعه اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م، وبسبب ظروف الحرب انخفضت مبيعات تذاكر مسرح ماسكلين وتوقفت عروضه وساءت حالته المادية، حينها بدأ جاسبر يتساءل عن أفضل طريقة للاستفادة من مواهبه السحرية الكبيرة وحل أزمته المادية. ومن هنا قرر جاسبر الانضمام لوحدة التمويه في قلعة فارنهام، كان ذلك في 14 أكتوبر عام 1940م.
بالفعل انضم جاسبر للجيش البريطاني، وهناك تم تكليفه بتطوير أساليب جديدة لتمويه القوات في الميدان، وعلى الرغم من حماسه ومهارته إلا أن أفكاره عن استخدام السحر للمساعدة في الحرب لم تؤخذ على محمل الجد في البداية.
وذات مرة زار المفتش العام مركز التدريب، ففكر جاسبر في استغلال تلك الفرصة ليُظهر جزءًا من مواهبه، فقام بتمويه قبو مدفع رشاش، فلفت هذا انتباه المفتش العام وأعجب بقدرات جاسبر في التمويه، ومن ثم قرر إرساله إلى مصر.
جاسبر ماسكلين.. يشكل العصابة السحرية
وصل جاسبر إلى مصر عام 1941م، وأخذ يبحث عن طريقة لتنفيذ مواهبه. ومع ذلك، تم صدّه مرة أخرى بزعم أنه من الأفضل استخدام ألاعيبه تلك للترفيه عن القوات بدلًا من إرباك العدو. لكن جاسبر ثابر وصمم على الوصول لهدفه حتى تمكن بالفعل من تشكيل وحدته الخاصة لإبهار رفاقه.
ولتشكيل الوحدة أجرى جاسبر مقابلات مع أكثر من 400 عضو محتمل، ليكتشف من منهم لديه ميل لخرق القواعد. ثم ضم في مجموعته رسام كاريكاتير، ومهندسي كهرباء، وكيميائيًا، ونجارًا، وغيرهم.
في البداية أطلق الجيش على هذه الوحدة اسم "قسم التمويه التجريبي"، لكن جاسبر كان يرى أن الاسم لم يكن رائعًا أو مخيفًا بدرجة كافية، فقرر تسميتها "العصابة السحرية" وكانت مهمتهم خدعة العدو. ومن هنا بدأت خدع جاسبر وفريقه.
الخدعة الأولى.. ميناء الإسكندرية الوهمي
خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط صراعًا كبيرًا بين الحلفاء والألمان، وحينها كان الجيش الألماني يقذف أهدافًا مهمة في المنطقة، من بينها السفن البحرية البريطانية التي تبحر عبر المتوسط إلى مدينة الإسكندرية في مصر، ولإنقاذ الموقف استدعى الجيش البريطاني العصابة السحرية.
وقد تحدث جاسبر عن الخدعة التي قامت بها العصابة السحرية في مذكراته التي نُشرت عام 1949 تحت عنوان«Magic: Top Secret» ، والتي كتب فيها جاسبر تجربته الكاملة مع الجيش البريطاني خاصة في الفترة التي قضاها في مصر والعمليات التي نفذها هناك، موضحًا مهمة العصابة قائلًا إنها تمثلت في عمل محاكاة لميناء الإسكندرية أي عمل ميناء مشابه لميناء الإسكندرية لخداع الألمان وتضليلهم وإخفاء الميناء الحقيقي عن أعينهم.
وبالفعل قام ساحر الحرب بعمل جولة في ميناء الإسكندرية حفظ من خلالها كل مواقع الميناء، ثم قرر إثبات مواهبه الخارقة وبدأ هو ومئات الجنود في إنشاء ميناء جديد كليًا يشبه ميناء الإسكندرية. صُنع هذا الميناء من الورق المقوى، واختاروا أن يكون موقع الميناء الوهمي على بعد بضعة أميال من بحيرة مريوط، لكنهم لم يحتاجوا لبناء ميناء وهمي بالحجم الكامل، لأن قدرات جاسبر الهندسية ساعدتهم في بناء تصميم أصغر يبدو من منظور الطائرة وكأنه بالحجم الكامل، كما قام ببناء نموذج بالحجم الطبيعي لأضواء الإسكندرية الليلية، وبطاريات مضادة للطائرات، ومنارة أيضًا. وبذلك أصبح هناك ميناء وهمي لتفرغ فيه القوات الألمانية ذخيرتها.
