حسن العواقب والكتابة النِسوية: حكاية أول رواية عربية في تاريخ السرد العربي!
أول رواية عربية كتبتها امرأة.. حقيقة علمية أدبية تاريخية، رغم أن المعلومة المتداولة والأكثر شهرة تقول إن رواية “زينب” التي صدرت عام 1914، لمؤلفها “محمد حسين هيكل” هي أول رواية عربية، لكن تأتي “زينب فواز” لتزيح هيكل وروايته لتضع روايتها “غادة الزهراء أو حسن العواقب” التي صدرت عام 1899 مكانها حسب السياق التاريخي. وهذا أمر هام ويعني الكثير للمهتمين بالكتابة النِسوية، ويعيد النظر في دور المرأة في الأدب بشكل عام؛ لذلك عند الحديث عن تاريخ الرواية العربية وعن دور المرأة في الكتابة يجب أن نضع اسم “زينب فواز” وروايتها في الصدارة.
نرشح لك قراءة: أفضل 10 روايات عربية على الإطلاق
زينب فواز صاحبه أول رواية عربية
ولدت “زينب فواز” بجنوب لبنان، تعلمت القراءة والكتابة ويقال حفظت القرآن، تزوجت مرتين ولم تنجب، وتفرغت بعدها للأدب وقضايا المرأة. رحلت إلى مصر وعاشت في الإسكندرية فترة من عمرها، ودرست التاريخ والصرف والبيان والعروض واللغتين التركية والفارسية، تتلمذت لحسن الطويراني صاحب مجلة النيل.
وتعليم زينب بهذا القدر لم يكن متاحًا وقتها إلا لفئة قليلة من الشبان، لذلك هي تعتبر عبقرية وشخصية مستقلة قوية مختلفة متحررة في زمانها. انفتحت زينب على جميع الطبقات في عصرها وخالطتهم، وتنقلت بين القاهرة والإسكندرية وبيروت ودمشق، وعلى الرغم من عدم سفرها للخارج مثل اللاتي أسسن مجلات المرأة أو هاجرت لأوروبا، إلا أن هذا الانفتاح جعلها صاحبة أفكار متحررة.
من مؤلفاتها “الدر المنثور في طبقات ربات الخدور“، ومقالات “الرسائل الزينبية” و”مدارك الكمال في تراجم الرجال”، و”ديوان شعر”، وثلاث روايات هي “حسن العواقب أو “غادة الزهراء” و”الهوى والوفاء”، و”الملك قورش”.
رواية غادة الزهراء أو حسن العواقب
كتبت “زينب فواز” رواية “غادة الزهراء” في 231 صفحة في 37 فصلًا، ونشرت عام 1899، أي قبل رواية زينب لمؤلفها محمد حسين هيكل بحوالي خمسة عشر عام، وتدور أحداثها حول صراع بين أميرين “تامر وشكيب” وهما أبناء عمومة، تامر الأكبر سنًا وهو الأحق بالإمارة حسب السن، لكن هذه الأحقية جعلته شابًا مستهترًا يتتبع شهواته، فأصبح شخصًا شريرًا، في حين كان شكيب على النقيض، مما جعل الناس تقترب منه وتحبه، لذلك جاء عمهم وأراد تغيير القاعدة وأن يسند الحكم إلى شكيب.
فغضب تامر وحاول إفساده عن طريق قتل شكيب مرة، وسرقة زوجته مرة، ونشر الترويع وإفساد حياة الرعية. لكنها كلها محاولات باءت بالفشل وتولى شكيب مقاليد الحكم وتزوج حبيبته التي كان يتمناها تامر لكنها رفضته لسلوكه السيئ، وتنتهي الرواية نهاية سعيدة وذيلتها المؤلفة ببيت شعري:
“فإن الذي يبغي على الناس ظالمًا … تصبه رغم عواقب ما صنع”.
الرواية لم تبدأ مباشرة بالأحداث كما هي العادة، لكنها بدأت بمقدمة للروائية تقول فيها بعد حمد الله والصلاة على رسوله محمد:
“فقد اعتمدت نشر هذه الرواية الجميلة ذات الفوائد الجزيلة لقرب عهدها بزمان الوجود والامكان وتخلفها في سير القوافل سبل حديث قد كان، وسميتها بـ”غادة الزهراء” بالنظر لحقيقتها الظاهرة وعنونتها بـ”حسن العواقب” لما فيها من بدائع مجريات العجائب”.
