د. أحمد مستجير.. الأديب المتنكر في صورة عالم!
من يقرأ سيرة الدكتور أحمد مستجير، الأديب ورائد علم الوراثة المصري، لا يملك إلا أن يصاب بدهشة لا تنتهي، دهشة يخالطها مشاعر من الاحترام والإجلال لهذا الرجل النابغة ولما قدمه من إنجازات شملت المجالات العلمية والأدبية على حد سواء.
نشـــأته
أنحاز إلى الأرض الريفية؛ لأني ابنها، وربما كان تفوقي في كلية الفلاحين (الزراعة) بسبب عشقي للزراعة والخيال واللون الأخضر، والريف هو عشقي الأبدي ومنبع الرومانسية المتأججة في داخلي.
في قرية الصلاحات بمحافظة الدقهلية، ولد الدكتور أحمد مستجير عام 1934 وهناك نشأ وتربى، كان والده محباً للعلم وقارئاً نهماً، ملأ أرجاء بيته بالكتب على مختلف أصنافها، كما أنه كان صديقاً للأديب “كامل الكيلاني”، تركت تلك النشأة أثراً هاماً في تكوين شخصية مستجير فيما بعد.
دراسته العلمية
في المرحلة الثانوية من دراسته، افتتن د.مستجير بأستاذه “خليل أفندي”، فأخذ يهتم بقراءة كتب البيولوجيا، كما قرر الالتحاق بكلية الزراعة، وهي الكلية التي تخرج منها أستاذه، حصل بعدها على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة عام 1945 ثم ماجستير في تربية الدواجن عام 1958 ودبلوم وراثة الحيوان عام 1961 من جامعة أدنبرة بإنجلترا وحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة في وراثة العشائر عام 1963، إضافة إلى زمالة الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم.
مسيرة حافلة
أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ واستعذب التأمل في الآخر، وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في النحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق.
في عام 1964 عمل كمدرس بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، ثم أستاذاً مساعداً عام 1971، ثم أصبح عميداً للكلية من سنة 1986 إلى سنة 1995، ثم أستاذاً متفرغاً بها.
كان عضواً في 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية منها: مجمع الخالدين، والجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، والجمعية المصرية للعلوم الوراثية، واتحاد الكتاب، ولجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية في القاهرة.
لقب بـ “أبو الهندسة الوراثية” حيث نبغ في علم الهندسة الوراثية، كما لعب دوراً بارزاً في تطوير زراعة القمح والتصدي لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثاً علمياً في مجال إنتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية، قام أيضاً بتهجين الأبقار بأنواع أجنبية، مستخدماً تكنولوجيا التلقيح الصناعي، كما أثرى المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات في الهندسة الوراثية.
العالــم الشاعــر
في جوف كل عالم شاعر هو الذي يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علماً حقاً، لا علم بلا خيال، ولا شعر بلا خيال، وشطحات الشاعر هي نفسها شطحات العالم..
لم يكن نبوغ الدكتور مستجير حكراً على المجال العلمي، بل ظهر ذلك جلياً في إسهاماته الأدبية، ونظراً لتعدد تلك الإسهامات لقب بـ “الأديب المتنكر في صورة عالم”.
كتب أول قصائده في عام 1954 وكانت بعنوان “غداً نلتقي”، ألقاها على مسامع الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور فلاقت إعجابه وتشجيعه، وانطلق بعدها شاعرنا في إصدار كتاباته ودواوينه الشعرية كان منها : “عزف ناي قديم ” و” هل ترجع أسراب البط ؟”.
كما كان من أبرز جهوده الأدبية كتاباته في عروض الشعر، إذ وضع في إحداها نظرية علمية رياضية لدراسة عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية وأودعها في كتابه “مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي”، إضافة إلى كتابه الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي.
مواقفه الإنسانية وانتصاره للفقراء
أنـا أحـب الإنسـان
عُرف الدكتور مستجير بإنسانيته ومواقفه المشرفة تجاه وطنه وأبناء بلاده، يذكر أنه في أثناء عمله ذات مرة كمهندس زراعي، لفت انتباهه طفل يجمع القطن، يقول في ذلك: “قرأت في وجهه وجه مصر، بهجة غامرة، وحزن بعيد وغامض وعميق”، فأعطاه قرشين، علم مفتش من القاهرة ما فعله مستجير فعنفه وأوصاه أن يعامل الفلاحين بقسوة حتى يهابوه..
ليلتها لم ينم وكتب في مفكرته: “هل تستلزم الوظيفة الجديدة قتل الإنسان داخلي؟ هل يستكثرون أن يحظى الفلاح مني ببسمة؟ يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، أمن أجل 15 جنيهاً احتاجها يقتلون فيَّ الإنسان؟”، ومن فوره ترك مستجير العمل.
كان يرى أن البيوتكنولوجيا بإمكانها أن تستخدم لإسعاد الفقراء، وحل مشاكلهم الاقتصادية فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية، وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير.
فهو يرى أن البشر يعتمدون بشكل كبير في غذائهم على القمح والأرز، ومن هنا بدأ يفكر في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف، ويعد مشروع “زراعة الفقراء” أحد أبرز إنجازاته الذي بدأ العمل فيه عام ١٩٨٩ بمساعدة عدد كبير من المتخصصين في مجال الزراعة.
أبرز مؤلفاتــه
صدرت له سلسلة في بحور العلم، وهي سلسلة علمية ثرية جداً، إضافة إلى مؤلفات في التحسين الوراثي للحيوان منها: مقدمة في علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة.
كما عمل على ترجمة العديد من الكتب إلى العربية نذكر منها : ثلاثة رجال في قارب، أفكار تافهة لرجل كسول، عصر الجينات والإلكترونيات، الربيع الصامت، عقل جديد لعالم جديد.
وفاتـــه
توفي إثر جلطة دماغية أصابته بعد تأثره بمشاهدة ضحايا حرب لبنان على شاشة التلفاز، وذلك في 17 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عاماً في أحد مستشفيات النمسا.
هذه القائمة الطويلة من الإنجازات والأعمال التي قدمها الدكتور أحمد مستجير، تجعل منه خير قدوة لكل طالب علم، بل خير قدوة لكل من أراد أن يحيا كإنسان.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.