الخدعة الثانية.. إخفاء قناة السويس بالأضواء
أما الخدعة الثانية فكان هدفها منع طائرات العدو من مهاجمة سفن الحلفاء التي تمر عبر قناة السويس، لذلك تمثلت خطة جاسبر هنا في عمل هيكل دوار مصنوع من المرايا التي خلقت عجلة من الضوء الدوار بعرض 9 أميال، بالإضافة إلى 24 كشافًا قويًا ليشتت الطائرات ويجعل قناة السويس غير مرئية. وبالفعل نجحت تلك الخدعة السحرية التي أُطلق عليها اسم الأضواء المبهرة، وتمت حماية سفن الحلفاء ومرت بسلام من قناة السويس، دون أن تتمكن القوات الألمانية من قذفها.
وقد وردت هذه الخدعة في كتاب "The War Magician" للمؤلف الإنجليزي ديفيد فيشر الذي نُشر عام 1983م، وقد استعان المؤلف ببعض قادة الجيش البريطاني الذين كانوا على قيد الحياة وقت نشر الكتاب، والذين أكدوا أن جاسبر كان عميلًا للجيش البريطاني وساعده بخدعه السحرية في المهمات العسكرية.
الخدعة الثالثة.. الهجوم العكسي في العلمين
أما الخدعة الثالثة لجاسبر فكانت في عام 1942، وذلك بالتزامن مع معركة العلمين، حينها كان الجنرال البريطاني برنارد مونتغمري يخطط للهجوم من الشمال، لكنه كان يريد أن يجعل المارشال الألماني إروين روميل يعتقد أن الهجوم البريطاني سيكون من الجنوب، وهنا جاء دور جاسبر.
بدأ جاسبر خطته التمويهية، فقام باستخدام القماش والخشب المطلي، لجعل الشاحنات البريطانية تبدو وكأنها دبابات في الجنوب. وفي هذه الأثناء، كانت الدبابات الحقيقية في الشمال متخفية لتبدو وكأنها شاحنات. كما قام بإنشاء خط سكة حديد مزيف وخط أنابيب مياه مزيف، وقام أيضًا بمحاكاة استعداد الجيوش للهجوم من خلال بثّ محادثات إذاعية مزيفة وأصوات إنشاءات وهمية.
كل تلك الخدع التي قام بها جاسبر جعلت القائد البريطاني المارشال برنارد مونتغمري يحقق أول انتصار ضخم لبريطانيا في الحرب. وقد كتب رئيس الوزراء ونستون تشرشل أنه: "قبل العلمين لم نحقق أي نصر. بعد العلمين، لم نشهد هزيمة. وبدون مساهمات ماسكلين الرائعة، ربما لم يتم الفوز بالمعركة والحرب نفسها".
غادر جاسبر ماسكلين الجيش البريطاني في عام 1946 برتبة رائد، وبعد 3 سنوات، أصدر كتاب "Magic: Top Secret"، الذي يصور نفسه من خلاله كأهم بطل مجهول في حملة شمال إفريقيا بأكملها. وفي عام 1950، انتقل جاسبر ماسكلين إلى إفريقيا، ليكمل مسيرته المهنية، وهناك عمل مديرًا لمدرسة لتعليم قيادة السيارات.
هل جاسبر بطل من ورق؟
على الرغم من مذكرات جاسبر التي أوضح فيها كل تلك الإنجازات إلا أن هناك الكثير من المؤرخين يعترضون على سيرته الذاتية، قائلين إنه بالفعل انضم للجيش البريطاني، ولكنه لم يحقق كل تلك الحيل والإنجازات التي تحدثنا عنها، كما أن العصابة السحرية لم يكن لها وجود في السجلات الرسمية.
وأيضًا على الرغم من أن جاسبر كان عضوًا في وحدة التمويه التجريبية، إلا أن فكرته الخاصة بالدروع التي كانت تخفي الدبابات البريطانية كانت فاشلة إلى أن أعيد تصميمها بإطار فولاذي أخف. كما أن مدينة الإسكندرية لم تكن آمنة أبدًا من الأعداء، حيث تعرضت في مناسبات عديدة للهجوم من قبل الطائرات الألمانية ومرة واحدة من قبل الضفادع الإيطالية.
ولكن أيضًا هناك العديد من المؤيدين لتلك السيرة خاصة وأن خدعة الدبابات في مدينة العلمين يوجد عليها دلائل، ولكن الرافضين لمسيرة جاسبر يقولون إن تنفيذ المهمة ليس بالضرورة معناه أن جاسبر هو صاحب فكرتها.
ظل الخلاف حول حقيقة جاسبر الذي توفي في عام 1973 في نيروبي، بكينيا، قائمًا حتى الآن، فقد رحل وترك وراءه تساؤلًا دائمًا وهو: هل حقق جاسبر فعلًا كل تلك الحيل أم أنه بطل من ورق؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.