ثم كتبت تنبيهًا قالت فيه:
“قد تعمدت في هذه الرواية تبديل أسماء الأشخاص والبلدان تحاشيًا من ذكر الباقين منهم في قيد الحياة وحرصًا على شرف البيوت الكريمة التي دنسها بعض أبنائها الي هان لديه شرفه في سبيل نوال شهواته فألبس عائلته ثوب خزي كلما أبلته الحوادث جددته الأوقات حمانا الله ووقانا”.
وأعقبت هذا بتقريظات (التقريظ هو المدح والإشادة وكان يأتي على هيئة أبيات شعرية)، ثم بدأت الكاتبة في الفصل الأول من الرواية.
اللغة في رواية غادة الزهراء قديمة، بها مصطلحات وكلمات وتركيبات لغوية لم يعد أحد يستخدمها الآن، لكنها مفهومة بسيطة لا تجد صعوبة ولن تجلد لفظًا مستغلقًا، كما أن أسلوب الكاتبة جاء سلسًا تتنقل بين حادثة وأخرى دون ملل، فالأحداث مترابطة والحبكة جيدة، والصف جيد، خاصة وصف الطبيعة.
وأكثر ما لفت انتباهي طريقة الانتقال من مكان لمكان في الرواية فكانت تتوجه بالحديث المباشر للقارئ، فتقول:
“ولندعه الآن هنا ثم نتوجه بالقارئ جهة الجابية لنعلم ما حصل لجابر […] لنرجع الآن إلى الحصن ونرى ما صار فيه”.
كما أنها كانت تستخدم الشعر كثيرًا بعضه من إنشائها وبعض من الأبيات لشعراء آخرين لكنها لم تبين القائل. فقد كانت وسيلة التواصل بين أبطال الرواية هي الرسائل لذلك امتلأت بالأشعار، كما أنهم كانوا يقولون الشعر في حواراتهم.
وهنا يتبادر سؤال: لماذا كتبت الكثير من الشعر؟ وأعتقد أن سبب كتابة الشعر بهذه الغزارة هو أهمية الشعر وقتها، كما أنها شاعرة وتقرض الشعر، فهي لها ديوان شعر منشور، وتريد زيادة المتعة للقارئ وهذا يأتي بمزج الشعر بالنثر.
بين رواية زينب ورواية غادة الزهراء
في عام 2004، وبمناسبة مرور العقد الأول من مشروع “مكتبة الأسرة” قاموا بطباعة ونشر رواية “غادة الزهراء” وكُتب على غلافها “أول رواية عربية”، والمشهور أن أول رواية عربية هي رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل.. لكن هل هذه المعلومة صحيحة؟
كتب الدكتور حلمي النمنم عن هذه الإشكالية في دراسته التي وضعت في مقدمة طبعة مكتبة الأسرة لرواية “غادة الزهراء” وأشار عدة إشارات نوجزها فيما يلي:
- بناء على الدراسات وتتبع تواريخ النشر، والقواعد النقدية والفنية فإن رواية “غادة الزهراء” للكاتبة “زينب فواز” هي أول رواية عربية.
- طغيان شهرة جيل الرواد “حسين هيكل، توفيق الحكيم، طه حسين، العقاد، أحمد أمين” أحدث ثقبًا في الذاكرة الأدبية العربية، فكان هناك حركة سابقة لهم ومهدت لهم الطريق، وهذه الثقب تسبب في عدة إسقاطات منها كتاب “المرشد الأمين للبنات والبنين” لرفاعة الطهطاوي، واحتساب كتاب “تحرير المرأة” لقاسم أمين رغم أن كتاب طهطاوي سبق كتاب كاتب قاسم أمين بـ27 عامًا.
- في الوقت الذي وقَّع فيه هيكل روايته بـ”مصري فلاح” ولم يكشف عن اسمه إلا بعد شهرة الرواية، سبقته زينب فواز بتوقيع باسمها: “حضرة الكاتبة الفاضلة الأديبة الكاملة نادرة زمانها وفريدة عصرها وأوانها السيدة زينب فواز”.
أن يتأخر خير من ألا يأتي.. جاء نشر رواية غادة الزهراء مقدمة بدراسة حلمي النمنم في مقدمة الكتاب هو بمثابة رد اعتبار للرائدة “زينب فواز”، والتي غبنت الظروف والدراسات النقدية حقها طول هذه السنوات، فكان لا بد من إعادة تكريمها والإشادة بدورها كرائدة في الرواية وشاعرة ومفكرة متمردة متحررة في وقت كانت المرأة تعد دائمًا لأن تصبح سيدة منزل فقط.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.